× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

سقط النظام.. كيف تعيش الدولة؟

عقل بارد - على الطاولة 06-01-2025

تحتاج الأحزاب دولاً كي تمارس نشاطها بحريّة حقيقية في إطار حياة سياسية، أما في سوريا فقد أُجهز على الدولة منذ تجذّر فيها احتكار الحزب الواحد، فلا عادت صالحة لا ليمين ولا ليسار! ما الحل اليوم؟ هل نُكرر النهج ذاته، فتكون النتيجة الإمعان في تهديم المُهدّم؟

الرسم: (أسامة حجّجاج - كارتون موفمينت)

اكتشفتُ أخيراً أنني ما أخفيت اسمي الحقيقي خوفاً من الرئيس المخلوع ونظامه فحسب. ها أنا بدون الأسد مثل سوريا كلها، ومع هذا أكتبُ باسمي المستعار. 

أثبتت لي المُجريات الأخيرة أن الزمن الذي نحتاجه للقدرة على المجاهرة بآرائنا ليس قصيراً كما قد يعتقد بعضنا، وبرغم ومضة الحرية هذه سيظل اسمنا المستعار حاجةً في بلاد أخشى أننا لن نستطيع فيها ممارسة الحرية إلا من وراء ستار!

البلاد التي كسرت رخامة قبرها وأزاحت التراب رويداً رويداً، لا تزال محاصرة في مقبرة تغيب فيها الشروط الموضوعية لحرية الأبناء، أما الجمهور الذي يتخبط بين المصطلحات، وكان من المفترض أن تنفتح أمامه أبواب الأفكار، فقد شتّتته الأبواب الكبرى التي جذبته إلى داخل متاهاتها، ليصبح رهينة غرف العشيرة والدين والطائفة.

ربما كان «طبيعيّاً» مع انعدام الحياة السياسية عقوداً ألا يجد بعضنا ملجأً سوى انتماءات ما قبل الدولة، ما يعني بالتالي تهديداً جديداً للكفاءات، وانتقالاً تلقائيّاً من قاعدة «البعث أقوى من الكفاءة»، إلى «العشيرة أقوى من الكفاءة». 

مع ذلك، يبدو لافتاً بشدّة أن غياب الحياة السياسية أورثت بعضنا حسّاً يمينياً مدهشاً، ليتحول أولئك الذين يعارضون انتشار اليمين في الغرب إلى محبين له في الشرق! وهو دليل لم نكن نحتاجه لفهم العلاقة بين الشعبوية واليمين المتطرف، وبطبيعة الحال لا تسمح الحالة الشعبوية للمرء أن يقارن بين ما يحب أن يفرضه على الآخرين، وما يحب أن يُفرض عليه.

ليست المشكلة في الدين، بل في السياق الذي جعل الدين هو «الحل الوحيد» عند العامة، وربط بين الحزب والعقيدة فجعله يأخذ طابعاً يمينياً

هكذا خرجنا من «حفرة الأسد» لنجد أنفسنا في كمين اليمين الذي يرفض الآخر، وأُصر هنا على قول «اليمين» لا بسبب ميول يسارية لدي، بل تجنباً للحديث عن الأيديولوجيا والدين، فأنا لا أرى المشكلة في الدين، بل في السياق الذي جعل الدين هو «الحل الوحيد» عند العامة، وربط بين الحزب والعقيدة فجعله يأخذ طابعاً يمينياً.

المفارقة أن كل هذا ما كان ليحدث لولا حكم «اليسار» البعثي الذي استغل اليسار للكذب على العمال والفلاحين، وجعلهم غطاء لعُصبة ارتهنت البلاد، بلاد لا تشبه الدولة في شيء! لعلنا لا نحتاج ما يثبت ذلك أيضاً، لكن لا بأس في تأمُّل هذا البرهان الذي يشرح كيف أن البنية كانت «بنية عصابة» وليست بينة مؤسسات، بدليل انهيارها بغياب رأسها!

لكن؛ ماذا يعني هذا؟هل يعني أننا لا نصلح لا لليمين ولا لليسار؟!

لعل السؤال يستند إلى فرضية غير صحيحة أصلاً، إذ تحتاج الأحزاب دولاً كي تمارس نشاطها بحريّة حقيقية في إطار حياة سياسية، أما في سوريا فقد أُجهز على الدولة منذ تجذّر فيها احتكار الحزب الواحد، فلا عادت صالحة ليمين ولا يسار!

ربما كان أولُ ما ينبغي فعلُه الاعتراف بأننا لسنا في دولة، ثم نُحلّل لنفهم ما الذي دمر الدولة (ما، وليس مَن)، ولعلنا نعرفُ عند إيجاد الأجوبة ما ينبغي علينا تجنّبه.

  • هل «سوريا المتجانسة» التي تحدث عنها بشار الأسد كانت واحدة من أسباب انهيار الدولة؟
  • هل التجانس بمعنى التشابه - بل التماهي - هو أحد العيوب التي هدمت الدولة؟
  • هل إهانة المعتقلين وتعذيبهم وشتمهم وزرع الأحقاد كانت من أدوات هدم الدولة؟
  • هل احتكار السلطة من قبل لون واحد (حزب واحد) كانت من أسباب هدم الدولة؟
  • هل تخوين الآخر وكيل التهم ضده من أسباب هدم الدولة؟
  • هل غياب الحريات العامة وقتل الحياة السياسية من أسباب هدم الدولة؟
  • هل الحكم باستخدام أدوات التغوّل والوحشية من أسباب هدم الدولة؟
  • هل الارتهان إلى لخارج من أسباب هدم الدولة؟

من زاويتي أرى أن جواب كل الأسئلة السابقة: نعم. وهذا يعني أن بناء الدولة يستوجب عكس تلك السلوكات.

الآن؛ هل تمارس الإدارة الجديدة حتى هذه اللحظة السلوكات ذاتها؟

إذا كان الجواب: نعم، فهذا يعني أننا أسقطنا النظام ولكننا نستمر في هدم الدولة، والشجاعة تكمن في أن تتغير السلوكات كي تتغير الأجوبة، لعلّنا حينها نتلمس الطريق نحو بناء الدولة، دولة لا نخشى عليها من يمين أو من يسار.

هامش

أدار «شركته» طوال خمسين عاماً. كلما حاول موظف أن يسأله كي يتعلم، طلب منه السكوت، احتكر سرّ المهنة والكراسات، ومنع الموظفين من الاطلاع. وكلما رأى اثنين يتناقشان حوْلَ تطوير العمل فصلَهُما من الشركة! لطالما خشي أن يتفق العمال، فوضع قوانين تمنع اجتماع ثلاثة في مكان واحد، حتى باتوا لا يعرفون ما يفعلون في غيابه، وتحول إلى «العارف الوحيد الذي ليس له بديل».

شيئاً فشيئاً باتت الشركة تحوي نوعاً واحداً من الموظفين، يؤمنون جميعاً بأنه المدير الأمثل الذي ليس له بديل. لم ينتبهوا إلى أن عدم وجود بديل لـ«القائد» هي في حد ذاتها إدانة للقائد لا لمن يقودهم، بل لم يكن لديهم الحق أن ينتبهوا، فالجدران كانت مملوءة بشعار «لا تنتبه إلا إلى القائد وحده.. الانتباه يسرق الجهد».

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0