كميل أبو الطيب
ما بعد السادس من آذار/مارس الجاري ليس كما قبله، هكذا يقول سوريون كثر، سوريون اتفقوا أنّ ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم من تاريخ «سوريا الجديدة» أرخى وسيرخي بظلال ثقيلة على أشهر، وربما سنوات طويلة قادمة.
في ذلك اليوم حاول مسلحون مرتبطون بالنظام السابق تنظيم صفوفهم وتحريك في مواجهة السلطات الجديدة، فنصبوا كمائن وقادوا هجمات، أوقعت ضحايا في صفوف قوى الأمن العام، قدّرت مصادر غير رسمية أعدادهم بين مئتين وثلاثمئة، لكنّ ما لم يكن متوقعاً أن تشعل هذه الشرارة فتيل الطائفية على امتداد ساحات البلاد.
النار الملتهبة
قوبل «التمرد» باستنفار تحريضي علني عبر بعض المنابر (ومن بينها مساجد) وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليحصل ما يشبه «نفيراً عامّاً» شارك فيه مدنيون ومسلحون غير منظمين أو منضبطين، ومجموعات منخرطة تحت راية وزارة الدفاع، ليسفر كل ذلك عن «اجتياح» فعلي للساحل السوري في أيام السابع والثامن والتاسع من آذار/مارس الحالي، تحت عنوان «مناصرة قوى الأمن الداخلي».
أسفر الاجتياح عن انتهاكات ومجازر راح ضحيتها نحو «1600 مدني تحت وطأة 56 مجزرة جماعية»، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما ترفع مصادر أخرى غير رسمية العدد إلى أضعاف.
الشرع يخسر؟
لا يختلف مراقبان أنّ ما حصل لم يكن في مصلحة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع إطلاقاً، وأكثر من ذلك بدا وكأن الأمور خرجت عن سيطرته، وأنّ عملية «التأديب الجماعي» تجاوزت أهدافها ووصلت حدّاً أشبه بـ«التطهير العرقي».
يعتقد د.علي ماخوس، المتخصص في العلوم السياسية أن «آخر ما كان يحتاجه الشرع قبل تشكيل حكومته الانتقالية هو جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة تداعيات مجازر الساحل على شكل التعايش في البلد، عدا عن الشجب الدولي الشديد اللهجة، لا سيما من كل من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، ليكمل وزير خارجيته أسعد الشيباني الأمر بسقطة سياسية أمام مؤتمر المانحين في بروكسل حين قال إن الأقليات حكمت سوريا لـ 54 عاماً».
يرى ماخوس أن كلام الشيباني يعكس قصر نظر، وعدم فهم لتركيبة النظام السابق، ويعُدد أسماء كثير من المسؤولين وأركان النظام الذين لا تنطبق عليهم توصيف شيباني. ليخلص إلى القول: «رغم أن حافظ وبشار الأسد اختطفا طائفتهما، فقد عوما فوقها الطائفة الأسدية، طائفة الولاء المنقطع النظير، وإن غاب ذلك عن وزير الخارجية فهو بذلك يدق إسفينا في نهج التعايش المشترك بمباركةٍ غير مباشرة لما حصل من أحداث».
رسائل سلبية
«إياكم أن تعودوا، هذه الرسالة التي وصلتنا عقب الأحداث الأخيرة». يقول المعارض السابق لحكم الأسد موسى زيدان المقيم خارج سوريا.
يشير زيدان إلى آلاف العائلات التي التجأت إلى مطار حميميم، وهو قاعدة عسكرية روسية، ويضيف: «بتصوري كان العدد ليكون أكبر بكثير لو كانت القاعدة في بانياس مثلاً، الأهالي يرفضون العودة إلى قراهم رغم محاولات السلطات، لقد انكسرت الثقة، أو لنقل إنّ شعرة معاوية انقطعت بين الطرفين».
قوبل «التمرد» باستنفار تحريضي علني ليحصل ما يشبه «نفيراً عامّاً» أسفر عن «اجتياح» فعلي للساحل السوري
قبل أن تجف دماء ضحايا مجازر الساحل، فوجئ السوريون بمروحية أميركية تقل مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى دمشق ليوقع مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع اتفاقية تفاهم تاريخيّة.
أنهى عبدي زيارته السريعة إلى دمشق وعاد إلى شرق الفرات حيث تسيطر قواته على نحو ثلث مساحة سوريا، وسرعان ما عمّت الاحتفالات في مناطق عديدة ابتهاجاً بالاتفاق. لكن الإعلان الدستوري الذي صدر بعد يومين شكّل ما يشبه انتكاسة بدّدت أجواء التفاؤل العارم. وليس أدل على ذلك من المظاهرات العديدة التي خرجت رفضاً للإعلان في مناطق شرق سوريا. ورغم ذلك استمرت اللقاءات التشاورية بين «قسد» وحكومة دمشق للاتفاق على تنفيذ اتفاق الشرع – عبدي، فيما قال مصدر كردي سوري لـ«صوت سوري» إن «تطبيق الاتفاق صار أصعب بعد الإعلان الدستوري»، الذي «لم يراعِ خصوصيات عديدة»، حسب توصيف المصدر.
يرى مصدر من داخل مجلس سوريا الديمقراطي أنّ السلطات الجديدة «وجهت صفعة» لاتفاق الشرع-عبدي.
يشرح المصدر لـ«صوت سوري» أسباب ذلك قائلاً: «اعتمد الإعلان الدستوري اللغة العربية لغة رسميّة وحيدة، في حين كنا ننتظر بنداً يتعلق بحماية خصوصية اللغات الأخرى، وأن يجيء الدستور على ذكر دولة مواطنة مدنية تعددية تضمن حرية الدين والمعتقد، مع فصل الدين عن الدولة».
السويداء على الخط
ردود الفعل السلبية إزاء الإعلان الدستوري امتدّت لتشمل السويداء، وتفرمل مساراً كان يُتوقع أن يفضي إلى اتفاق يُسرع انضواءها بشكل فعلي تحت عباءة الإدارة الجديدة.
بدل ذلك، سمعنا الشيخ حكمت الهجري، أبرز المرجعيّات في السويداء في السنوات الأخيرة، يتخذ مواقف حادة من السلطة في مقطع مصوّر «مسرّب» يصف خلاله السلطة بـ«غير الشرعية، والمطلوبة للعدالة الدولية». قبل أن يُصدر بياناً مطوّلاً «قال فيه كل ما يجب أن يقال»، بحسب الطبيب ناصر الحناوي أحد الفاعلين في حراك السويداء خلال العامين الماضيين.
يتحدث الحناوي عن اعتقاد راح يسود في السويداء بأنّ «نزع سلاح فصائل السويداء قد يقودنا إلى مذابح. (...) لا نريد تكرار تجربة الساحل، لذا تقتضي الحكمة التريث لنرى كيف ستبني السلطة جسر ثقة معنا. لسنا طُلاب تقسيم، لكننا نريد مواثيق لا عودة عنها».
بيان الهجري اتهم السلطة بـ«رفضها الاستماع للطرف الآخر، وسعيها للتفرد بالحكم، والتعامل مع السوريين بمنطق المنتصر الأوحد، كما أنها تجاهلت الكفاءات والإمكانات لتدعم شريحتها الخاصة».
كما وصف الإعلان الدستوري بأنه «صيغ من قبل لجنة تتمتع باللون الواحد (...) يُسلم الدولة كلّها لشخص واحد بصلاحيات مطلقة تؤسس لمرحلة جديدة من الاستبداد السياسي».
كذلك انتقد مؤتمر الحوار الوطني لأنه «لم يشمل كل السوريين»، بل «انفردت الإدارة المؤقتة بالرسم والتخطيط والجمع والتسيير، ليتم المؤتمر بخمسة ساعات وبتوصيات ونتائج جاهزة مخيبة للآمال». فضلاً عن إشارته إلى مجازر الساحل واصفاً إياها بـ«التي تحاكي جرائم تنظيم داعش».
هذه التطورات كلها، تُرخي بظلالها على المرحلة الراهنة وما يليها في سوريا، ويضع الإدارة الجديدة أمام اختبار كبير، قد يتجاوز في صعوباته حتى تلك المرحلة التي تلت إسقاط النظام، وتفتح الباب أمام مزيد من الأسئلة الصعبة والحرجة حول مستقبل سوريا.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0