× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

ضحايا اقتصاد الظل في سوريا: «على عينك يا تاجر»

حكاياتنا - خبز 29-05-2023

تنتشر وظائف اقتصاد الظل بكثرة في سوق العمل السورية. هذا النوع من الوظائف يسمح لأرباب العمل باستغلال موظفيهم الذين غالباً ما يُحرمون أبسط حقوقهم في ظروف اقتصادية صعبة. ورغم سلبياتها الكثيرة، يرى البعض في هذه الوظائف منفساً يسمح لهم بالحفاظ على الحد الأدنى من العيش الكريم

الصورة: (إثر حريق لاميرادا مول في دمشق 2022 / جريدة الوطن السورية - فايسبوك)

«يلزمنا عاملات حبكة ودرزة لمعمل خياطة في الكسوة»، «يلزمنا عمال عتالة لشركة نقل بضائع في البرامكة»، هذان نموذجان لملصقات إعلانية في الشوارع لا تحمل سوى رقم هاتف لا يمكن التحقق من مصداقيته إلا من خلال التجربة.

عملت منى العبد الله (56 عاماً) في معمل خياطة بالعاصمة دمشق مدة 35 عاماً، منذ أن كانت في العشرين من عمرها، دون عقدٍ أو وثيقة تأمينية أو حتى تسجيلها في التأمينات الاجتماعية والعمل. خرجت السيدة الخمسينية من العمل العام الماضي بسبب أمراضٍ في الرقبة وانقراصٍ بالفقرات، من دون أن تحصل على أدنى تعويض يمكّنها من عيش حياة كريمة.

حالة منى والآلاف غيرها من العمال في اختصاصات كثيرة، منها التمريض في المشافي الخاصة، والصحافة والإعلام في القطاع الخاص، والخياطة، وعمال النظافة، كلها نماذج لما يسمى باقتصاد الظل. نقف في سطور هذا التقرير مع اقتصاد الظل ، ونحاول أن نفهم إن كان يساهم فعلاً في تنشيط الاقتصاد العام للبلاد، وماذا يقول القانون السوري فيه؟

ع الثقة!

عمل محمد علي (اسم مستعار، 35 عاماً) صحافياً في إحدى الإذاعات السورية الخاصة، وخرج دون أي تعويض. دخل الإذاعة من دون أن يوقع أي عقد، ليُفاجأ بأن الإذاعة لم توثّق في «التأمينات الاجتماعية» سوى 5 موظفين/ات، يعملون فيها منذ التأسيس.

من بين الأمثلة التي تسلّط الضوء على أزمة التأمينات الاجتماعية، تبرز كارثة حريق «لاميرادا مول» في دمشق، في آذار من العام الماضي، وأدت إلى مقتل 11 ضحية من بينهم عمال لم يكن صاحب المنشأة قد أمّن عليهم. 

كذلك، توفيت عاملة في أحد المطاعم على أوتستراد المزة بدمشق بسبب انفجار أسطوانة غاز، نهاية الشهر الماضي، ولم يكن صاحب العمل قد أمّن عليها، وبالتالي لم تحصل عائلتها على أي تعويض. وبعد كل كارثة من هذا النوع، يحاول صاحب العمل أن يساوم الأهل، فيدفع لهم مبلغاً من المال مقابل امتناعهم عن تقديم شكوى، وذلك على مبدأ «راح الغالي ولا أسف على الرخيص». ولا يزال عامل «الثقة» المزعومة، الذي ينطوي على شيء من الإجبار الخيار الوحيد لبعض أنظمة العمل التي تعتمد على اقتصاد الظل في سوريا.

كثيراً ما يتناغم العمال مع رب عملهم بإفاداتهم ويماشونه في الكذب على مؤسسة التأمينات، كي لا يغضب منهم صاحب العمل فيعرضون أنفسهم لخطر الطرد

يقول أحد الأساتذة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ«صوت سوري» إنه «لا يمكن تحديد حجم الاقتصاد غير المنظم في سوريا (أو ما يسمى باقتصاد الظل) وذلك بسبب غياب منهجيات التقدير العلمية لهذا الاقتصاد أولاً، وعدم وجود جهة مرجعية قادرة على تحديد وتصنيف الأنشطة غير المنظمة ثانياً، وبسبب غياب المسوحات الإحصائية الخاصة بهذا النوع من الاقتصاد ثالثاً».

يشير الخبير الاقتصادي إلى أن 12 عاماً من الحرب زادت من خلل قطاعات الاقتصاد عموماً، وساهمت في زيادة انتشار اقتصاد الظل. ويوضح أن «أصحاب البسطات مثلاً يندرجون ضمن اقتصاد الظل، والنساء ممن يعملن في مشاريع منزلية صغيرة يندرجن ضمنه»، مضيفاً: «يمكن القول إن الاقتصاد غير المنظم هو اقتصاد قائم على بعدين أساسيين، أولهما: العمالة غير المنظمة بحدّ ذاتها ونموذجها العمالة التي تعمل في قطاعات اقتصادية منظمة أساساً (أي مرخصة وتدفع ضرائب وتمارس أنشطة علنية)، لكن أغلبها لا يهتم بتسجيل العمال فيها بالتأمينات الاجتماعية، والعمال فيها لا يدفعون ضرائب على دخلهم، في نوع من التهرب المقصود من الأنظمة والقوانين التأمينية وقوانين العمل والضرائب»، وهذا يشبه نموذج عمل محمد علي، الصحافي الذي عمل خمس سنوات في إذاعة خاصة. 

أما البُعد الثاني، فهو وفق الأستاذ الجامعي «قطاع غير منظم بالكامل ونموذجه الأنشطة التجارية والخدمية والصناعية والزراعية أياً يكن نوعها ولا تعمل بموجب القوانين والأنظمة الخاصة بنشاطها، وهي قادرة على التهرب من دفع الضرائب وتأمينات الضمان الاجتماعي ولا تلتزم بأي نوع من أنواع حقوق العمل خلال نشاطها الإنتاجي أو الخدمي»، مثل نموذج عمل منى العبد الله التي بقيت تعمل 35 عاماً في مشغل خياطة غير مرخص.

خسارات مركّبة

يبدو أن قدر السوريات والسوريين أن تكون خساراتهم/ن مركّبة واجتماعية في آنٍ واحد، وهذا ما يقوم به اقتصاد الظل الذي يُعدّ بمثابة خسارة لخزينة الدولة بسبب عدم قدرتها على تحصيل الضرائب، خصوصاً أن أصحاب هذا الاقتصاد والعاملين فيه يستفيدون من خدماتها. كذلك، فإن هذا القطاع يسبب خسارة كبيرة للعاملات والعاملين فيه، خصوصاً أن لا مظلة اجتماعية وقانونية تحميهم/ن اجتماعياً وقانونياً من حيث التعويضات والعقود والبطالة والتعويضات الصحية.

في الإطار، يوافق حسن (اسم مستعار) الخبير الاقتصادي على ما تحدّث به الأستاذ الجامعي، لكنه يضيف أن لاقتصاد الظل إيجابيات أيضاً رغم سلبياته الكثيرة، قائلاً «يساهم اقتصاد الظل في حل مشكلتي البطالة والفقر، هو يوفر مصدر دخل للناس، ولا يتأثر بالأحداث الدولية والإقليمية لأن الإنتاج فيه يكون مرتبطاً بأسواق محلية».

يعدّ اقتصاد الظل بمثابة خسارة لخزينة الدولة بسبب عدم قدرتها على تحصيل الضرائب

ووفق الخبير الاقتصادي، فإنه يخفف من نتاج الأزمات السياسية والاقتصادية، وهذا لسان حال العاملين والعاملات في اقتصاد الظل. في هذا السياق، تقول منى العبد الله «رغم الصعوبات كافة، وفي ظل انخفاض قيمة العملة، أصبحت أجور اقتصاد الظل أكبر من أجور الرواتب الحكومية عموماً، وهو ما يشجع الناس على العمل به رغم ظلم أصحابه للعاملات والعمال».

خرق قانوني

يخرق كثير من أرباب العمل قانون العمل في سوريا. فالقانون يلزم هؤلاء بتسجيل العمال لديهم في التأمينات الاجتماعية، وفي حال تأخر رب العمل في تسديد مستحقات التأمينات خلال النصف الأول من كل شهر، فإنه يُلزَم بدفع غرامة تصل إلى 5%، وفق ما أشار إليه المحامي رامي، الذي شرح كيف يخرق صاحب العمل القانون، ويمتنع عن تسجيل عمّاله في التأمينات الاجتماعية قائلاً: «ترسل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مفتشين إلى واقع العمل من أجل تسجيل العمال لديها، وهناك تظهر الصعوبات؛ كأن يقوم صاحب العمل بتهريب عماله، أو بتقديم بيانات كاذبة، من قبيل تخفيض عدد العمال، والأجور التي يتقاضونها، وتغيير تاريخ الالتحاق بالعمل، والمشهد الأكثر إيلاماً عندما يتناغم العمال مع رب عملهم بإفاداتهم، فيقولون عكس ما يتمنون كي لا يغضب منهم صاحب العمل فيعرضون أنفسهم لخطر الطرد».

ووفق المحامي، فإن وجهة نظر أرباب العمل من عدم تأمين عمالهم/ن، هي ارتفاع اشتراكات التأمين على كل عامل لتصل إلى 17%. هنا، يتحدث الصحافي محمد علي، الذي عمل لسنوات في الإذاعة، عن موقف عايشه حين دخل فريق عمل تابع لـ «التأمينات الاجتماعية» إلى مكان عمله، إذ طلب المحاسب منهم أن يجيبوا بأنهم مسجلون في التأمينات، وأنهم نسوا بطاقات التأمين في المنازل، فيما طلب من البعض أن يقولوا إنهم حديثو العهد.  لكن علي يشير إلى أن «القضية كلها حُلت بظرف أبيض وبداخله المعلوم»، في إشارة إلى الرشوة.

على أوجاع وتعب السوريات والسوريين يعيش كثير من أصحاب العمل، فنسبة كبيرة ممن يعملون في القطاع الخاص اليوم هم ضحايا العمل غير المنظم. تعيش على أتعابهم/ن شركات وتأخذ منهم حق التأمين وضمان الحياة.
هنا سوريا، بلد (خرق) القانون.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها