× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مشاهد انتخابيّة: نعم، نحلم بالديمقراطيّة!

حكاياتنا - خبز 19-07-2020

أعتقد شخصياً - ولعله اعتقاد ساذج - أن الانتخابات، التي جرت اليوم، هي مجرد صور مضحكة، ووجبة غداء، وبضعة أوراق تصلح لأن تستخدم أوراق مسودة، ولا تنفع للّف السندويش، لأنها صغيرة الحجم

لا أدري إن كان لدي أي جديد لأحكيه، أو إن كان أي سوري اليوم مهتماً بمعرفة أي أخبار عن انتخابات مجلس الشعب لهذا العام، والتي تشبه انتخابات العام 2016 والعام 2012 والعام 2007.. إلخ
أقرأ وأشاهد الأخبار فأكاد أشعر أنها حدث مهم. الحكومة السورية تروج لها – كالعادة - على أنها «دليل جديد على انتصارنا على الإرهاب». والمعارضة – كالعادة - تنتقدها وتسخر منها وترمي بتحليلات عنها هنا أو هناك، فـ«إيران لا بد أنها تدعم بعض المرشحين، وروسيا لا بد أنها تريد السيطرة على مجلس الشعب الجديد كي تمرر دستوراً تكون هي راضية عنه، وانسحاب محمد حمشو قبل يومين لا بد أنه دليل على مؤامرة ما، لا نعرف بالضبط بعد كل خيوطها».
أعتقد شخصياً - ولعله اعتقاد ساذج - أن الانتخابات، التي جرت اليوم، هي مجرد صور مضحكة، ووجبة غداء، وبضعة أوراق تصلح لأن تستخدم أوراق مسودة، ولا تنفع للّف السندويش، لأنها صغيرة الحجم.

المشهد 1
أنا في سيارة تاكسي، الساعة العاشرة صباحاً، أتوجه من منزلي نحو ساحة المحافظة وسط دمشق.
أحاول فتح حديث مع السائق:
- «شوب اليوم كتير»
- «صحيح»
- «بس كأنو ما في عجقة؟»
- «إي البلد شوي فاضية. الطقس مو منيح، وحتى على المراكز الانتخابية ما في عجقة»
- «يعني ما نزلت انتخبت؟»
(وهنا، كأنني كبست له زر التشغيل.. لم يصمت سوى عندما طلبت منه أن ينزلني)
- «أعوذ بالله. بحياتي ما رحت ولا بعرف اسم حدا. هاد مجلس شعب ولا مجلس تجار؟ وعلى شو بدي أنتخب إذا ولادي هالسنة لسة ما داقوا الفواكه لأن ما معنا نجيب، وإذا الجبنة واللبنة صاروا حلم؟ عطيني شغلة وحدة منيحة عملها مجلس الشعب من وقت ما بلشت الأزمة لليوم. في مرشح كاتب "انتخب لمستقبل أفضل لأولادك". عن أي مستقبل عم يحكي؟ نحن ما عاد عنا أمل بشي. أعوذ بالله يكون عنا أمل. هاد الأمل مو لإلنا، مو لهي البلاد».

المشهد 2
أترجل من السيارة، وأكمل سيراً على الأقدام نحو وجهتي. أمر أمام مركز انتخابي. الساعة تقارب الحادية عشرة ظهراً. لا أحد أمام باب المركز سوى حوالى عشرة وكلاء. والوكيل هو شاب أو فتاة يوظفه المرشح أو القائمة الانتخابية يوم الانتخابات، كي «يجذب» المارة والناس نحو المركز الانتخابي، ويقنعهم بالتصويت لمرشحه. شيء يشبه سوق «تفضلي يا ست» في دمشق القديمة، أو سوق الصالحية، حيث نكاد لا نمشي خطوة من دون أن يعترض طريقنا شاب أو رجل يعرض علينا بضائع محله ويحاول إقناعنا بالدخول إلى حيث سـ «نجد أفضل النوعيات وأحسن الأسعار». (المحرّرة: هل يذكركم هذا - بشكل أو بآخر – بـ رمز الوحدة الوطنية، الذي حكت لنا عنه إحدى زميلاتنا قبل أيام؟)
يرتدي كل وكيل سترة ملونة بلون الحملة الانتخابية الخاصة بالمرشح أو القائمة التي يعمل لصالحها، ويحصل في نهاية اليوم على مبلغ مالي (لا يتجاوز عشرين ألف ليرة سورية)، ووجبة طعام تتراوح جودتها وحجمها حسب «ثقل» المرشح أو القائمة. 
تاريخياً؛ يُقال إن الوجبات الأشهى تأتي لوكلاء محمد حمشو، لكنه انسحب منذ أيام، يا للحسرة! لا أدري إن كان مرشحو قائمة «شام» التي كان ضمنها سيستمرون بتقديم وجبات شهية لوكلائهم.

«أعوذ بالله. بحياتي ما رحت ولا بعرف اسم حدا. هاد مجلس شعب ولا مجلس تجار؟ عطيني شغلة وحدة منيحة عملها مجلس الشعب»

تلحق إحدى الوكيلات بسيدتين تسيران أمام المركز: «ما بدكم تنتخبوا؟». تجيب إحدى السيدتين بأنه لا يحق لها الاقتراع، فهي فلسطينية. «هلأ كل الشعب اليوم صار يا فلسطيني يا عراقي يا لبناني؟ لسة كل ما قول لحدا فوت انتخب بيقلي ماني سوري»، تتذمر الفتاة أمام صديقتها، وتعود لمحاولة إقناع مارة آخرين.
المشهد 3
مركز انتخابي آخر، وبجانبه عدد أقل من الوكلاء. يضحك أحدهم مع صديقه: «يا زلمة، شي عم يسبونا، شي عم يدفشونا، شي عم يضحكوا علينا. يقولوا ما بدهم ينتخبوا وخلص. نحن شو دخلنا بكل هالقصة؟». يجيبه صديقه بأن عليه أن يصبر، فقد بقيت بضع ساعات فقط لينتهي هذا اليوم: «نحن جايين كرمال هالقرشين. بدنا نتحمل».

المشهد 4
وكيلة تتجادل مع زميلتها أمام باب مركز ثالث: 
- «ليش ما انتخبتي؟» 
- «خلص بنتخب بآخر النهار بس نخلص» 
- «ما بيصير، قالولنا أول ما توصلوا بتنتخبوا. بدي أشكيكي لمدير المركز».

المشهد 5
أطل برأسي نحو بعض المراكز من الداخل. لا أحد سوى بعض الموظفين. أسمع أحاديث عن «عدم انقطاع الكهرباء» في هذا اليوم العظيم، وترسل لي صديقة في الوقت ذاته على «واتس آب» وهي تشكو من تقنين الكهرباء في حيها، شرق المدينة لأكثر من أربع ساعات متواصلة، «لك مو على أساس اليوم عرس، وديمقراطي كمان؟ ليش عم يقطعوا الكهربا؟» لا جواب لدي عن أسئلتها. أرسل لها وجهاً حزيناً، دليلاً على تعاطفي معها.

المشهد 6
أنا، في سيارة تاكسي أخرى، عائدة نحو منزلي.
أرى أمام السائق، وهو يبدو خمسينياً أو ستينياً على الأكثر، كومة من الأوراق الصغيرة وعليها أسماء المرشحين. «ممم شكله نازل ينتخب ويقنع الناس بالانتخاب»، أقول لنفسي. 
لا أستطيع أن أتمالك نفسي، وأقرر أن أسأله: 
- «شو؟ نزلت انتخبت؟»
- «لك لا شو أنزل انتخب! شايفتيني مجنون؟». 
يبدو أنه لاحظ سبب كلامي، فأضاف:
- «هدول الشباب اللي واقفين على باب مركز بالساحة زتولي ياهم بالتكسي قال بدهم يخلصوا منهم، وأنا ما عرفت شو أعمل فيهم. تاخديهم تعمليهم وراق مسودة؟ بيفيديوكي والله. إذا عندك دراسة أو شغل مناح، أحسن ما تشتري وراق وتتكلفي».
أسأله لماذا يمكن أن يكون «مجنوناً» إن قرر الانتخاب؟ 
يقول «كيف هدول المرشحين ممكن يعرفوا مطالبي وهن ما بيشبهوني؟ تمنيت يكون في حدا فقير ومعتر متلي. كلهم تجار ومحتكرين. وهي الانتخابات كأننا قاعدين بمكتب عقاري، والكل عم يبيع ويشتري فينا».
يسترسل السائق في حديثه. يخبرني بأن «بلداننا» لا تليق بها الديمقراطية، فالنظم الحاكمة سوف تنفذ ما تريده في نهاية الأمر، ولا أحد سيهتم برأينا. «شو يعني ديمقراطية لك عمو؟ يعني كل مرشح يكون عندو برنامج، ونحن ننتخب اللي بيعجبنا برنامجه، نجي نحاسبه على شو بيطبق من هالبرنامج بعد فترة. بس يعني فكرك ما بحلم إنو يصير عنا هيك بيوم من الأيام؟ إي والله بحلم».
أخبره بأنني أريده أن يترشح هو، وبأنني سأنتخبه إن فعل ذلك. 
يضحك وتظهر أسنانه المكسورة داخل وجهه المحترق من أشعة الشمس: «إذا بترشح بنتزع متلهم، خليني هيك أحسن».

Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها