× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الشاي... ضيف أسطوري عتيق في سوريا

عقل بارد - أوراقنا 21-05-2023

يلازم الشاي موائد الأسر السورية وجلساتها، حتى بات أشبه بجزء من التراث الوطني. إلا أن أساطير كثيرة توالدت للرجوع إلى أصل هذا المشروب، خاصة في أقاصي الشرق من حيث خرجت النبتة قبل انتشارها في أصقاع الأرض

لا يزال مشروب الشاي الأسود الذي يقدّم في مناطق العالم المختلفة بطرق متشابهة، الأكثر حضوراً في حياة السوريين اليومية، رغم أن الكيلو غرام الواحد منه تجاوزت قيمته نصف راتب موظف، أو أكثر! ولا يكاد ينافسه أيٌ من المشروبات الأخرى، رغم وجود أنواع متنوعة شبيهة به، ومنها مشروب الكركديه ذو اللون الأصفر والنكهة الأقرب إلى الحموضة المستحبة، وهذا يُستخدم أحياناً لمعالجة اضطراب المعدة لتأثيره المهدئ، وما أحوج السوريين والسوريات إلى كل مهدئ!

أما تاريخياً، فتحيط بمشروب الشاي هالة أسطورية ليبدو كأنه آتٍ فعلاً من طقس ملكي لإمبراطور يتربع على عرشه الهادئ منتظراً القيامة وصوت البوق السماوي. فما القصة؟ وكيف وصل إلينا؟

من بطن التاريخ وأساطيره
لأن الصينيين يشبهوننا في حب الشاي، ولديهم مخزونهم الهائل منه، كان لا بد لهم من وضع أسطورة خاصة بالمشروب الأكثر شعبية. فتروي الأسطورة أن فضل ظهوره يعود إلى المُزارِع شينونج الذي كان حاكماً صينياً أسطورياً عُرف باسم الإمبراطور يان (أو هان) الأول، وصار إلهاً في الديانات الشعبية المحلية والفيتنامية. كان لهذا الحاكم الإله بطنٌ من الكريستال، وبذلك يستطيع مراقبة مصير المأكولات التي يتناولها لإدراك فوائدها ومضارها.

تتابع الأسطورة أنه في الألفية الخامسة قبل الميلاد، كان شينونج يغلي بعض الماء عندما أسقطت الريح أوراقاً خضراً في الإناء. ولأن الحاكم الإله يعرف أن الريح لا تعابثه، قدّر الأمر وتذوّق. فلم يسَرّ بالنكهة فحسب، بل شعر أيضاً بالحيوية.

كانت الأوراق من نبات شجري صغير اسمه العلمي «كاميليا سينينسيس»، أو نبات الشاي. لكن خلف الأسطورة ثمة حقيقة لا تتطابق وإياها، إذ في الواقع بدأ استهلاك مشروب الشاي في تايلاند أثناء طقوس دينية لقبائل التاي قبل نحو خمسة آلاف سنة، وهؤلاء عرفوا باسمهم القديم «الصاي» أو "التساي"، وكلمة تساي أو تاي بلغة تايلاند معناها السيد أو الملك. نقل مزارعو إقليم يونان الصيني إنتاج نبتة الشاي وزراعتها عن تايلاند باسم نبتة شعب التساي، وتحوّلت لاحقاً مع الشعوب الفارسية إلى التشاي (چاي).

ثمة اليوم طرق عديدة لتحضيره، وأنواع كثيرة تتراوح بين الأبيض والأصفر والأخضر والأسود، وبشكل مثير للدهشة، تأتي هذه الأنواع من نبات الكاميليا. تُعالج الأوراق بطرق مختلفة وتُنتج نكهات مميزة للغاية.

سافر الشاي على طول طريق الحرير إلى بلدان وشعوب وقارات مختلفة، وطريق الحرير هو اسم أطلقه المستكشف الألماني البارون فرديناند فون ريشتوفن، في القرن التاسع عشر، على شبكة من طرق التجارة والقوافل المهمة التي ربطت بين الصين، والشرق الأقصى، وآسيا الوسطى، والهند، والعالم العربي، وحوض البحر الأبيض المتوسط.

وكما يوحي الاسم، كان الحرير من أهم السلع المتداولة على طول هذا الطريق، لكن كانت هناك سلع صينية أخرى غزت العالم، ومنها الشاي.
في ذلك الوقت، صنِع الشاي من أوراقه المجففة والمطحونة التي تُضغط في قوالب مختلفة. كانت مضغوطات الشاي مفضلة في التجارة قبل القرن التاسع عشر في آسيا، لأنها كانت أكثر إحكاماً وقوةً من الأوراق السائبة، وأقل عرضة للتلف، كما تمكن خياطتها في جلود الغزلان لتحمّل الصدمات وسوء الأحوال الجوية.

بقي الشاي سرّ الصين إلى وقت طويل، ومع توسع هذه الصناعة، بدأت حوانيته بالظهور في المدن الكبرى،وصار الشاي الأسود المخمّر شائعاً بين أبناء الطبقة المتوسطة والعاملة من خلال البوذيين الزن، الذين ينتمي الكثير منهم إلى الطبقات الدنيا. الغالب أن الشاي مشروب «الشغّيلة» الأهم، ولو أنّ «الطبقات العليا» أيضاً حاضرة بين عشاقه، ولهذا تطورت أدوات صنعه وتقديمه أيضاً، وصار يُبالغ في زخرفة بعضها. 

في الطريق إلينا

يرد لدى الجغرافي أبي الريحان البيروني (973 – 1048 م) أن «الصينيين كانوا يشربون شراباً ذهبياً يسمى شراب التشاي (چاي)»، مع العلم أنه لم ينتشر ويصِرْ معروفاً في العالم إلا في القرن السابع عشر وما بعده، فيما وصلت أول شحنة منه إلى أوروبا في العام 1610. لكن، ربما، وصل إلى المشرق العربي في وقت متأخر من القرن العاشر الميلادي، وهو أمر غير موثّق، ولم تُسجّل في الأدبيات العربية والإسلامية أحاديث، أو وثائق، عن استخدامه في المنطقة، في حين ذكرت الموسوعة العربية العالمية أن المشروب لم يُعرف عند العرب في مرحلة ما قبل الإسلام ولا في العصور اللاحقة.

لا يوجد توثيق دقيق للحقبة التي وصلت فيها شحنات الشاي إلى سوريا، ولكن يمكن تخمين حصول ذلك في منتصف القرن السابع عشر

ثمة اعتقاد بأنه وصل إلى الأناضول في وقت مبكر من القرن الثاني عشر، وزرِع بعضه في مناطق البحر الأسود، ويرد ذكره في الأدب التركي لدى المستكشف الشهير أوليا چلبی Evliya Çelebi في العام 1631. جال هذا المستكشف في أرجاء الإمبراطورية العثمانية خلال أكثر من أربعين عاماً، فوصف لمسؤولي الدولة العثمانية في مكاتب الجمارك في إسطنبول كيف يقدم الخدم الشاي، جنباً إلى جنب مع القهوة اليمنية.

في سوريا

لا يوجد توثيق دقيق للحقبة التي وصلت فيها شحنات الشاي إلى سوريا، ولكن إذا أخذنا كلام المستكشف جلبي في إطار أوسع، فيمكن أن نقول إنه انتشر بشكل ضيق ضمن النخب العثمانية. وطالما أن هذه النخب كانت حاضرة في سوريا، ومنها جماعة الجمارك، يُخمّن أنه وصل البلاد في منتصف القرن السابع عشر.

يبدو أن ترخيص الحكومة العثمانية لاستيراده في القرن التاسع عشر، هو البداية الفعلية لحضور الشاي في المنطقة. وقد وصل إلى العراق أولاً عن طريق الشركات البريطانية العاملة في إيران، وهذا هو سبب انتشار تسمية الشاي والجاي، التي هي اللفظ الفارسي لكلمة تساي الصينية التايلاندية.

يعود إلى العراقيين اختلاق تسمية «استكان» للدلالة على كوب الشاي، وهذه الكلمة يقال في تفسيرها إنها تعريب للعبارة الإنكليزية «East Tea Can»، وهي تسمية كانت تطلق على علب الشاي التي كانت تستوردها الشركات البريطانية إلى العراق. وفي حين انتشرت هذه الكلمة في شرق سوريا، في مناطق الجزيرة، إلا أنها بقيت هناك ولم تُستخدم في كل أنحاء البلاد.

في سوريا، رغم تحوّل الشاي إلى مادة استهلاكية منذ قرنين، فإن الدولة ما زالت من الدول المستوردة له، فلا يُزرع ولا يُصنع فيها، وتشكل جزيرة سريلانكا مصدراً أساسياً لوارداته إلينا، وهو مشهور باسم الشاي السيلاني، نسبة إلى اسم سريلانكا القديم.

أياً يكن، فلقد أنهينا العرض ويمكننا الآن الانصراف لشرب كأس من الشاي المغلي بنار الحطب.

هامش: استُقي كثير من المعلومات الواردة في المقال من بحث «تطور صناعة الشاي في تايلاند»


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها