× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

هل أنا من هذه البلاد؟!

حكاياتنا - ملح 08-05-2025

هل حب الوطن يتجزأ؟ وهل يمكن لهذا الحب الذي أكنّه لوطني أن يمنحني حق الانتماء؟ هل سيشفع لي ارتباطي بتفاصيل هذه الأرض؟ أم أن مجرد الاختلاف هو ما يحول دون أن أكون واحدة من أبنائها؟ وهل يمكن للإنسان أن يُنفى من حب أرضه؟ وهل تسعنا هذه البقعة جميعاً؟

الرسم مولّد بالذكاء الاصطناعي

يقولون لي إنني لا أنتمي هنا، وإنني غريبة عن هذه الأرض. لا أعلم لماذا يتكرر هذا الكلام على مسمعي! 

يقولون: «لا نفهم لغتكِ، ولا تشبه تقاليدك تقاليدنا، معتقداتك ليست كأفكارنا». يقولون أيضاً: «للمواطن هوية، لكن ليس لكِ هوية في هذه البلاد». يطلقون عليّ تسميات وألقاباً معقدة لا أعرف معناها، ولكن من حدة كلامهم، أشعر أنها لا تمثلني

لكن كيف؟! 

أنا هنا، فتحت عيني على هذه الأرض منذ أول لحظة في حياتي.

هنا، أول مرة نزف فيها جرحي في الخامسة من عمري، حين وقعت عن دراجتي، وسال الدم على هذه الأرض.

هنا، أول مرة ضعت، كنت في العاشرة من عمري، ورغم خوفي آنذاك، كنت مطمئنة في داخلي أن بيتي هنا.

هنا، لأول مرة مشيت وحيدة، حالمة، أحفظ تفاصيل هطول المطر على الأشجار.

هنا، من فوق أحد سطوح هذه المنازل، رميت كرة ثلج على أحدهم في السابعة عشرة من عمري، ولعلّه يتذكرها حتى اليوم.

هنا، أنجبت طفلتي وأسميتها: هاجين، «هي الحياة».

هنا، كانت ضحكاتنا تسمع جيراننا الذين لم نكن نعرف طائفتهم أو مذهبهم، فقط أتذكر كيف كانت أمي تقول: «جيراننا» بكل فخر.

تحت هذا التراب، أودعتُ عزيزاً على قلبي، لا تغادرني ذكراه.

هنا كان العيد، كنا نطرق الأبواب دون أن نعرف من وراءها، والسكاكر كانت تهل علينا، فنبتهج حين نكتشف أن حصتنا كانت أكبر من حصص الآخرين.

هنا كنا نتسابق من المدرسة إلى البيت، ونتحرر من شريط جدائلنا لتلعب مع الرياح.

هنا، رأيت كيف تغادرني البلاد، ولا أستطيع مغادرتها. هنا جعت وعطشت، تحملت كما كل من في هذه الأرض. تقاسمنا الدموع والوجع، أصوات الرصاص وضياع الأحلام. فكيف أخون الخبز والملح وأصدق من يقولون إنني لست من هذه البلاد؟

هنا كتبت أولى حروفي، فاجتمعت مع الحروف الأخرى لتشكل جملة مفيدة. هنا بكيت حبراً، سال على الورق بدل الدموع.

لا يهمني من كتب التاريخ أو من أطلق التسميات والمصطلحات. لا يهمني إن كنت هنا قبل أو بعد أن أتيت، ولا تهمني النظرات الباردة التي تلاحقني، ولا يهمني أي لغة تتحدث، وأي علم يرفرف فوق رأسك

يقولون لي: غادري!

كيف أبتعد عن كل هذه التفاصيل وأنا التي أعشق التفاصيل؟ يقولون لي: «ليس لديكِ هوية هنا»، ولكن هل كل هوية تمنحك الحق في أن تكون مواطناً؟ بعض الهويات قد تجعل الإنسان عبداً.

سأقول لهم: هويتي هي دموعي على طفل تيتم في الحرب، يصرخ باسم أبيه. هويتي هي أم ثكلى فقدت وحيدها حتى اختنق صوتها، ولن تستطيع مناداته مجدداً. هويتي هي الوجع الذي مزق قلبي مع خروج كل سجين ركضاً نحو الحرية. هويتي هي هذه الأرض التي ارتوت بدمائنا. هذه هي هويتي، فهل ستتقبلونها مني؟!

لا يهمني من كتب التاريخ أو من أطلق التسميات والمصطلحات. لا يهمني إن كنت هنا قبل أو بعد أن أتيت، ولا تهمني النظرات الباردة التي تلاحقني، ولا يهمني أي لغة تتحدث، وأي علم يرفرف فوق رأسك. لا تهمني كل هذه التناقضات من حولي.

ولكنني أعلم أنني هنا، أعيش في هذه البلاد بكل تفاصيلها. فكيف لي أن أُحاسب على حبي لوطني؟ قلبي ينبض بحب هذا المكان، هذا التراب الذي تربيت عليه. وإن كان الاختلاف هو ما يفرقنا، فكيف يمكن لحب الوطن أن يتجزأ؟

أحب هذه البلاد..  أحب سماءها وأرضها.. أحب مياهها وأشجارها.. أحببتها بقسوتها وحنوّها، بخرابها وعمارها.

♦ ميديا غانم: كاتبة وناشطة سوريّة - القامشلي

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0