× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

حكايتي مع المتة: من المهد إلى.. الطابور!

حكاياتنا - ملح 01-02-2023

ما المتة، وما مكوّناتها، ومن الذي أدخلها البلاد؟ لماذا أنا مدمنة عليها شأني شأنَ كل هؤلاء؟ لمَ لمْ تنجح المحاولات في الامتناع عنها؟ وهل علينا أساساً أن نحاول الامتناع عنها في بلاد نكاد نُمنع فيها كلّ شيء؟!!

كثيرةٌ الحكايات التي تحدث في «الطابور»، وهو ذاك الخط الطويل الذي وقف فيه السوريات والسوريون لأجل الأشياء كلّها منذ أعوام طويلة، إلى أن وصل في نهاية العام الماضي إلى علبة المتة، المشروب الأخضر الذي يرافق صباح ومساء وجلسات كثير من أهل الأرياف وبعض المدن السورية، أو كما يحلو للبعض أن يسميه «مخدِّر السوريين والسوريات».

أنا التي قاومت الطوابير منذ بداية الحرب، وعملت بمبدأ جدتي «ذل فلوسك ولا تذل نفوسك»، أجبرتني المتة اليوم أن أقف في طابور! وخلال انتظار دام 150 دقيقة من برد وذل كنت أدعو كثيراً أن أصل إلى باب سيارة التوزيع قبل أن تنفد كمية المتة الخضراء، بينما أحاول التحايل على الوقت بالتفكير في كلام الناس المنتظرين ساعات طويلة، وماذا تعني لهنّ/هم المتة.

«مشروب الناطقين بالقاف»؟

منذ 15 عاماً عندما سألتُ جدتي، مدمنة المتة، عن الوقت الذي دخلت فيه إلى قريتنا بريف حمص الشمالي الغربي، قالت: «أتذكّر أنّ أبي كان من المهاجرين إلى الأرجنتين، هو ومجموعة من كبار القرية ذهبوا للعمل وعادوا بمشروب المتة». وتشير جدتي إلى أنّ هذه حال معظم الأرياف في مناطق مصياف والساحل السوري، وتعقِّب أنّ الجميع أحبها لسببين: تناسب أحوال الفقر وتدوم طويلاً في الجلسات المناسبة لمساءات أهل الريف وصباحاتهم الباردة، وتدفئهم لأنّها ساخنة.

جدتي أصرّت على التعميم بشأن أهل الريف دون الإشارة إلى طائفة محدَّدة كما تُصدر بعض الصور النمطية في الدراما وغيرها من أنها مشروب فئات بعينها. وفي هذا السياق، أجاب أبي: «إذاً لماذا يشربها بعض أهل إدلب؟». أما أحد باحثي التاريخ في قرية بريف حمص الغربي - رفض ذكر اسمه -، فشدّد على أنّ المتة «عادة اجتماعية، بدأت في الساحل وانتقلت إلى الداخل بعدما قدمت مع المهاجرين الأوائل إلى الأرجنتين»، مؤكداً كلام الجدة. وسنجد بكل تأكيد آراء تقول إن المتة دخلت السويداء أولاً، وأخرى تقول إنها وصلت القلمون أولاً، فالهجرة إلى أميركا اللاتينية انطلقت من كل تلك المناطق. لكن ما لن نجد خلافاً حوله، أنّ للمتة في سوريا «شهبندراً» واحداً طُوّب استيرادها باسمه!

كلّ يبيع المتة على هواه إن توافرت، بعدما لحقت بركب السكر، والشاي، والأرز

في المحصلة، تحولت المتة إلى تقليد تتوارثه الأجيال في الأرياف، وكلّ ريف يضيف عليها ما يريد من أشياء، فأهل القلمون مثلاً يضيفون السكر المكرمل، وأهل طرطوس يفضلونها بالماء المغلي، بينما أهل سلمية ومصياف يشربونها بماء دافئ، ومنهم من يشربها خشنة النوع، وآخر ناعمة. كلٌّ يتلذذ بها كما يريد، وبها يكرَّم الضيف ويرحَّب به أحرّ الترحيب.

إذاً، هي غير مرتبطة بطائفة معينة بل بالمناطق التي هاجر منها الأجداد. وهي اليوم، وفق الباحث التاريخي نفسه، مشروب عند بعض سكان العاصمة، وحلب، وغيرها من المدن بسبب الاختلاطات الثقافية، والأكاديمية، والاجتماعية.

ماراتون المتة

تقول أمي التي تكره المتة ولم تشربها إنني أحد أسباب انقطاعها من البلد بسبب استهلاكي الزائد لها، فأي مخلوق يحتاج إلى 200 غرام كلّ ثلاثة أيام سوى ابنتها!

حين لاحت تباشير أزمة المتة، لجأتُ إلى التخزين، وعملتُ ضدّ مبادئي في عدم تخزين السلع التي يحتاجها الناس، بل ظهرَت أنانيتي حيال مشروبي الوحيد ليلاً نهاراً، ودخلتُ معركة الاستغلال من جيراني التجار، إلى أن أذلني هذا المشروب ووقفت من أجله في الطابور لأحصل على نصف كيلو بـ«سعر الدولة»، أو ربما بسعر الشركة (كبور).

في الطابور، بدأ الواقفات والواقفون عمليات التعارف استناداً إلى لون غلاف المتة، بعد سؤال: «بتاخد/ي حمرا؟ ولا خضرا؟»، في إشارة إلى الناعمة والخشنة، ومنها يُستدلّ على المنطقة أو المحافظة التي ينتمي إليها الآخر، فغالبية أهل الساحل وحمص ومصياف، يشربون الخشنة، والسويداء وسلمية الناعمة.

تحولت المتة إلى تقليد تتوارثه الأجيال في الأرياف، وهي غير مرتبطة بطائفة معينة بل بالمناطق التي هاجر منها الأجداد

في الوقت نفسه، بدأت الأحاديث عن تغيير العادات المرافقة للمتة كي تدوم العلبة طويلاً، ومنها عدم استقبال الضيف الذي يشربها، وعدم «تجديد الكاسة» أكثر من مرة واحدة إن كان الضيف عزيزاً، والعمل بنصيحة أهل الداخل وشربها بماء دافئ كي تدوم لوقت أطول.

كان الناس يحسبون أثناء الانتظار النفقات التي باتت تتطلبها المتة، تلك السلعة التي تصبرهم على السهرات دون كهرباء وتعطيهم القليل من الدفء، لتتراوح التكاليف حسب كلّ عائلة وعدد أفرادها، فأسرة من 4 أشخاص مثل أسرة أبو علي (60 عاماً) تحتاج كيلوين شهرياً، أي نحو 40 ألف ليرة سورية حسب سعر التوزيع، وضعفها تماماً حسب السعر الحر. 

أين اختفت المتة؟

إنّه سؤال يعرف جوابه كلّ السوريات والسوريين: هي لم تختفِ بل دخلت مرحلة رفع السعر أسوةً بكلّ شيء آخر، وجاء التصريح بذلك مبطّناً على لسان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك: «الشركة تحتاج كهرباء ووقوداً وطاقة كي تعمل، والدولة لا تستطيع تزويدها بكل الكميات»، كما قال إنّ المتة ستذهب إلى البطاقة الذكية بدون تحديد الآلية.

لكن ماذا يفعل العُزّاب وأنا منهم/ن؟ هل ستكفينا الكميات التي تحدِّدها البطاقة؟

كلّ يبيع المتة على هواه إن توافرت، بعدما لحقت بركب السكر، والشاي، والأرز، فيما يتساءل محبو القهوة والشاي عما ينتظرهم/ن.

قد لا يصدِّق قارئ/ـة أنّ المتة مشروب يسبِّب الإدمان لعشاقه، فمن اعتاده يصاب بألم بالرأس إن قطعه مثلاً، لأنّه يحتوي على نسبة من الكافيين لا بأس بها، وكما يقال: زمرة دم العشاق للمشروب الأخضر هي «o متة»، وأنا منهم/ن.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها