عبد المنعم علي عيسى - كاتب ضيف
الصورة: (أثناء تلاوة البيان الختامي لمؤتمر الحوار السوري - دمشق 25-2 / سانا)
منذ أن أُلقيت «صخرة 8 كانون الأول/ديسمبر» الماضي في البركة السورية - غير الراكدة - تتالت دعوات السوريين، بشتى مشاربهم وتياراتهم، لاقتراح وصفات لإعادة الهدوء إلى «البركة»، وهو أمر يقتضي التفكير في ما يعتمل أسفل القيعان التي تحدد - بدرجة كبيرة - الصورة التي يظهرها السطح. د يكون من أوضح تجليات ذك الدعوة إلى «حوار وطني شامل» يفضي في النهاية إلى رسم ملامح «سوريا الجديدة» التي تلعب دوراً محوريّاً في رسم ملامح المنطقة برُمّتها، هذا إن لم تصل مؤثراتها إلى مديات أبعد.
تعهد الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع في أول خطاب له بعد أن حمل صفته الآنفة الذكر «تشكيل حكومة انتقالية تمثل كل السوريين»، وباستصدار «إعلان دستوري يكون المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية»، كما بتشكيل «لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني»، الأمر الذي وفى به بعد ثلاثة عشر يوماً من إطلاق التعهد، وشُكلت بالفعل لجنة من سبعة أعضاء، بينهم سيدتان.
اللافت هنا أن الإعلان عن تشكيل اللجنة كان قد جاء بعد يوم واحد من لقاء الشرع برئيس «هيئة التفاوض العليا» ورئيس «الائتلاف الوطني»، وهما الكيانان الأبرز المعترف بهما دوليّاً بوصفهما مُمثلين للمعارضة للمعارضة قبل سقوط النظام السابق. أفضى اللقاء إلى اعتبار كلّ من الكيانين «بحكم المنحل» وفقا للتعبير الذي استخدمه أحمد بكورة، القيادي في الائتلاف، في تصريح أدلى به لصحيفة «العربي الجديد».
عقب تشكيل اللجنة كتب منذر خدام، المعارض اليساري والقيادي في «حركة التغيير الديمقراطي» مُعلّقاً على تركيبتها: «حقيقة لم يكن لدي توقع أفضل.. إنه التطبيق العملي لشعار "مَن يُحرر يقرر".. أخشى أن سوريا ذاهبة من جديد إلى صراعات مفتوحة تأتي على ما بقي منها»، ليشاركه خشيته برهان غليون، الذي كان أول رئيس للـ«المجلس الوطني السوري» بعد تأسيسه في تشرين الأول/أكتوبر2011، فكتب: «لا أدري إذا كان تشكيل لجنة مؤتمر الحوار الوطني سيساعد على إقناع الدول الغربية بتخفيف العقوبات الكارثية على المجتمع السوري، أو أن تخفف من شكاوى الفئات السياسية والاجتماعية التي تشعر بالغبن لاستبعادها من المشاركة بعد زوال الطغيان».
هل يمكن البناء على رغبة السوريين والسوريات في الحوار، بما يؤسّس لقطيعة مع حقبة كانت العطالة السياسية للمجتمع أبرز سماتها، وواحداً من أمضى أسلحة الحكم الشمولي للهيمنة؟
يمكن لحظ دوائر أخرى راحت تدعو مع تشكيل اللجنة إلى التروي وعدم إطلاق أحكام مسبقة، فرأى حازم نهار الكاتب والباحث ورئيس تحرير مجلة «المشكاة» الفكرية الحقوقية، أنه «بناء على عمل اللجنة يمكن تحديد مواقف واضحة منها»، وفي السياق ذاته كتبت سميرة المسالمة، التي كانت رئيسة تحرير جريدة تشرين (الحرية الآن) قبل أن تنشق عن نظام الأسد في 2012: «هناك أشخاص تقرأ، ولكن لا تريد أن تفهم»، ودعت إلى «التوقف عن تكرار التجربة بالرفض و الإساءة إلى أي مؤتمر قبل أن تظهر نتائجه».
نجد في دائرة أخرى دعوات ذات بعد أعمق، تدعو في المحصلة إلى وضع قواعد وأسس لا بديل منها لنجاح الفعل، فكتب ياسين الحاج صالح، في جريدة «القدس العربي» في 13 شباط/فبراير: «من جملة القضايا التي يتعين أن يتناولها مؤتمر الحوار الوطني اقتراح تمارين قاعدية على الحوار، يبادر إليها مهتمون بالشؤون العامة»، وأضاف: «قد تسهم تمرينات تجري في الأحياء والبلدات والقرى، وهي تستحضر بصورة ما فكرة المجالس المحلية، في صنع المجتمع وسياسته ذاتيّاً»، لكن شريطة أن «يخرج المؤتمر ببعض القواعد العامة لتسيير مؤسساته السياسية الجامعة».
في «الفضاء الأزرق» تشظت المواقف بين مرحب يرى في الحضور النسوي والمدني «فأل خير»، وبين منتقد يرى أن تشكيلة اللجنة «تعكس هيمنة فصائل إسلامية على العملية السياسية»، كما نحت بعض الإنتقادات صوب استبعاد ممثلين عن الشمال الشرقي من البلاد (الجزيرة السورية) وجنوبه (السويداء)، في حين شككت آخرون بجدوى العملية «وسط استمرار التحديات الأمنية والاقتصادية».
يمكن القول إن ردود الفعل على مسار عملية الحوار ذاتها، ومؤتمره الذي انعقد أمس، لم تخرج في جوهرها عن ردود الفعل الأولى التي تلت تشكيل اللجنة، فتكررت الآراء ذاتها وإن على ألسنة أخرى.
ربما يوجز المشهد ما كتبته الصحافية زينة شهلا على صفحتها في نهاية يوم «الحوار»، بعاميّة مُباشرة: «يمكن أحلى شي مبارح واليوم، بما يخص مؤتمر الحوار الوطني، هي كمية البوستات المتناقضة والآراء المختلفة جداً، ويمكن مافي شي بيجمعها غير أننا كلنا كسوريين اليوم، بدون استثناء، بدنا بلد أفضل النا جميعاً.. وبسرعة كمان... هي هيه الحرية اللي بدنا ياها».
من بين ما يشي به هذا الجدل المستمر، أن السوريين والسوريات يدركون جيداً أهمية الحوار، وإن تباينت الآراء حول آلياته، وحوامله، وسط انقسامات عميقة كرّستها حالة «الدوائر غير المتقاطعة» التي كانت جزءاً من الإرث المعقد المتراكم على مدار عقود من الحكم الشمولي الاستبدادي المُعطّل للحراك السياسي، وما أفرزه من تباعُد الدوائر بعضها عن بعضها الآخر إلى درجة تؤسس لحالة تنافريّة.
في المحصلة؛ قد يكون التحدي الأبرز اليوم: كيف يمكن تحويل هذه المعطيات إلى فرصة، والبناء على رغبة السوريين والسوريات في الحوار، والإلحاح على أهميّته، بما يؤسّس لقطيعة مع حقبة كانت العطالة السياسية للمجتمع أبرز سماتها، وواحداً من أمضى أسلحة الحكم الشمولي للهيمنة؟
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0