حسام نعمان - كاتب ضيف
الرسم: مولّد بالذكاء الاصطناعي
إذا كنتَ من سكان سوريا (أو أي مكان آخر يشبه سوريا)، فعلى الأرجح أنك سمعت أو قرأت ذات مرة أحداً يُعلن بفخرٍ أنه «طائفي حتى النخاع»، أو أن عمتك تُصر على أن تَزوجك فقط من «الطائفة الصحيحة»، أو أن صديقك شرح لك في المقهى كيف أن تاريخ البلاد عبارة عن «مؤامرات طائفية مُحكمة».
على أي حال، إذا كان لديك شعور بأنك محاط/ـة بـ«المصابين بالطائفية»، فهذا الدليل سيساعدك على تشخيص الحالة وعزلها قبل أن تتحول إلى وباء.
الطائفية، أو كما أحب أن أسميها «إنفلونزا الهوية»، هي عدوى عقلية تجعل المُصاب يرى العالم من خلال منظارٍ ضيقٍ ملونٍ بألوان طائفته. المريض هنا يملك «مناعة» ضد فكرة أن «الآخر» إنسان عاديّ مثله. أعراضها تشمل:
- حكة التقسيم والتصنيف: يشعر المصاب بحاجة ملحة إلى تصنيف كل من يقابله إلى: «منّا» و«منْهُم». وقد يعتمد التصنيف على لهجة المتحدث أو شكل شاربه ولحيته.
- هلوسات المؤامرة: يسمع المصاب أصواتاً خفية تهمس له أن «الطائفة الأخرى» تسرق حقه في الهواء الذي يتنفسه، حتى لو كان الهواء ملوثاً بسبب الحرب.
- ارتفاع حرارة الخطاب: تصل حرارة حديثه عن «الطائفة» إلى مستوى يُذيب جليد القطب الشمالي، رغم أن الموضوع قد يكون بسيطاً كالنقاش عن سعر الباذنجان.
- «اختبار الشاورما»: ادعُ صديقك المشتبه به إلى مطعم شاورما، وقُل له عرضاً: «هذا المطعم يملكه فلان من الطائفة الفلانية». إذا ردّ بـ: «آه، إي بس شاورماهُم دائماً يضعون فيها صلصة إضافية وملح زيادة»، أو شيء من هذا القبيل، فهذا مؤشر خطر. الطائفي المحترف يستطيع تحويل أي وجبة عادية إلى معركة مَذهبية.
- لعبة «من سينتصر؟»: اسأله: «لو تقاتل وحش وشخص من الطائفة الفلانية، مع من ستتعاطف؟». إذا فكّر أكثر من ثانيتين، فاعلم أن العدوى بدأت تنتشر إلى دماغه والوضع ينذر بالخطر.
- مراقبة لغة الجسد: راقب جيداً. عند ذكر اسم طائفة أخرى، هل تُلاحظ أن عينيه تضيقان كأنه ينظر إلى شمس منتصف النهار؟ هل يحكّ ذراعه لا إرادياً كأنما ذكر الطائفة أثار لديه حساسية جلدية؟ هل بدأ يضيق نفسه أو أصبح يتنفس بصعوبة؟ إذا كان الجواب: نعم، فالحالة متقدمة.
الطائفية مرضٌ اجتماعي مُعدٍ، لكن ليس ميؤوساً منه. إليك خطة علاجية مدروسة:
- الحَجر الصحي العاطفي: اعزل المريض في غرفة مع أشخاص من طوائف مختلفة، وأغلق عليهم الباب إلى أن يتحدثوا عن الطقس، كرة القدم، وفساد الموظفين الحكوميين. الهدف: إثبات أن «الآخرين» أيضاً يعانون من انقطاع الكهرباء والفقر وصعوبة المعيشة.
- العلاج بالصدمة التاريخية: اقرأ عليه صفحات من تاريخ سوريا حتى العثماني منه، حين كان الجميع يُسمون «رعايا» دون تمييز، أو ذكره بأن جده كان يتبادل الزيارات مع جيرانهم من الطوائف الأخرى قبل أن يصبح الهواء مُلوثاً بأفكار «الهوية» الدخيلة.
- المناعة الجماعية: أقم له حفلاً وادع أفراداً من كل الطوائف، واجعلهم يغنون معاً أغنية «مدلل عيني مدلل» أو أي أغنية شعبية لا تحتمل التفسير الطائفي. الفكرة هي إظهار أن الشعور بالفرح قد يكون أعمق من أي انتماء آخر.
الطائفي أشبه بإنسانٍ مُصاب بفيروس «الخوف من المختلف». هو ضحية لخطابٍ علَّمه أن الهوية قفصٌ لا سقف له. السخرية هنا ضرورية لأنها تكشف عبثية الفكرة: كيف لبلدٍ عانى من الحرب أن يتحمل انقساماتٍ إضافية على أساسٍ ديني أو مذهبي؟ الأجدر بنا أن نتعامل مع الطائفية بوصفها نوعاً من «الكوميديا السوداء»، إذ ينشغل الناس بتفاصيل تافهة بينما العالم من حولهم يحترق.
باب أخير: لزوم ما لا يلزم
الطائفيون مرضى يحتاجون للعلاج، لا للعزل الأبدي. ولو أننا استخدمنا الفكاهة لفضح سخافاتهم، لعلنا نستطيع تحويل البلاد إلى مكانٍ أفضل.. أو على الأقل، إلى مكانٍ نستطيع فيه تناول الشاورما دون أن نسأل عن مَذهب الطباخ.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0