× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الملازم أوّل «خوف»!

حكاياتنا - حشيش 18-06-2020

تذكّرتُ أنني أصورهم، ففهمت أسبابه، وأخبرته باسم الفرع. قال بغضب يكاد يبدو مصطنعاً لشدة حدّته: «يعني ما عم أفهم، شو بدهم؟، ما كفاهم عشر سنين حرب وموت؟».

الصورة: (Tomas - كارتون موفمينت)

بين الجموع الكثيرة، صدح صوت فتاة متحمسة، وتعالت الأصوات خلفها. 

أمسكت هاتفي، وانهمكت في تصوير بعض الوجوه التي عرفتها منذ ما يقارب عشر سنين. كانوا أطفالاً، اليوم تمايزت أصواتهم بين أنثوية، وذكورية.
جاء صوته من خلفي، يطرح عليّ سؤالاً أثار غضبي، لكنني لجمت نفسي: «الزميل من أي فرع؟»، قال.
فكّرتُ بيني وبين نفسي: «كيف استنتج أنني زميل؟!»
تذكّرتُ أنني أصورهم، ففهمت أسبابه، وأخبرته باسم الفرع. قال بغضب يكاد يبدو مصطنعاً لشدة حدّته: «يعني ما عم أفهم، شو بدهم؟، ما كفاهم عشر سنين حرب وموت؟». 
لم أعلّق. آثرت التزام الصمت، ومواصلة التصوير، والثبات بوقفتي، والاستمرار في التلفت بين مختلف الاتجاهات، أنا ونظارتي الشمسيّة السوداء. اكتفيت بهزّ رأسي علامةً مني على الموافقة. ليسترسل بعدها: «هذا الفقس الصغير الجديد، بدو يقلب البلد مكان للمخدرات، والدعارة. بعدهم ما عم يفهموا حجم المؤامرة الكونية اللي عم تنحاك ضد هالبلد». بالطبع هنالك مؤامرة ما، لكن الموجودين، كانوا من جميع الأعمار، ليسوا مجرد «فقس جديد». 
استرسل في الشرح عن نظرية المؤامرة. الكلام نفسه، المبررات نفسها، الحجج نفسها. 
تقدم خطوةً إلى جانبي وراح ينظر إليّ نظرات متفحصة مريبة. 
قلت لنفسي «معقول عرف إني مو زميل؟ العمى على هالخازوق». 
صرت أسترق النظر إليه، فيوارب نظراته عني. تقدمت خطواتٍ علّي أختفي عن ناظريه، وبعدها أهرب، لكنه لحق بي. دخلت بين الجموع، وإذ به يلاحقني.
«والعمل هلق؟ كيف بدي أخلص من هالقصة؟! يعني ترك كل الناس اللي حاملين لافتات وعم يصرخوا ولحقني». المصيبة الأكبر أنه حفظ شكلي، حسناً الهرب ليس فعلاً صحيحاً، لا بد لي من مجاراته. اتجهت نحوه بثبات، وأمرته: «شايف هداك أبو طاقية سودا؟ كان من شي تلات سنين يوزع مناشير، خلي عينك عليه». وابتعدت عنه فوراً لأذوب بين الجموع. 
بعد دقائق، التفتّ لأبحث عنه، وإذ بي ألمحه يكلم صاحب القبعة السوداء الذي وشيت به منذ قليل! «طلع معهم أبو طاقية! الله يلعن أخت الساعة اللي قررت أنزل وأعمل فيها ثورجي». 
بينما أنا غارق في التفكير بمخرج من هذه الورطة، اصطدم بي أحد جيراني، فتعجب وقال «ولك أنت شو عم تعمل هون؟»، نظرت إلى عينيه وقلت في نفسي «أحلى شي يطلع معهم متل أبو الطاقية السودا». 
قررت أن أجيبه جواباً رمادياً، لا يستطيع أن يعرف من خلاله ما الذي أفعله هنا، علماً بأنني أنا نفسي لا أعرف حقيقةً ما الذي أفعله هنا. 
قلت: «والله متلي متلك»، فعاجلني بردّ زاد من حيرتي: «برافو عليك».
لعن الله هذا اليوم، لو بقيت في منزلي ألم يكن أفضل بألف مرة؟
بعد تفكيرٍ عميق، قررت أن أسبقهم بخطوة وأذهب إلى الفرع لأُسلم نفسي. 
وافق رئيس الفرع على مقابلتي، بعد أن عللت طلبي مقابلة سيادته بـ «أمر هام جدّاً يخص أمن الوطن». 
أعطاني محرمة لأجفف عرقي (لاحظ الكرم، رغم أن كيس المحارم صار بألف وخمسمئة ورقة)، وقدم لي كأس ماء لأسترخي، وأجلسني على الكرسي لأنني كنت أرتجف. 
قلت له «الله وكيلك ما كان قصدي أنتحل شخصية أمنية، يعني أنا من طفولتي كنت بتمنى صير زميل، بس للأسف ما سنحت الفرصة، وأبي أصر صير مهندس وأتعتّر، وإلا أنا كنت دائماً بحب الزملاء». 
بالطبع، لم يفهم سيادته عمّ كنت أتحدث. طلب مني أن أهدأ وأشرح له، فسردت له ما حدث معي في المظاهرة بالتفصيل. 
ربت سيادته على كتفي، وقال «لا تخاف. اللي عملتو هو الصح، لأنك شخص وطني، وبتحب وطنك. من اليوم بتعتبر حالك زميل وأعز، وبتصير كل شي بتشوفو أو بتسمعو بتجي وبتخبرني لي شخصياً». 
شعرت بالراحة وكأن حملاً انزاح عن صدري، خاصة أنني سأخرج من الفرع بصفة زميل. 
ودعني بمصافحة حارّة تهزم كلّ كورونات الدنيا، وحين خرجت، رأيت في قاعة الانتظار عدداً ممن كانوا في المظاهرة ومن بينهم جاري، يجلسون في انتظار مقابلة سيادته وهم يتصببون عرقاً ويرتجفون، تماماً كحالي حين كنت أنتظر. 
المفاجأة لم تكن هنا حقيقةً، بل كانت في ذلك الزميل الأول، الذي كان جالساً بينهم، ويرتجف أكثر من الجميع!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها