× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

رسالة من مرطبان المخلّل إلى الثالوث المحرم

حكاياتنا - حشيش 02-12-2022

لا يتعلّق استخدامي لأسماء مستعارة بالسياسة والخوف من الأمن فقط، فأنا أخفي جانباً مما أكتب عن أبي، وجانباً آخر عن أمي، وجانباً عن زوجتي، وجانباً عن حماتي، وجانباً عن والد زوجتي الذي أسميه «حماتي الذكر»، وحين يسألني أحدٌ عن أعمالي أضطر إلى إجراء عملية اصطفاء لما أذكره منها تبعاً لشخصيته، ولذلك فقد صرت أكتفي بعبارة «ما عم أكتب شي هالأيام»..

الرسم: (E L E N A . ospina - كارتون موفمينت)

تناديني زوجتي بأحد «أسمائي»، وتناديني أمي باسم آخر. رفاق حارتي ينادونني باسم آخر، ورفاقي في الوسط الدرامي باسم آخر، ورفاقي في دور النشر باسم آخر، أما رفاقي في عالم الصحافة فينادونني بأسماء أُخَر.. وهكذا فالقاسم المشترك بين أسمائي أجمعها هي تلك الـ«آخر» التي تحدث عن جحيمها جان بول سارتر، ووفقاً لهذا الأخير فربما لم يتبق مني خالصاً صافياً سوى هذا الجحيم!

أتذكر حين سألني صحافي في المقابلة الوحيدة التي أجريتها في العشرينيات من عمري: «يا فلان الفلاني، لماذا تكتب باسم فلان العلتاني، بينما يبحث الآخرون عن أسمائهم؟». لم يكن هذا الصحافي الحربوق يعلم أن كلا الاسمين مُنتحل. بمرور السنوات تعمّقت علاقتي بهذا الانتحال، حتى إنني صرتُ أستجيب لكل الأسماء التي أنادى بها ما عدا اسمي الحقيقي، وهذا طبيعي فأنا لا أستخدمه إلا في دفع الفواتير (حين أستطيع دفعها) فما الذي تتأمله من بلاد لا يمكنك أن تستخدم اسمك الحقيقي فيها إلا أمام جابي الكهرباء؟!

لقد تعددت أسمائي أكثر مما تعددت أجنحة الحزب الشيوعي السوري يا رعاك الله ورعاهم ماركس وتروتسكي..

لا يتعلّق استخدامي لأسماء مستعارة بالسياسة والخوف من الأمن فقط، فأنا أخفي جانباً مما أكتب عن أبي، وجانباً آخر عن أمي، وجانباً عن زوجتي، وجانباً عن حماتي، وجانباً عن والد زوجتي الذي أسميه «حماتي الذكر»، وحين يسألني أحدٌ عن أعمالي أضطر إلى إجراء عملية اصطفاء لما أذكره منها تبعاً لشخصيته، ولذلك فقد صرت أكتفي بعبارة «ما عم أكتب شي هالأيام».. 

تختلف طريقتي في اختيار اسمي بين مرحلة وأخرى، تبعاً لنظرتي إلى الحياة وإلى الأشياء وفقاً لتطوري العمري والمعرفي. في مُراهقتي كانت أسمائي مستمدةً من الليل والحزن والطيور ونحو ذلك، وفي عشرينياتي من الورود والأزهار حتى استهلكت المشاتل، ثم في الثلاثينيات بدأت أستعير أسمائي من أدوات المطبخ: طاسة، دولة قهوة، مرطبا، قطرميز.. والله يستر مما سأستخدمه في أربعينياتي بعد أن تنفد أدوات المطبخ، الكهربائية منها والعادية... هذا إذا وصلنا إلى الأربعين أساساً.

الرسم: (Payam Boromand - كارتون موفمينت)

مشكلتي الأبدية كانت مع الهوية. بطاقتي الشخصية غير شخصية إطلاقاً، وكأنها لشخص آخر. يسألني أحدهم عن تاريخ ميلادي أو خانتي فأضطر إلى إخراجها من محفظتي لأعرف الجواب، وكما هو من العبث أن تثبت أن المتنبي بجلالة قدره هو أحمد بن الحسين الجعفي الكندي، وأن أبا العلاء المعرّي هو أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْقُضَاعِي اَلتَّنُوخِي اَلْمَعَرِّي (احتفظت بتنوينات وحركات الاسم كما لطشتها من ويكيبيديا) فمن الصعب أن أثبت أو أتذكر ما جاء في هويتي.. (كم مرة تتذكر لقاءك بجابي الماء أو الكهرباء في حياتك أساساً؟!)

ليست حالتي فريدة من نوعها. الغريب ألا تكون مُكرّرة مئات، وآلاف المرات في هذا الشرق الأوسط العظيم، ولكن الأغرب أن هذه الحالة مُكرّرة في عائلتي (العادية) بشكل لافت ولأسباب غير مفهومة أبداً، فخالي الطيب المسكين الذي لن يفكر أبداً في تبني أي فكرة سياسية أو اجتماعية أو دينية، كان لديه اسم على الهويّة مختلف عن الاسم الذي تناديه العائلة به، وعمّتي التي سلكت درب التديّن، ولا تهتم في حياتها بما هو أكثر من طريقة الصلاة، وطريقة طهو الملوخية يختلف اسمها الذي نعرفه عن اسمها في الهوية.. والأمثلة كثيرة.

كنت أعرف أن لهذا الشعب خلافاً واضحاً مع البلديات التي تُسمّي المستديرات والساحات والشوارع بأسماء مختلفة تماماً عن الأسماء التي نعرفها بها، ولكن ما الذي بين هذا الشعب المعتّر وبين دائرة النفوس أيضاً؟! أنا واثق أن عمتي لا تمتلك الـ«إيغو» الخاص بـ علي إسبر كي تسمي نفسها أدونيس، وأن خالي لا يملك جرأة ولا أفكار ياسين حسن كي يستر نفسه خلف اسم أبو علي ياسين، فلماذا بحق الأسماء الحسنى يستعملان أسماء مستعارة؟!

ختاماً، ولأن موعد النشر قد اقترب عليّ أن أنهي ما أكتبه، وأوقعه باسمٍ ما، لهذا.. وإلى أن تنتهي أدوات المطبخ: كان معكم/ن من فوق الدولة (دولة القهوة طبعاً) محسوبكم/نّ زياد القطرميز.. 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها