أكثم صبر الزمان
الصورة: (متداولة عبر فايسبوك)
أخيراً عاد عبد الرحيم الصلاح (45 عاماً) إلى عمله الأساسي في نقل البضائع من المعابر الحدودية، بعد انقطاع دام خمس سنوات بسبب ندرة طلبيات الشحن والنقل الداخلي، ليضطر إلى العمل في إحدى بقاليات قريته كفر غان التابعة لمنطقة اعزاز شمالي حلب.
استعادة عبد الرحيم عمله جاءت قبل نحو ثلاثة أسابيع، بعدما عاودت شاحنات نقل البضائع السورية نشاطها في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، لتنهي توقفاً دام أكثر من خمس سنوات نتيجة منح الشاحنات التركية حقّ دخول الشمال السوري، وإيصال البضائع للتجار والصناعيين العاملين في المنطقة.
يقول: «عملت في البقالية لأنني نادراً ما كنت أحصل على فرصة لنقل وشحن البضائع، مع ذلك احتفظت بالشاحنة ولم أبعها أملاً في الحصول على فرصة للعمل مجدداً في مهنتي الأساسية».
خلال السنوات الماضية تصاعدت أصوات العاملين السوريين في مجال الشحن، وطالب سائقو الشاحنات عبر العديد من الوقفات الاحتجاجية باستعادة عملهم الذي توقف لصالح الشاحنات التركية، إلى حد أن كثيراً من أصحاب الشاحنات السورية اضطروا إلى بيع سياراتهم. لكن التغيرات لم تأت استجابةً لمطالب المتضررين، بل نتيجة أمر واقع فرضته مُجريات شهر تموز/ يوليو الماضي، إثر تعرض شاحنات تركية في اعزاز والباب والراعي لعمليات حرق وتكسير في إطار الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسياسات التركية، ورداً على الحملة العنصرية الشرسة التي يتعرض لها لاجئون سوريون في تركيا، وخاصة اعتداءات 1/7 في ولاية قيصري.
يشرح عبد الرحيم أنه «ينقل الإسمنت وبضائع أخرى في شاحنته إلى التجار والموزعين في مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي، ويحصل أسبوعياً على ثلاثة أحمال». ويؤكد أنه سعيد بعودة العمل رغم الصعوبات والمخاطر، ورغم عدم وجود تأمينات أو حماية أمنية أثناء السفر، فضلاً عن تضرر البنية التحتية للطرقات، لكنه على الأقل يستطيع تغطية الاحتياجات المعيشية لأسرته المكونة من 8 أفراد، معظمهم من الأطفال.
والمياومون أيضاً..
إلى جانب العاملين في مجال النقل والشحن، أتيحت فرص عمل لآلاف العاملين في المياومة، لأن الشاحنات التركية تحتاج إلى تفريغ حمولتها بشكل مباشر إلى شاحنات سورية داخل ساحة المعابر، ما يتطلب المزيد من الأيدي العاملة.
وتعتبر أجور العاملين في تفريغ حمولة الشاحنات مقبولة مقارنةً بأجور المياومة التي يحصلون عليها في حال وجدوا عملاً في مناطق شمالي حلب، مع أنها تظلّ متدنية إذا ما قورنت باحتياجات المعيشة.
لم تأت التغيرات استجابةً لمطالب أصحاب الشاحنات المتضررين منذ سنوات، بل تحت ضغط الاحتجاجات التي شهدها الشمال السوري ضد السياسات التركية
باشر محمد الحسن (27 عاماً) العمل قبل مدة وجيزة في عمليات إفراغ البضائع في ساحة معبر باب السلامة الحدودي.
يقول الشاب النازح من منطقة جبل الحص جنوبي حلب إلى مخيم قرب بلدة سجو الحدودية إن عودة الشحن السوري إلى العمل وفرت له ولآلاف غيره فرصة عمل يومية تعين على نفقات الحياة الباهظة. يشرح في الوقت نفسه أن الأجور «تظل متدنية بسبب قانون العرض والطلب، وفي ظل وفرة الأيدي العاملة». يعمل الحسن يومين في الأسبوع ضمن فريق مكون من سبعة أفراد، فيُفرغ مع فريقه شاحنتين أو ثلاثاً بأجور تصل إلى 1400 ليرة تركية (42.5 دولاراً) للشاحنة الواحدة، لتكون حصته 200 ليرة تركية (نحو6 دولارات).
المستهلك يدفع الثمن؟!
يؤكد مصدر من إدارة معبر باب السلامة الحدودي (اشترط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل بالتصريح رسميّاً)، أن عدد سيارات الشحن السورية المستفيدة من هذه التطورات يفوق ألف سيارة في «باب السلامة» وحده، أما عدد العمال المستفيدين في المعبر ذاته فيصل إلى ألفي عامل يعملون وفق ورديات محددة.
يوضح المصدر أن «باب السلامة» يُعد مركزاً أساسياً لعمليات شحن البضائع من تركيا إلى الشمال السوري، لكن المعابر الحدودية الأخرى تشهد عمليات شحن تجاري أيضاً وجميعها بات يعتمد على الشاحنات السورية، ما يرفع أعداد الأشخاص المستفيدين من العمل.
يؤكد أحمد العلي، وهو تاجر مواد غذائية في منطقة اعزاز، أن «النشاط الاقتصادي تحسّن»، وهو لا يقتصر على السائقين والعمال، فالتغيرات خلقت «حركة اقتصادية دائرية تصل إلى متاجر المحروقات، والعاملين في مجال التصليح وغيرهم»، ويضيف: «تحريك النشاط التجاري يعتمد بالدرجة الأولى على توافر مصادر الدخل للأهالي، ما يعني زيادة حجم الاستهلاك رغم ارتفاع الأسعار».
لكن، وبرغم الانتعاش الذي خلّفته هذه التطورات في سوق العمل، تتحدث فئة من التجار عن تبِعات سلبيّة مُتوقعة، فعملية إفراغ البضائع في المعبر ونقلها إلى شاحنات سوريّة «ترفع الكلفة، وتؤخر وصول البضائع أياماً بعدما كان يستغرق ساعات بواسطة الشاحنات التركية».
يتبنى التاجر جهاد (اسم مستعار) هذا الرأي، ويقول: «كانت تصلني البضاعة عبر الشاحنات التركية خلال 10 ساعات، لكنها اليوم تستغرق نحو أسبوع، بسبب الدور التسلسلي للشاحنات، وعمليات التفريغ إلى الشاحنات السورية».
يضيف: «هذا يعني أنني سأتحمل نفقات مالية إضافية للشحن التركي لأنه يبيت في المعبر، وتكلفة نقل البضاعة». مؤكداً، أن المستهلك سيتحمل في نهاية المطاف التكاليف الإضافية، ما يعني «ارتفاعاً في الأسعار، والخاسر هو الأهالي بكل الأحوال».
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0