× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مجازر الساحل السوري تهدّد الأمن الغذائي للبلاد

حكاياتنا - خبز 03-06-2025

لم يستطع فلاحو الساحل السوري وسهل الغاب وريف حمص التقاط أنفاسهم بعد جملة حرائق سنوية، ألحقت أضراراً هائلة بمحاصيلهم الزراعية وبالبيئة عموماً؛ لتأتي المجازر وتهجر الكثير من المزارعين، وتحرمهم أرزاقهم وأراضيهم، ما قد يهدد الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والمناخ على حدٍّ سواء.

الصورة: (أثناء محاولات التصدي لحرائق في اللاذقية 2023 / AFP)

فرّ أبو حيدر (50 عاماً) من قريته في ريف جبلة يوم 7 آذار/مارس الماضي، والتجأ إلى قاعدة حميميم الروسيّة في خضم مجازر الساحل السوري. قبل ذلك، كان الرجل يعتاش وعائلته من عمليه في الزراعة، إذ يملك أرضاً اعتاد زراعتها بالحمضيات، وزراعات صيفية وشتوية أخرى.

ليست هذه الحالة فرديّة، بل تكرر السيناريو ذاته مع مئات المزارعين في منطقة يعتمد نشاطها الاقتصادي على الزراعة بشكل أساسي. «منذ ذلك الوقت لم يجرؤ أحدٌ على زيارة أرضه لأنه قد يتعرض للقتل»، يقول.

ولا يقتصر الأمر على الساحل السوري، إذ يمكن الوقوف على تفاصيل مشابهة في بعض قرى سهل الغاب بريف حماة. يتحدث الخبير الزراعي أكرم عفيف ابن المنطقة عن الانفلات الأمني هناك، ما أدى إلى امتناع كثير من المزارعين عن الذهاب إلى أراضيهم خوفاً من الخطف والسرقة.

تشير الأبحاث الزراعية إلى أن هجرة الفلاحين لأراضيهم تؤدي إلى تآكل التربة، ما يعني فقدان الطبقة السطحية منها التي تحتاج زمناً طويلاً للتشكل، والمسؤولة عن نمو النباتات، فما هو مصير التربية والمحاصيل الزراعية في المناطق التي تعرضت لانتهاكات ومجازر؟

تهديد مباشر

يملك جعفر العلي في قرية عين العروس بريف مدينة جبلة أرضاً تقارب مساحتها 5 دونمات، مزروعة بالزيتون والليمون، لكنه منذ السابع من آذار/مارس لم يستطع الذهاب إليها، وهذا يعني أن أمنه الغذائي والاقتصادي مع عائلته مهدد، خصوصاً أنه نزح إلى المدينة حفاظاً على حياته.

كانت سوريا توصف سابقاً، بالسلة الغذائية المتكاملة، ويعتاش أكثر من 20% من سكانها على الزراعة بحسب الخبير في مجال البيئة والمناخ أديب الأسطى، الذي يشرح: «تشير تقديرات العام 2010 إلى أن نحو 17% من مجموع قوة العمل في سوريا، أي قرابة 900,000 ألف عامل، يعملون في القطاع الزراعي، وقد بلغ عدد المزارعين في الساحل السوري 59.183 مزارعاً وفق بيانات منشورة في دراسة حول واقع التسويق الزراعي في الساحل السوري، فضلاً عن وجود عدد كبير من العمال الزراعيين الموسميين الذين يعملون في شهور محددة مثل جني المحاصيل أو زراعة الشتلات، وهنا لا توجد تقديرات دقيقة لعددهم لكنهم يشكلون جزءاً مهماً من القوة العاملة في القطاع الزراعي».

يُنبه الخبير الزراعي أكرم عفيف، من خطورة حالة الانفلات الأمني على القطاع الزراعي، قائلاً: «إذا استمرت أحوال الفلاحين على هذا المنوال؛ سنشهد خراب سوريا الزراعي من حيث الأمن الغذائي، خاصة أن الثروة الحيوانية أيضاً لم تسلم من السرقات». 

مصائب متكررة

لم يستطع فلاحو الساحل السوري وسهل الغاب وريف حمص، التقاط أنفاسهم بعد جملة حرائق سنوية، ألحقت أضراراً هائلة بمحاصيلهم الزراعية وبالبيئة عموماً؛ لتأتي المجازر وتهجر الكثير من المزارعين، وتحرمهم أرزاقهم وأراضيهم، ما قد يهدد الإنتاج الزراعي والمناخ على حدٍّ سواء. 

يقول الباحث عفيف: «تعتبر الانعكاسات البيئية والمناخية بعد هجرة الفلاحيين خطيرة جداً، وبانعدام الزراعة، لن يتحقق الاستقرار المناخي، لا يكاد الفلاحون ينهضون من مصيبة ليقعوا في أخرى».

«إذا استمرت أحوال الفلاحين على هذا المنوال؛ سنشهد خراب سوريا الزراعي من حيث الأمن الغذائي، خاصة أن الثروة الحيوانية أيضاً لم تسلم من السرقات»

تشير دراسة صدرت عن وزارة الزراعة في العام 2022، بعنوان «الخارطة الاستثمارية الزراعية في الجمهورية العربية السورية» إلى نسبة الأراضي الصالحة للزراعة، وتوضح النتائج أن حصة اللاذقية نحو 108 آلاف هكتار صالحة للزراعة، بينما تبلغ حصة طرطوس 122 ألف هكتار.

وفق الخبير الأسطى تُسهم أراضي الساحل السوري بأكثر من 90 % من إنتاج سوريا الإجمالي من الحمضيات، وبنحو 18 % من الزيتون، ونحو 60 % من التبغ. 

يقول الأسطى: «ما حصل في الساحل أدى إلى فقدان عدد كبير من اليد العاملة المتاحة، وتشير التقديرات غير الرسمية إلى مغادرة ما بين 20,000 إلى 25,000 شخص من تلك المنطقة إلى دول الجوار، وهو رقمٌ كبير جداً خاصة أن الفئة العمرية بمجملها من الشريحة الشابة القادرة على العمل».

ويضيف «مغادرة هذا العدد ستسهم في انخفاض عدد العاملين بالزراعة في هذه المناطق، وبالتالي تدهور الإنتاجية بشكل متزايد ومتسارع وتحول المزارعين المتبقين لزراعات أخرى أقل حاجة للعناية والعمل وتتحمل الإهمال».

أضرار تراكمية متنوعة

إذا أردنا الحديث عن أثر تلك الأحداث المتراكم، فيمكن تقسيمه من حيث طبيعة الضرر إلى:

1. الأضرار المرتبطة بالمحاصيل الزراعية والمزارعين: من المتوقع انخفاض الإنتاج بدءاً من الموسم المقبل لأي من المحاصيل بنسب متفاوتة لا تقل عن 25% عن العام السابق، وهو رقم كبير جداً وناجم بشكل أساسي عن عاملين:

  • التأثير المباشر للحرائق، وما يمكن أن تسببه من أضرار إضافية للبنية الهشة وغير المتعافية تماماً من آثار حرائق العام 2020، إضافةً إلى عدم العناية الناجم عن عزوف المزارعين أو العمال الموسميين عن العمل في الأراضي الزراعية بسبب تدهور الوضع الأمني وتضرر البنية التحتية وفقدان بعض أدوات الإنتاج إثر السرقة من مجموعات خارجة عن القانون.
  • قد يؤدي تزايد الفقر الناجم عن عدم القدرة على الإنتاج والبطالة في تلك المناطق مع الوقت إلى اضطرار المزارعين لقطع الأشجار وبيعها لسد احتياجاتهم (وهو ما شهدته سوريا في كثير من الأوقات والمناطق أيام النظام السابق)، ما ينعكس سلباً وبشكل كبير على الغطاء النباتي والتنوع الحيوي وانتاجية المحاصيل.

2. الآثار المتوقعة لجهة الأمن الغذائي، يمكن إجمالها بأثرين اثنين:

  • انخفاض كبير ومتزايد في إنتاج المحاصيل الزراعية ما يهدد الأمن الغذائي في البلاد.
  • نقص المعروض من المنتجات الزراعية، يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما يزيد من معاناة السكان خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

3. الانعكاسات المناخية والبيئية على المستويين المحلي والإقليمي، ويمكن إجمالها بما يلي:

  • فقدان الغابات وإزالة الأشجار سيؤدي إلى خفض الرطوبة الجوية المحلية، ما يقلل من احتمالية تشكّل السحب المطرية، وقد يسبب هذا تراجعاً في معدل الهطول المحلي بنسبة 5–10% حسب النماذج المناخية المعروفة بتأثير الغابات والغطاء النباتي على «التحفيز المطري».
  • خسارة الغطاء الشجري تزيد من تسارع الرياح، ما يُعزز التبخر السريع للمياه من التربة، وعادةً ما يكون التأثير المحتمل هو زيادة أيام الجفاف الحاد في الصيف بنسبة 10–15%.
  • مع تدهور الغطاء النباتي المستمر تتزايد كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعثة إلى الغلاف الجوي ما يزيد من التأثير السلبي على التغيرات المناخية.

أمام كل هذه المعطيات، ومع الأخذ بعين الاعتبار شح البيانات المتاحة فإن حجم الكارثة التي لحقت بالساحل السوري في السنوات الأخيرة نتيجة الحرائق والعوامل الأخرى، وتأثيرها العميق على الزراعة والبيئة والسكان يخلق أوضاعاً خطيرة ومأسوية تتطلب جهوداً كبيرة لإعادة التأهيل وترميم الضرر الحاصل على جميع الصّعد في هذا القطاع الهش، على المستوى الوطني.

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0