× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

تجربة في حب القائد: مع تحيات «كورونا»!

حكاياتنا - حشيش 02-08-2020

هذا الشخص يملك سلطة خطيرة، ويبدو أشبه برئيس عربي، كل الناس حوله تكرهه وتنظر إليه بقرف، ومع ذلك يخافه الجميع وينفذون أوامره، وفي لحظات كثيرة قد يبتسمون في وجهه ويقولون له «منحبك»

الصورة: (عماد حجاج - كارتون موفمينت)

وأخيراً جاءت نتيجة المسحة إيجابية! 
كنت متحمساً جداً لأن أصاب بفايروس كورونا عن طريق الصدفة، فالفضول الذي طالما شكل أساساً لرسم خطط حياتي، لم يفارقني حتى في التعامل مع الوباء. 
كان فضولي هائلاً لمعرفة إحساس المصاب بهذا الفايروس، وما الذي يمكن أن يؤثر على نفسيته ما يسميه الناس تنمراً.
وها أنا قد «كورنت» أخيراً.
بعد أن عشت التجربة اكتشفت وجهين حقيقيين للمسألة، الأول يفيض بالحزن حقاً بسبب إحساسك بأنك في غفلة منك تحولت إلى عدو للشعب (لا تراجع مسرحية هنريك إبسن / لا يوجد ترابط)، إذ يُظهر الجميع موقفاً سلبياً منك، وهروباً دائماً من أماكن وجودك...إلخ.
أما الوجه الثاني فيمكنك أن تتعامل معه بكامل أبّهتك، هو الوجه الذي يحولك أيضاً إلى نقيض الوجه السابق، إنه وجه حبيب الشعب!
للوهلة الأولى لن يتقبل أحد هذا التوصيف، وسيشعر بوجود مبالغة في القول واضحة هنا، إلا أنني أعدك، إذا ما أصبت بكورونا، وسمحت الفرصة لك بأن تُمضي فترة مرضك في بناء يعرفك فيه الجميع، فإنك بدون شك ستصبح حبيب الشعب!  
من قال إن حبيب الشعب، هو بالضرورة محبوب من قبل الشعب؟ ومن زعم أن كل من نقول له إننا معه ونحبه، فإننا معه ونحبه، ها؟ 
لقد منحني كورونا الفرصة لفهم هذه الجدلية. كل من حولي يزدريني، بل ويشعر بالقرف مني، ومع ذلك فهو يشعر بالخوف والرهبة، وجاهز لتنفيذ جميع طلباتي، شرط ألا أؤذيه، ولا أقترب منه!
نعم لقد أصبت بالمرض. اتصل ممثل وزارة الصحة، ومسؤول البلدية في البلد الذي أصبت فيه، بالشخص المسؤول عن البناء الذي أقطنه، وجاءت التعليمات واضحة: أن أحجر في شقتي ولا أخرج منها، ووُضعت تحت الإشراف.
في عملية الإشراف هذه وصلت للإحساس الذي تحدثت عنه، وبلغت اكتشافي أنه لا معنى أبداً للتضامن مع مريض كورونا ضد التنمر. على العكس، هذا الشخص يملك سلطة خطيرة، ويبدو أشبه برئيس عربي، كل الناس حوله تكرهه وتنظر إليه بقرف، ومع ذلك يخافه الجميع وينفذون أوامره، وفي لحظات كثيرة قد يبتسمون في وجهه ويقولون له «منحبك».
يبدو طريفاً أن تجعلك الإصابة بفايروس كورونا، عميقاً إلى درجة يمكنك معها إصدار كتاب بعنوان «سايكولوجيا الرئيس العربي»! لكن؛ ما لم يعطف علينا القدر به، هو أنه لم يجعل الرؤساء العرب قادرين على فهم أن الخوف سينتهي بانتهاء الوباء، عندها سيخسرون سطوتهم.

كلا الفايروسين (السلطة، وكورونا) ينتج مرضاً. الأول ينتج مرض الاستبداد، الذي ينتج بدوره الخوف، والثاني تنتج عنه أعراض تشبه الإنفلونزا، وكذلك ينتج عنها الخوف.
في الأول: زوال الخوف يعني الانتقام من المستبد، بل وربما سحله في أحد الشوارع في لحظة خوف!  
في الثاني: الانتهاء من الخوف قد يؤدي إلى عناق طويل، وندم على لحظات الخوف، وابتهاج بالسلامة.
بعد هذه المقاربة يصبح السؤال واضحاً وجلياً ويتضمن الإجابة: أيهما يستحق تنمراً أكثر، المصاب بفايروس كورونا، الذي سنعانقه أخيراً؟ أم المصاب بفايروس السلطة الذي ما زلنا «نحبه» تحت وطأة الظرف والخوف والوهم؟
نعم؛ مريض كورونا قد يصبح عدو الشعب وحبيبه في ظرفين مختلفين، لكن الأخطر هو «حبيب الشعب»، الذي هو في اللحظة ذاتها، وليس في ظرف مختلف، عدو الشعب! إلا أن العيون لا ترى.

هامش
بينما كانت الجموع تهتف للزعيم، كانت وزارة الصحة تصدر تعليمات بوجوب منع التجمعات خوفاً من انتشار الفايروس. لكن الجماهير المبتهجة أبت الانصياع إلى تعليمات الوزارة لأن الحب أقوى! 
صور الزعيم في كل مكان، والأهازيج تطغى على كل شيء. 
أطل الزعيم من الشرفة، بتحيته المعهودة قابل الناس، تحمسوا وهتفوا له ولحياته، وقد خلع معظمهم الكمامات.

بعد مغادرة الزعيم للشرفة، استمر الهتاف، حاول الحراس باستخدام مكبرات الصوت تفريق الناس، وتذكيرهم بإجراءات التباعد الاجتماعي، ولكن فرط المحبة جعل الجماهير تستمر في الهتاف، ولا تنصاع للتعليمات، حتى اضطر الحراس إلى إطلاق النار لتفريق الجموع!
يقول أحد المصابين برصاص المحبة، في تصريح خاص لنا: تصرّفنا بحمق، لم نعرف أن التاريخ لم يعد يستوعب حب الزعماء!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها