× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

خائفةٌ من بلاد لا تتّحد إلا ضد نسائها

حكاياتنا - ملح 06-06-2025

أحياناً يخطر لي أن أمامنا الآن، نحن السوريات، فرصة عظيمة لصنع مستقبل أكثر أماناً وعدالة لنا ولبناتنا وحفيداتنا، إلا أنني كلما قرأت الأخبار أو تواصلت مع أصدقائي في الداخل أُصبت بخيبة أمل. غريب كيف يحصل هذا عندما يتعلق الأمر بقضايا النساء ومطالبهن، تنبري معظم الأطراف السياسية والمجتمعية للعبث والتعطيل!

الرّسم: (أسامة حجّاج - كارتون موفمينت)

غادرتُ سوريا في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024، أي قبل سقوط نظام الأسد بنحو شهرين. مغادرة البلاد كانت تعني الهروب نوعاً ما، أو النجاة في رواية أخرى. لكن، هل نجوت حقاً؟ هل استطعت الهروب؟

سابقًا، قبل السقوط، كنت أسأل نفسي: هل مغادرة البلاد تعني أنني سأهرب من الحزن ومن تبعات الحرب؟ أم ماذا؟ واليوم، بعد سقوط نظام الأسد الديكتاتوري وانتصار الثورة أخيراً، يعود هذا السؤال ليدور في ذهني مجدداً: هل سننجو من هذا الحزن؟ هل صارت البلاد مكاناً آمناً للسوريات والسوريين أخيراً؟!

عشت في مناطق سيطرة النظام، في دمشق وريفها طيلة حياتي، ناشطة نسوية تؤمن أن نضالها النسوي جزء لا يتجزأ من النضال السياسي الصامت والملاحق داخل هذه البلاد. لا أذكر متى بالتحديد عرّفتً بنفسي على أنني ناشطة نسوية للمرة الأولى، لكنني أدرك أنني كنت نسوية منذ امتلكت وعياً كافياً لمحاكمة الأمور وتحليلها والتفكير بها. وكأي امرأة نسوية ضمن مجتمع عربي تعرضت للسخرية والاستهزاء، بل والمقاطعة أحياناً بسبب أفكاري وآرائي النسوية. عملت مع منظمات وجهات مدنية غير مرخصة، وهذا العمل النسوي غير المرخص في ظل نظام حكم ذكوري وظالم شكّل بالنسبة لي مصدر تهديد دائم. أي تقرير أمني كان كفيلاً أن يزج بي في أحد المعتقلات بتهمة جاهزة: «العمل مع جهات خارجية». ولكنني، كغيري من الناشطين والناشطات، واصلت العمل، إيماناً بقضيتنا الأولى والأهم: الحرية بوصفها حقّاً لا يمكننا التنازل عنه. أدرك أن السجون في سوريا اليوم قد أصبحت فارغة، وأن كثيراً من القيود والظروف الأمنية الصعبة قد زالت، وأن البلاد ينبغي أن تكون الآن مكاناً أكثر أماناً وحرية، لكن لماذا ما زلت خائفة؟

نعم، نريد الحرية، وأريد الحرية، لكن الحرية كاملة وليست منقوصة. نريد حرية تضمن لنا بلاداً آمنة للنساء والرجال والجميع على حدّ سواء

أعرف العديد من النساء السوريات أو النسويات اللواتي عدن إلى سوريا بعد سقوط النظام، وأدرك أنهن يردن أن يناضلن في الداخل، في وطنهن، بعد سنوات كثيرة من النضال عن بُعد.

أحياناً يخطر لي أن أمامنا الآن، نحن السوريات، فرصة عظيمة لصنع مستقبل أكثر أماناً وعدالة لنا ولبناتنا وحفيداتنا، إلا أنني كلما قرأت الأخبار أو تواصلت مع أصدقائي في الداخل أُصبت بخيبة أمل. غريب كيف يحصل هذا عندما يتعلق الأمر بقضايا النساء ومطالبهن، تنبري معظم الأطراف السياسية والمجتمعية للعبث والتعطيل! 

يمكنني أن أعترف بأن معركتنا الآن أصبحت أكثر صعوبة، خصوصاً عندما أرى من ينتمون للثورة أو يتحدثون باسم الحريات والعدالة يستثنون من هذه الحريات حريات النساء باعتبارها «شؤوناً ثانوية»! وبعبارة أخرى: «هلأ مو وقتكن»! أرجوكم، أخبِروني متى برأيكم سيحين الوقت المناسب لنا، للنساء، إن لم يكن اليوم؟! القوانين تُصاغ، والدستور يُكتب، وشكل البلاد يُعاد رسمه، وإن لم تكن أصوات النساء اليوم حاضرة، فمتى إذاً؟!

ما زلت خائفة وأنا أشاهد تمثيلاً وهمياً وردياً للنساء في سوريا اليوم، وأرى شكل البلاد يذهب نحو حكم إسلامي ذكوري قد يضيّق حريات النساء أكثر فأكثر. وعندما أعبّر عن مخاوفي هذه، يهاجمني أحدهم ساخراً: «مو هي الحرية اللي بدكن ياها؟».

نعم، نريد الحرية، وأريد الحرية، لكن الحرية كاملة وليست منقوصة. نريد حرية تضمن لنا بلاداً آمنة للنساء والرجال والجميع على حدّ سواء.

كنت أعتقد أنني عندما أرحل سأنسى وأنجو، لكنني في الحقيقة ما زلت عالقة في مخاوفي، أتعلق بنضال هش يقتصر على «بوستات» وبضع تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي أعبّر فيها عن غضبي، خوفي، ترددي، حزني، وفرحتي المنقوصة بوصفي امرأة سورية في سوريا الحرة. وأقول: يجب أن أعود، يجب أن يكون النضال على الأرض وفي الداخل وليس هنا، لكنني في الحقيقة خائفة ومترددة.

♦ فيحاء جبارة: كاتبة وناشطة سوريّة مقيمة في أوروبا

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0