× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الإشاعات.. زلزال نفسي يضرب السوريين

عقل بارد - على الطاولة 13-03-2023

لا يزال الناس خائفين في سوريا، فما حدث من زلازل وهزات لم يكن أمراً هيناً إطلاقاً. في لحظة، تحولت آلاف المنازل إلى ركام بجانبه مئات الآلاف من النازحين. ثوانٍ لا تزيد عن الدقيقة لخصت مشهد الحرب في أكثر من عشر سنوات. لكن الكارثة لم تنتهِ هنا، إذ أكملت الإشاعات زلزلة قلوب السوريين لتبقي نسبة كبيرة منهم في الشوارع حتى الآن

الرسم: (أحمد رحمة - كارتون موفمينت)

تداعى السوريون لتحليل كارثة الزلزال منذ يومها الأول، ولا يزالون مستمرين. يُمكن النظر إلى ذلك بوصفه طبيعياً، فالحدث لم يكن عاديّاً، بل حمل معه معطيات متبدلة وغاية في الأهمية وصلت حتى الصعد السياسية والاقتصادية، وبلا شك الاجتماعية.

غير الطبيعي هو ما رافق تلك التحليلات من آراء سياسية مبكرة وكذلك اقتصادية، لكن الأخطر كان التحليلات الآنية للزلزال نفسه، وحشر نظرية المؤامرة فيها، وإغراق الفضاء الافتراضي بالتنبؤات والتوقعات، لتنتشر الإشاعات وتطغى في مواقف كثيرة أثارت الهلع ولا تزال.

من نجا من الزلزال يعيش الآن نتائج الإشاعات المستمرة في الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتسلل إلى بعض وسائل الإعلام، وحتى رجل الأعمال المبعد قسراً رامي مخلوف أدلى بدلوه منذراً السوريين بزلزال لا يبقي ولا يذر جنوبي البلاد. وإن كان البعض لم يصدقوه، بل سخروا منه ومن منشوراته، فإن قسماً آخر صدقه وسار خلف الرجل مقتنعاً بكل كلمة قالها.

«رامي مخلوف رجل دولي، رجل استثمارات ويمثل محوراً مهماً حتى الآن، وهو يعي تماماً ما يقول، وما قاله سيحصل»، كان هذا رأي المحامي مفيد الذي يؤمن إيماناً تاماً بأنّ زلزال السادس من شباط/فبراير كان «نتيجة تجارب ذرية دولية».

يتفق الطالب الجامعي في كلية العلوم هاني مع مفيد، مقتنعاً بأنّ النشاط الزلزالي مدبر، لأنّ «ما حدث كان ضرورياً سياسياً واقتصادياً، وانظروا كيف سارت الأمور بعده... علينا ألا ننسى مشروع هارب (الأميركي) ومشاريع أخرى قادرة على التأثير».

العلم أولاً

في المقابل، يضحك الأكاديمي في الجيولوجيا سمعان نمرة حين يستعرض ما قرأه من نظريات المؤامرة على مواقع التواصل بعد النكبة السورية–التركية. يقول: «يطول شرح الأمر، وقد شرحه العشرات من أساتذتي والعلماء قبلي... كان هذا تحركاً تكتونياً بين صفائح ارتطم بعضها ببعض كما أي زلزال في العالم، وهذا الرأي ثابت علمياً ومدعم بالوثائق والاستنتاجات والأدلة».

من نجا من الزلزال يعيش الآن نتائج الإشاعات التي تنتشر كل حين على مواقع التواصل

يستدرك نمرة: «ما مصلحة سوريا وتركيا بالزلزال وقد تشرد ملايين في البلدين وباتوا يحتاجون إلى مئات مليارات الدولار لإعادة الإعمار؟»، رافضاً محاولة «العبث بمشاعر الناس». وبشأن الباحث الهولندي فرانك هوجربيتس، يكرر نمرة التأكيد على أنه «من الناحية العملية والعلمية يستحيل التنبؤ بالزلزال قبل وقوعه حتى في أكثر البلدان تقدماً وعلماً».

وبرغم كل التأكيدات العلمية، والشروحات المتكررة، يميل الناس حتى اليوم إلى تصديق الإشاعات، والتعامل مع الإنذارات التي تُحدد مواقيت محتملة لزلزال مقبل على أنها ذات مصداقية ويجب أن تؤخذ على محمل الجد، مع أنها في العموم تندرج في إطار الإشاعات.

يُمكن تعريف الإشاعة على أنها أخبار، أو معلومات زائفة تلقى طريقها للرواج بين مجموعة أفراد، وتتوسع نحو جماعات أكبر في المجتمع، وغالباً ما تتسم هذه «الأخبار» بالتشويق والإثارة، ويجري تداولها بين الناس إيماناً منهم بحقيقتها، ولكنها دائماً ما تفتقر إلى مصدر موثوق ومرجعي تنسب إليه، فتظلّ تلف بين الناس دون معرفة مصدرها غالباً. وبرغم تعذر الجزم بحجم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على ازدياد عدد الإشاعات بدون دراسات إحصائية، فالمؤكد أن هذه الوسائل سهّلت رواج أي إشاعة وسرّعته. 

في سوريا يمكن ردّ تصديق كثير من الإشاعات إلى أسباب تتعلق بانعدام الشفافية، وغياب التواصل المستمر بين السلطة والشارع. 

من الأمثلة الأحدث التي يمكن تذكرها في هذا السياق الحديث عن امتلاء مصفاة بانياس بالنفط الإيراني قبل مطلع العام الجاري بحسب تصريح مديرها. مع ذلك، كان هناك قصور شديد في تأمين المادة بالسوق، ولم يخرج مسؤول ليوضح ما الذي يحدث، فراجت إشاعات تقول إنّ «الحكومة تتاجر بالمادة في السوق السوداء».

يمكن ردّ تصديق كثير من الإشاعات إلى أسباب تتعلق بانعدام الشفافية، وغياب التواصل بين السلطة والشارع

أيضاً؛ يمكن طرح مثال قديم هو الإشاعات التي غزت المجتمع السوري مطلع الألفية الحالية حول احتواء أجهزة الراديو القديمة ومكنات الخياطة المنزلية على مادة «الزئبق الأحمر» التي تباع بأرقام باهظة، ما أدى إلى ارتفاع مرحلي في أسعار تلك الأجهزة. وبعدما غرق كثيرون في البحث عنها تبين أنّ الإشاعة كاذبة تماماً لكنها انتشرت على أوسع نطاق.

زمن الحرب

«شدة الإشاعة=الغموض مضروباً بالأهميّة». هذه المعادلة الرياضية وضعها عالما النفس جوردون ألبورت، وليو بوستمان في كتابهما «علم نفس الإشاعة»، واعتبراها قانوناً أساسياً للإشاعات ورواجها. 

لا ينحصر رواج الإشاعات في بلد بعينه، لكنه يتنامى بفعل الاضطرابات وعادة ما تتضاعف الإشاعات في أزمنة الحرب، ويكون إطلاق وترويج جزء منها ممنهجاً من قبل هذا الطرف أو ذاك، ويجري العمل على اتجاهين: الأول هو إشاعات تهدف إلى إضعاف الطرف الآخر، والثاني إشاعات موجهة إلى الجماهير لضمان استمرارية ولائهم حين تشتد الظروف.

لم يقصّر طرفٌ في حرب الإشاعات داخل سوريا، ولا تزال الظاهرة مستمرة، برغم انكشاف كذب كثير من الأخبار والمعلومات التي تُؤلّف في هذا السياق.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها