× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

روسيا وإعادة هيكلة الجيش السوري: مفتاح للحلول السياسية؟

عقل بارد - على الطاولة 01-08-2020

أفضى زج الجيش في عمر مبكر من الأحداث إلى شروخ عميقة في علاقة قطاعات مجتمعية واسعة بالمؤسسة العسكرية. اليوم؛ يبدو الجيش في خضم تحولات بنيوية، تعود جذورها إلى بداية الدخول العسكري الروسي المباشر

الصورة: (Kadir Aksoy - فليكر)

حتى عهدٍ قريب بقي الجيش السوري، المؤثر في تطورات البلاد السياسية، ضامناً حاسماً للدولة. كان الجيش منذ تأسيسه في أربعينيات القرن الماضي قد احتل مكانة ليس فقط في سوريا، وإنما على مستوى العالم العربي، فأثبت - مثلاً - خلال العدوان الثلاثي على مصر مكاناً ريادياً محفّزاً لدور دمشق الإقليمي. 
ومنذ نشأته، كان السوريون ذوو الأصول الريفية أو القادمون من أطراف المدن، وشريحة واسعة من أبناء الطبقة الوسطى، الروافد الطبيعية للجيش. بالتالي؛ شكلت المؤسسة العسكرية السورية المبرر الاجتماعي والعقائدي للكفاح والنضال من أجل سوريا الحديثة. لكن دخولها في صراعات سياسية داخلية كان مقدمة لتغييرات شديدة الأهمية والتأثير. 
خلال حكم البعث أصاب المؤسسة العسكرية الترهل كما مؤسسات الدولة الأخرى، وشيئاً فشيئاً تجذّر فيها الفساد، فضعف الأداء وروح المبادرة. برغم ذلك، بقي الجيش حتى بداية الأزمة الوطنية السورية العام 2011، أداة حاسمة في ضبط وحدة الدولة واستمرار بقائها. 
(المحررة: كان زج الجيش في وقت مبكر من عمر الأحداث في سوريا حدثاً مفصليّاً بالغ الأهميّة، يبدو الخوض في تفاصيله حسّاساً ومعقّداً، لكنه أفضى في المحصلة إلى شروخ عميقة في علاقة قطاعات مجتمعية واسعة بالمؤسسة العسكرية).
اليوم، تبدو المؤسسة العسكرية في خضم تحولات بنيوية، تعود جذورها إلى بداية الدخول العسكري الروسي المباشر (أيلول 2015). ذلك التدخل الذي جاء في لحظة بدت فيها سلطة دمشق آيلةً للسقوط، بالتزامن مع فقدان الجيش السيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا ومعاناته من معداته المتهالكة، وضعف في إمداداته اللوجستية. كما أدت الحرب الى تآكل عديد قواته إلى نحو 120 ألف عنصر في العام 2014، بعدما كان العدد الإجمالي لعناصره يقارب 300 ألف قبل الحرب (تشارلز ليستر، مركز بروكينغز، 2014)، فراحت السلطات تستعيض عن ذلك النقص بإنشاء ميليشيات محلية من المتطوعين، أو استقدام مرتزقة أجانب.
في العام الماضي تم إيقاف صرف رواتب عناصر ميليشيا «الدفاع الوطني» في الغوطة الغربية من دمشق، وفي حماة وريف الساحل، وتمت إزالة حواجز تابعة للجان الشعبية والمليشيات الأخرى غير الرسمية من قلب دمشق وحمص وبعض المدن الرئيسية الأخرى. 
كانت وراء هذا التحول ضغوط روسية تحاول ضبط الفوضى، في إطار جملة من الشروط الدولية التي اجتمعت على حلّ ومحاربة الكيانات العسكرية غير الشرعية، بما يشمل الميلشيات المحلية، وتلك المحسوبة على إيران. 
ثمة علامة فارقة أخرى، يعود تاريخها إلى مطلع العام الحالي، إذ صدر بفعل الضغوط الروسية نفسها، قرار بسحب حواجز الفرقة الرابعة من مناطق عديدة، على خلفية اقتصادية مرتبطة بمكافحة وضبط الفساد المستشري. وهي مشكلة أقل ما يقال فيها إنها أعيت الروس وأصبحت تهدد جدياً الثمار الاقتصادية والاستثمارية التي تأمل موسكو جنيها، وأهم شروط حماية هذا الاستثمار إلزام دمشق بضبط القوى المسلحة غير الشرعية.
كثيرة المؤشرات والمعلومات التي تدلل على مساعٍ روسية لتنظيم الجيش السوري، أو إعادة هيكلته. ويبدو أن موسكو كانت أمام احتمالين: إما إعادة هيكلة الجيش ليكون مؤسسة عسكرية بصلاحيات محددة ينص عليها الدستور، أو تقسيم الجيش الى كتل أو قوى عسكرية منفصلة. 

كانت موسكو ميّالة إلى إعادة تأهيل الجيش السوري بوصفه مؤسسة متكاملة ومتماسكة، لكن المشكلات البنيوية داخله حالت دون ذلك

حول الخيار الأول يقول مستشار المجلس الروسي للعلاقات الخارجية ألكسي خلابنيكوف، إنه «لا بد من أن تعمل موسكو على إعداد نظام تعليم عسكري، وتشكيل وحدات عسكرية أشد مرونة وكفاءة، والحد من النفوذ الإيراني في النشاطات العسكرية». وهو ما أيده أيضاً زميله كيريل سمونوف، الذي يرى أن «قرار التعيينات في المناصب العليا داخل الأجهزة الأمنية مرتبط بشكل مطلق بالحلقة الضيقة لرأس النظام، وتؤثر طهران بقوة في تلك التعيينات». 

يبدو أن موسكو كانت ميالة أول الأمر إلى إعادة تأهيل الجيش السوري بوصفه مؤسسة متكاملة ومتماسكة، لكن المشكلات البنيوية داخله حالت دون ذلك. إذ يعتمد الجيش منذ أعوام في الدرجة الأولى، وبصورة متزايدة، على مجندين ومتطوعين من الساحل الذي لعب لسنوات دور الخزان البشري شبه المطلق للجيش وللأجهزة الامنية. يتناقض هذا الواقع مع الرؤية الروسية المتقاطعة مع رؤية المعارضة السياسية السورية، في أن «إصلاح القوات المسلحة يجب أن يقود الى هيكلية مؤسساتية واضحة، تكون فيها المؤسسة العسكرية بعيدة عن التحيزات السياسية وغير طائفية». 
لا يبدو قبول الدوائر الحاكمة بتغييرات جوهرية من هذا النمط أمراً يسيراً، خاصة أنها بنت كل عناصر احتكارها للسلطة على تبعية الجيش المطلقة. لذلك «لا غرابة في عدم قدرة روسيا، لا سابقاً ولا لاحقاً، على إصلاح الجيش طالما بقي النظام السوري بشكله الحالي»، على حد تعبير الباحث يزيد الصايغ، أحد كبار باحثي مركز كارنيغي، في دراسة نشرها المركز بعنوان «الاعتبارات السياسية السورية تغلب على الإصلاحات العسكرية الروسية». مما يقوله الباحث إن «نجاح إصلاح القوات المسلحة السورية يتطلب توظيفات سياسية ومادية، تفوق ما يمكن لروسيا أن تقدم عليه». وهذا صحيح، فبفعل خبرتها الطويلة في احتكار السلطة استطاعت الدوائر الحاكمة ابتكار وسائل معقدة للغاية للحفاظ على تبعية مصادر القوة، تحسباً لأي محاولات خارجية، سواء كانت من الحلفاء أو الخصوم لإعادة هيكلة الجيش. 
من هنا كان الخيار الثاني أكثر ترجيحاً وبراغماتية بالنسبة إلى موسكو، وهو تقسيم الجيش إلى كتل كبرى، لكل منها دوره الميداني ونطاقه الجغرافي المقيَّد. التجلي الأكثر وضوحاً لهذا الخيار هو الاتساع المُطّرد لنفوذ «الفيلق الخامس»، الذراع العسكرية لروسيا حالياً. يتكون هذا الفيلق بشكل أساسي من عناصر قاتلت الجيش السوري، قبل أن تنخرط في تسويات معه. وتحاول موسكو منح «الفيلق الخامس» صلاحيات واسعة في الجنوب السوري تحت قيادة واحدة في درعا والقنيطرة، للحد في ما يبدو - وفي اتفاق غير معلن مع «إسرائيل» - من النفوذ الايراني في تلك المنطقة.
رغم ما حققته دمشق من «انتصارات» عسكرية على المعارضة، فإن الوضع العام في سوريا يعكس حالياً مأزق موسكو في الحفاظ على الاستقرار العام في هذه الدولة المنكوبة، ويثبت أن الخيارات الروسية في ما يتعلق بالدعم اللامحدود لدمشق مهددة بفقدان قيمتها الاستراتيجية، وأن المبادرة السريعة لحل سياسي في سوريا يأخذ بعين الاعتبار دوراً مستقبلياً للمؤسسة العسكرية السورية بات - وأشدّ من أي وقت مضى - أكثر إلحاحاً على أصحاب القرار في الكرملين.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها