وضاح ذ. الأشقري
الصورة: أمانة السجل المدني في إدلب (وكالة أوقات الشام-فايسبوك)
غدا تسجيل المواليد في إدلب مشكلة اجتماعية وإدارية، إذ لم تنجح السلطات التي تدير المنطقة في اكتساب اعتراف دولي بالوثائق التي تصدرها، ما يهدد مستقبل آلاف الأطفال الحديثي الولادة، الذين عجز أهلهم عن تسجيلهم في دوائر الحكومة السورية (دمشق)، الجهة الوحيدة القادرة على إصدار وثائق تحظى بشرعية دولية.
تقول النازحة عن دمشق، ندى ذات الـ33 عاماً، إنّ أولادها ما زالوا غير مسجلين في دوائر النفوس الرسمية «بسبب ظروف التهجير» التي قادتها نحو الإقامة في محافظة إدلب. وتضيف أنّ «السلطات هنا غير معترف بها دولياً، ما يجعل تسجيل المواليد إجراء بدون جدوى».
ينطبق حال ندى على مختلف المقيمين في المحافظة بسبب العجز عن إنجاز إجراءات تسجيل عقود الزواج والمواليد بصورة رسمية، في ظل انقسام السيطرة على الجغرافيا السورية.
مزايا محلية
أسست حكومة الإنقاذ التي تدير المنطقة، «مديرية الشؤون المدنية» بهدف تسجيل أي واقعة تتعلق بالأحوال المدنية، ومنح ثبوتيات لا يُعترف بها خارج المنطقة، من بطاقات شخصية وعائلية ووثائق قيد، ويتطلب الحصول عليها إجراءات معقدة.
أنا عازب، وزوجتي عازبة، وأولادي مكتومو القيد من وجهة نظر دوائر دمشق»
اتبع حسن (28 عاماً) هذه الإجراءات وسجل مولوده الأول، ليُمنح بطاقة عائلية ممهورة بختم حكومة الإنقاذ. يقول إنّ هذه الورقة الثبوتية تمنحه «مزايا متعددة»، مثل التسجيل في سجلات وزارة التنمية التابعة لـ«الإنقاذ» للحصول على سلل غذائية ومساعدات إنسانية، إضافة إلى تسجيل المركبات في الدائرة المختصة، وتسجيل الأطفال في المدارس العامة أو الخاصة.
إلا أنّ المشكلة التي يواجهها حسن، كما غيره، تتمثل في عدم صلاحية هذه الأوراق الثبوتية خارج مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام». يقول: «أنا عازب وزوجتي عازبة وأولادي مكتومو القيد من وجهة نظر دوائر دمشق».
لا حَقَّ في الوجود!
يعدّ الأطفال المسجلون في الدوائر الخارجة على سيطرة دمشق من فئة «مكتومي القيد» بسبب غياب الاعتراف الدولي بالوثائق التي تصدرها «سلطات الأمر الواقع» في تلك المناطق، وفق مدير مكتب «رابطة المحامين السوريين الأحرار» في هاتاي، عمار عز الدين.
يضيف: «إنّ موضوع التوثيق المدني بطبيعته هو موضوع سيادي ومرتبط بجميع المواضيع المتعلقة ببناء السلام والوصول بسوريا إلى دولة القانون والمؤسسات، وذلك لتعلقه بجملة حقوق تبدأ من حق الوجود (الشخصية القانونية)، مروراً بحقوق المواطنة والجنسية، ووصولاً إلى الحقوق المدنية والسياسية من التملك والانتخابات وغيرها».
لا يعترف القانون السوري بالتسجيل الذي تُنفذه المؤسسات المستحدثة خارجه، وذلك استناداً إلى قانون الأحوال المدنية رقم /26/ للعام 2007، المعدّل بالقانون رقم 13 للعام 2021.
يوضح عز الدين أنّ «هذه الحالات أشبه بعملية توثيق لواقعات ولم تنتقل لتغدو وثائق بالمعنى القانوني، رغم أنّ معظم المؤسسات البديلة اتبعت الإجراءات المنصوص عليها في القانون السوري المتعلق بالأحوال المدنية، وتُعدُّ هذه الوثائق بمثابة مستندات لتسيير شؤون الحياة اليومية للنازحين، وبمثابة وثائق لإتمام المعاملات القانونية ضمن مؤسسات المعارضة في المناطق الخارجة على سيطرة النظام».
قصور في الخدمة
رغم قيام «مؤسسات بديلة»، وفق عز الدين، ومحاولة «المعارضة وجهات مدنية أخرى» إعادة تفعيل مديريات الأحوال المدنية وأماناتها وتسجيل الوقوعات ومنح الوثائق، فإنّ هذه المؤسسات عجزت عن توفير «الخدمة البديلة» بالصورة الملائمة.
يعزو المحامي ذلك إلى غياب الاعتراف القانوني بالوثائق، سواء محلياً أو دولياً، وإلى اختلاف الجهات التي تعمل على التوثيق المدني. ففي بعض المناطق تمّ، وفقاً له، تأسيس مديريات مستقلة، فيما كان في أماكن أخرى المجلس المحلي، أو المحكمة الشرعية، أو منظمات المجتمع المدني، من يتصدى لهذه المهمة.
ثمة عوائق إضافية تخصّ النازحين والمهجّرين، مثل عدم وجود قيود لهم في المناطق التي لجؤوا إليها، ما يعقِّد التعامل مع الوقوعات الجديدة. ولا يبدو أن ثمة حلول سهلة لهذا الموضوع، في ظل انعدام فرص التفاهم بين دمشق، و«الإنقاذ» على صيغٍ تتيح مخارج قانونية، إذ يُعد الأمر بالنسبة إلى دمشق بمثابة اعتراف بسلطة «الإنقاذ» على إدلب، أما الأخيرة فلا تعترف بدورها بـ«شرعية النظام» وترى نفسها «حاكمة لمنطقة محررة».

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.