× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مهجرو سهل الغاب ينقلون مهنة تربية الأسماك إلى عفرين

حكاياتنا - خبز 18-11-2023

تُمثل تربية الأسماك في سهل الغاب واحدة من أقدم المهن التي يمارسها الأهالي، ووصل إنتاجها قبل الحرب إلى 40% من إجمالي الإنتاج السوري للأسماك، لكن الأحوال تغيرت اليوم على وقع الحرب، وهُجرت الأسماك ومربوها، ليقرر بعضهم البدء من جديد في مناطق جديدة

في قرية المحمدية بناحية جنديرس بريف عفرين شمالي حلب حيث تسيطر فصائل «الجيش الوطني» المدعومة تركياً، وبالقرب من نهر عفرين الذي يمر بجانب القرية، أنشأ زياد النعسان مزرعة صغيرة لتربية واستيلاد الأسماك بمختلف أنواعها.

ورث النعسان هذه المهنة عن والده، فهو مُهجّر من قرية الحمرا في منطقة سهل الغاب الشهيرة بتربية الأسماك، وكان يملك فيها مع إخوته أكثر من عشرة أحواض كبيرة تزيد مساحتها عن عشرة هكتارات، قبل أن يضطر إلى ترك كل شيء خلفه.

وفقاً لإحصاءات حكومية سابقة كان سهل الغاب أقصى شمال غربي محافظة حماة ينتج قبل الحرب ما معدله ستة آلاف طن من الأسماك سنوياً من مزارع خاصة وحكومية، بفضل البيئة المناسبة لتربية الأسماك.

وكانت المنطقة تحوي قرابة 350 مزرعة أسماك على مساحة تمتد إلى 6400 دونم، إذ تُربى الأسماك في أحواض ترابية تراوح مساحة واحدها بين عشرة دونمات وخمسين دونماً.

نقل إجباري

يقول زياد النعسان (38 عاماً) إن والده عمل في هذه المهنة منذ 1985، وكان من أكبر مربي الأسماك في منطقته، فيما كانت أحواض الأسماك العشرة تنتج سنوياً ما يزيد عن 500 طن من أسماك الكرب والسلور وغيرها.

بعد الحملة العسكرية التي شهدتها المنطقة منتصف العام 2019 وانتهت باستعادة دمشق السيطرة عليها بشكلٍ شبه كامل، اضطرّ النعسان كحال معظم أبناء المنطقة للنزوح. وعقب تنقلات عديدة بين قرى مختلفة في ريف إدلب قرر في أواخر العام 2020 مع أخيه الأكبر التوجه إلى عفرين للسكن هناك، وبعد عجزهما عن إيجاد فرصة عمل توفر دخلاً جيداً، قرر العودة إلى مهنته الأساسية، فاستأجر قطعة أرض صغيرة بمساحة لا تتجاوز ألفي متر مربع، وأنشأ حوضاً صغيراً لتربية الأسماك على سبيل التجربة، واشترى عدداً من الأسماك من مربين آخرين.

رغم نجاح تلك المشاريع نسبياً، فإن ارتفاع التكلفة انعكس ارتفاعاً في أسعار الأسماك، ما جعل كثراً من السكان يعزفون عن شرائها

يوضح أن مشروعه الذي زادت تكلفته عن ثلاثة آلاف دولار أميركي، كاد يفشل بسبب صعوبات كثيرة، منها غلاء الأدوية والأعلاف الخاصة بالأسماك، لكنه أصر على الاستمرار رغم خسارته في الموسم الأول.

كان إصراره باباً لحياة جديدة تُذكره بأرضه وقريته، وتحقق ثانياً دخلاً ممتازاً يجعله لا يحتاج إلى أحد، إذ ناسب مناخ عفرين القريب من مناخ سهل الغاب نسبياً الأسماك، ليكون من أوائل الذين نقلوا تلك المهنة إلى عفرين، وبات يملك اليوم ثلاثة أحواض تزيد مساحتها عن ثلاثة دونمات.

التجربة والخطأ

قصة ماهر العبيد (42 عاماً) وهو أيضاً من نازحي سهل الغاب لا تختلف كثيراً، إذ نقل هو الآخر مهنته في تربية الأسماك إلى الباسوطة بريف عفرين، ليكون مشروعه الأول من نوعه في البلدة، وبات المركز الوحيد المُصدر للأسماك هناك بعد أن تجاوز صعوبات كثيرة وكبيرة كادت تُطيح بكل ما يملك.

يقول العبيد، الذي يملك الآن أربعة أحواض لتربية الأسماك تزيد مساحة كل واحد منها عن ألف متر مربع، إن أبرز المشكلات التي واجهها في بداية انطلاق مشروعه عدم معرفته جيداً بالمناخ في الباسوطة، ولا بالأدوية التي يجب أن يوفرها لأسماكه لتتفادى الأمراض الكثيرة، فالأسماك (ولا سيما الكرب الذي يعتبر الأعلى سعراً ويزيد سعر الكيلو منه عن 8 دولارات) حساسة جداً، وأي خطأ قد يؤدي إلى خسارة آلاف الدولارات.

هذا ما حدث بالفعل في العام الأول، إذ تسببت الرطوبة العالية التي لم يكن يعرف أنها تصل هذا الحد في الباسوطة بخسارته أكثر من خمسة آلاف دولار نتيجة نفوق ما يزيد عن 400 كيلو من الأسماك أصيبت بوباء تعفن الغلاصم، وأمراض أخرى تسببها الرطوبة المرتفعة. 

يشير العبيد إلى أن كثيراً من الأدوية التي كان بحاجتها في ذلك الوقت لم تكن متوافرة، مثل «الأوكسي» ومضادات التهاب الأمعاء، ومع ندرتها مقابل زيادة الطلب عليها سجّلت أسعارها أرقاماً قياسية، ليصل سعر اللتر الواحد من بعضها إلى ما يزيد عن 20 دولاراً، ما زاد الخسارة. لكن المواسم التالية عوضته كل شيء خسره بعد أن عرف ما تحتاجه أسماكه. 

رغم نجاح تلك المشاريع نسبياً، فإن ارتفاع التكلفة انعكس ارتفاعاً لأسعار الأسماك، ما جعل كُثُراً  من السكان يعزفون عن شرائها، وهو ما يسبب في بعض الأوقات حالة من الركود، ولا سيما أن المنطقة ضيقة ولا يوجد فيها أي طريق لتصدير الإنتاج إلى المحافظات الأخرى.

يقول حسين الغابي وهو تاجر توزيع سمك إن الأسواق الرئيسة للاستهلاك هي في دمشق وحلب، والطري إلى هاتين المدينتين مقطوعة حالياً بسبب إغلاق المعابر بين مناطق السيطرة. 

نتيجة لذلك بات معظم الإنتاج يُسوق داخل عفرين، والمناطق القريبة منها، لكن بأسعار بخسة لا تغطي إلا جزءاً من التكاليف، فيُمنى أصحاب المزارع بخسارة أو يخرجون في نهاية الموسم برأس المال فقط، وهو ما حدث مع كُثُرٍ ممن نقلوا المهنة إلى عفرين وإدلب.