× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

دمشق – عمّان «الأبوَين»: لم يثق أحدنا بالآخر يوماً

عقل بارد - أوراقنا 26-10-2024

أصاب سرطان البروستات كلّا من الحسين بن طلال (1935 – 1999) وحافظ الأسد (1930 – 2000)، وربما بخلاف ذلك لم تكن هناك مشتركات حقيقية بينهما، وهو أمر طبع علاقات الاضطرار بينهما بطابع أساسي: «انعدام الثقة».

حين توفّي الملك حسين بن عبد الله عن 62 عاماً مطلع 2/1999 بعد سنوات طويلة من إصابته بسرطان في الدم، شارك الرئيس السوري حافظ الأسد في جنازته على نحو فاجأ كثيرين، وهو ما أثار تساؤلات محقة عما سيكون حال العلاقات السورية-الأردنية بعد رحيل الملك ليخلفه ابنه عبد الله، إذ كانت علاقات البلدين على مقربة من القطيعة بعد توقيع الأردن «اتفاق سلام مع إسرائيل».

في توقيت الجنازة، كانت قد مضت أربع سنوات على آخر زيارة للأسد الأب إلى المملكة، وست سنوات على سحب دمشق سفيرها من عمان وتخفيض تمثيلها الدبلوماسي إلى مرتبة قائم بالأعمال احتجاجاً على توقيع اتفاقية وادي عربة، لكن بعد أقل من عام ونصف العام (في 10/6/2000) توفي حافظ الأسد.

تقول رواية مصدرها إحدى الشخصيات النسائية التي عملت في بطانة الملك إنّه حين كان عائداً ذات يوم من زيارة إلى دمشق بطائرته، طلب حسين، الذي توقف عن التدخين بناء على نصيحة أطبائه، من مساعديه أن يعطوه سيكارة. أجاب أحدهم بلباقة: «سيدي، لكنك توقفت عن التدخين»، فردّ الملك: «بعد ست ساعات على انفراد مع الأسد؛ أنا بحاجة حقاً إلى سيكارة».

في سياق «علاقة الاضطرار» بين الرجلين، حضر بوضوح ميراث العائلة الهاشمية في التعاطي على مدار عقود مع البعثيين - في سوريا والعراق -. لم يكن هذا الميراث مبنياً حتى على نسبة ضئيلة من التوافق في قضايا تتجاوز الواقع السياسي المباشر بكل ضغوطه وتشعباته، وأولها وأهمها «الحلم الهاشمي» و«الشعار البعثي» بوحدة العالم العربي، أو وحدة بلاد الشام، فإن لم يكن، فوحدة ما تبقى من سوريا والأردن.

حكم حسين الأردن منذ 1951، وعايش التجارب القومية العربية من الناصرية إلى القذافية إلى الصدامية إلى مرحلة «سوريا الأسد»، وعبرها كلها كان متهماً منهم جميعاً بأن «حكمه كان تاجاً بريطانياً على الضفة الشرقية للكيان الذي أسّسته بريطانيا فوق أرض فلسطين التاريخية».

خلال تجربته الطويلة تلك، رأى الحسين أن «الرفاق» غير جادين في أي مسألة طرحوها بشأن تحرير فلسطين، أو قضايا أقل أهمية في نظرهم، مثل توحيد التعليم العربي أو الاتفاقات الاقتصادية، فما تكاد تعبر غيمة سماء أي علاقة بين بلدين عربيين حتى يبادر أحدهم إلى إغلاق المجال الجوي أو الحدود أو حتى طرد السفراء.

من «النكسة» إلى «أيلول الأسود»

حصل أوّل اختبار حقيقي للعلاقة بين الرجلين عندما كان حافظ الأسد وزير الدفاع في حرب حزيران/يونيو 1967 التي قيل فيها كلام كثير، منه ما أكد أن «حافظ الأسد كان أحد أسباب تلك الهزيمة المدويّة»، ومنه ما نقله باتريك سيل في كتابه «الصراع على سوريا» من أن «أسبوع حزيران كان كابوساً جثم على (صدر) وزير الدفاع السوري الذي فقد سلاحه الجوي والجولان وموقع جبل الشيخ وكاد نظام البعث في دمشق أن يسقط».

يكمل سيل: «إذا كان التاريخ الذي نعرفه لم يسجل دفاعاً للأسد عما حدث وقتذاك، فإن هناك أحاديث للملك حسين تذهب إلى أنّ من ورطه في حرب حزيران كان الساسة السوريين البعثيين، وبوضوح، لم يرق هذا التصرف السوري للملك الذي فقد الضفة الغربية بسهولة، ووصف السلوك السوري بأنه خيانة، فرغم نداءاته الملحة لدعمه، لم يتحرك لواء سوري واحد إلى الأردن حتى نهاية الحرب رغم وعود السوريين السابقة» (كتاب الملك حسين «حربنا مع إسرائيل»، ص. 19).

كان هذا الاتهام مقدمة الاختبار الثاني الحقيقي، فقبل وصول الأسد إلى السلطة بأشهر، انخرط «التاج الأردني» في مواجهة مع الفلسطينيين (أيلول الأسود) رافضاً «تحويل البلد إلى فلسطين بديلة» على روايته. وقتذاك شكّل حسين حكومة عسكرية، وفي 17 أيلول/سبتمبر، حاصر الجيش الأردني المدن التي كانت تشهد وجوداً لمقاتلي «منظمة التحرير» بما في ذلك عمان وإربد، وبدأ قصف الفدائيين المتمركزين في مخيمات اللاجئين بالمدفعية الثقيلة ومدفعية الدبابات.

في العام 1979 استعرت نار الخلافات السورية الأردنية «من قلب ورب»، وحتى 1985 تفككت كل الإنجازات السابقة

في اليوم التالي، تقدمت قوة سورية بتوجيه من وزير الدفاع، الأسد، مع «جيش التحرير الفلسطيني» صوب إربد التي أعلنها الفدائيون «مدينة محرّرة». وفي 20 أيلول/سبتمبر، ألقى الرئيس السوري نور الدين الأتاسي خطاباً هاجم فيه الأردن بشراسة ومعه «الإمبريالية والصهيونية» وتوعد بدخول الجيش السوري لمساعدة الفلسطينيين.

لكن في 22 أيلول/سبتمبر انسحب السوريون بعدما شن الجيش الأردني هجوماً برياً بغطاء جوي إسرائيلي أوقع خسائر فادحة في القوات السورية. كان الأسد يدير العمليات من مقر قيادته في مدينة درعا القريبة من الحدود الأردنية. في وقت لاحق، قال إنّ هدفه كان «دعم حرية حركة الفلسطينيين في شمال الأردن»، ولم يكن يريد إسقاط النظام الملكي.

في 28 أيلول/سبتمبر 1970 توفّي الرئيس المصري جمال عبد الناصر بعدما تمكن نسبياً من تهدئة الأحوال بين الملك والفلسطينيين، وفي 16 تشرين الثاني/نوفمبر كان حافظ الأسد قد نجح في تحييد «رفاق الأمس» في حركة استغرقت ثلاثة أيام، وانتهت بوصوله إلى رأس السلطة.

لم يلتقِ الأسد وحسين وجهاً لوجه حتى 10/9/1973، أي بعد نحو ثلاث سنوات، ويبدو أن «تصفية القلوب» لم تكن ممكنة بدون حدث استثنائي. كان الحدث حرب تشرين/أكتوبر 1973.

العودة من «تشرين»

فتحت سوريا ومصر الأجواء مع الأردن بهدف ضمان وقوف الملك بجوارهما في حرب متوقعة ضد «إسرائيل»، ولم يكن الملك راغباً في المشاركة على ما يبدو، ومن كشف هذه المسألة صديقه الشخصي، وزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر، الذي نقل في مذكراته أن «حسين أعطى ضمانات أن جيشه لن يشارك»، ومع ذلك أرسل ثلاثة آلاف جندي إلى هضبة الجولان بعد موافقة «إسرائيلية» عقب اتصال مع وزير الخارجية البريطاني آنذاك إدوارد هيث (مذكرات كيسنجر، وقد صدرت بالعربية تحت عنوان «سنوات التجديد» في مجلد واحد).

بعد حرب تشرين بات واضحاً أنّ الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات سوف يغير موقعه، ولذلك كان الحدس عند الأسد أنه لا بد من التعاون مع حسين قبل أن يقرر هو الآخر الذهاب برفقة السادات، ولذلك زار الأردن في 10/6/1975 لتكون الزيارة الأولى لرئيس سوري منذ 1958، فتوثقت العلاقات بين البلدين وصولاً إلى توحيد المناهج الدراسية الابتدائية.

لكن «سنوات العسل» هذه لم تستمر سوى سنوات معدودات، لتبدأ في الانحدار مع بدء التوترات الداخلية في سوريا جراء تفجيرات واغتيالات قالت دمشق إن وراءها بغداد وعمان، ثم في 11/1979 اتهم الأسد الحسين بأنه يدعم جماعة «الإخوان المسلمون».

استعرت نار الخلافات السورية الأردنية هذه المرة «من قلب ورب»، وتفاقمت في 1984 مع تقارب كبير بين حسين والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ووصلت الأمور حدّ تلويح دمشق بعمل عسكري ضد الأردن.

هكذا تفككت كل «الإنجازات السابقة»، ودخلت العلاقات في دوامة من العنف رغم زيارة حسين إلى دمشق في مطلع 1985، ولم تهدأ إلا بتدخل من الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز.

في 10/11/1985، وفي لفتة نادرة في عالم السياسة العربية، اعترف حسين أنه كان وراء التفجيرات في سوريا وأنه وقع ضحية تضليل. وفي 4/6/1987، أغلقت دمشق مكاتب العدو اللدود للملك الأردني الراحل «أبو نضال» (صبري البنّا، مؤسس «المجلس الثوري في حركة فتح»، الجماعة الفلسطينية المسلحة التي انشقت عن حركة فتح، وعرفت أيضاً باسم «منظمة أبي نضال»)، ثم في السنة التالية زار الحسين الأسد في دمشق.

لا ثقة

في السنوات التالية، ورغم كل ما حدث، لم يكن هناك اطمئنان بين الرجلين، وفي حين زار حسين دمشق مرات عدة للسعي في مصالحة بين دمشق وبغداد، لم يفعلها الأسد، ثم حطت طائرة الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك فجأة في دمشق العام 1989، وفجأة أيضاً تحسنّت العلاقات مع «منظمة التحرير»، وشعر حسين من جديد بالخديعة.

بعد الغزو العراقي للكويت (آب 19990)، أخذ الملك الأردني موقفاً أقرب إلى الحياد إبّان عمليّة «عاصفة الصحراء»، فيما ذهب الأسد أبعد منه وانضم إلى التحالف الدولي ضد عدوّه البعثي اللدود في بغداد.

كشفت السنوات التالية في حياة الرجلين أنهما لم يتغيرا ولم يتفقا يوماً على «مشترك» لأي قضية، ومن هنا كان تبرير الملك عقده اتفاقية مع «إسرائيل» تبريراً يتسم بـ«النكاية» إلى حد كبير؛ يقول حسين: «لم يحتمل حافظ الأسد فكرة أن يتخذ الأردن قراراً سيادياً بإبرام السلام واستعادة حقوقه، كان يريد منا أن ننتظره كي يلعب ورقة التفاوض الأردنية للتفاوض من أجل ورقة السلام الخاصة به لكن هذا غير مطروح بالنسبة إلينا» (نقلاً عن كتاب رندة حبيب، «الحسين أباً وابناً»)؛ لقد كان حسين واثقاً أنّ «الأسد لن يوقع اتفاقية مع الدولة العبرية»، على حد تعبيره.

لاحقاً أسهمت شيخوخة الرجلين ومرضهما في التخفيف من حدة التوتر بينهما قبل وفاتيهما بفارق عام ونصف العام تقريباً والأسبقية للملك. ورغم توقيع الأردن معاهدة مع «إسرائيل»، فإن الأسد لم يقطع العلاقة رغم فتورها، قبل أن تحط طائرته في عمّان معزّياً.

الصورة الرئيسية للمقال: (صحيفة الشرق الأوسط)

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0