× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

تجربة جنوب أفريقيا: 2- التحوّل الديمقراطي

عقل بارد - شعوب وحروب 18-09-2020

كيف تنتهي الحروب والنزاعات التي تحمل صبغة أهلية؟ وكيف عبرت بعض الشعوب من الحرب إلى السلم؟ نواصل في هذه الحلقة من السلسلة، استعراض تجربة جنوب أفريقيا، وهي تجربة بالغة الأهمية في سياقها

الصورة: (eCommerce Solutions - فليكر)

لم تهدأ اﻷحوال في جنوب أفريقيا ﻷكثر من ثلاثة عقود، منذ نهاية الخمسينيات وصولاً إلى عقد التسعينيات الذي شهد التحول الجذري للمسألة نحو إيجاد حل وطني، صنعه السكّان اﻷفارقة بالتعاون مع الحكومة (البيضاء) التي خضعت أخيراً للمنطق، وسلّمت بالحاجة إلى عقد وطني جديد لا يلغي حضور هذا المكون أو ذاك. 

لم تكن تلك التحولات نتاجاً فقط للضغوط الدولية، بقدر ما كانت تتويجاً لنضال استمر أكثر من نصف قرن.

تفاصيل أوسع عن بذور وجذور الأزمة في جنوب أفريقيا 

مقاومة نظام الفصل العنصري

أُسس أول حزب في صفوف اﻷغلبية السوداء في العام 1912، تحت اسم «المؤتمر الوطني للسكان الأصليين»، وفي العام 1917 غير اسمه الى «المؤتمر الوطني الأفريقي». 
سعى الحزب منذ تأسيسه إلى تجاوز البنى القبلية للسكان اﻷصليين. وعلى مدى عقود عمل على بث الوعي السياسي بين مختلف الجهات الطبقية والعرقية، وقاد نضاله ضمن منظومة اﻷبارتهايد نفسها، كي لا يسمح للنظام العنصري بالقضاء عليه. 
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، ووصول الحزب الوطني اﻷفريكاني إلى الحكم، العام 1948، كان حزب المؤتمر الوطني قد اشتد عوده، وأصبح عدد أعضائه نحو مائة ألف.
مطلع العام 1955، أصدر المؤتمر وجماعات وطنية متعددة، ميثاقاً سمي «ميثاق الحرية». تضمن الميثاق المبادئ الأساسية التي وضعها المؤتمر منذ تأسيسه، وأولها أن جنوب أفريقيا ملك لجميع المجموعات العرقية فيها، من سود وبيض وملونين وهنود. طالب الميثاق بدولة ديمقراطية، على قاعدة صوت واحد لكل مواطن. مع ضرورة تأميم الصناعات الكبرى والمناجم، وتوزيع الأرض على السكان.
تصاعد نشاط المؤتمر في الخمسينيات والستينيات، بدعم اﻷجواء الدولية التي تلت الحرب العالمية الثانية، ما أثار حفيظة حكومة الحزب الوطني، التي أقدمت في العام 1961 على حظر نشاط المؤتمر، ومطاردة قادته ونشطائه الذين لجؤوا إلى الدول المجاورة، وسجنت بعضهم، وأولهم الناشط ورئيس الحزب، الرمز العالمي، نيلسون مانديلا.
اندلعت احتجاجات وتظاهرات، ردّاً على إقرار «قانون دومبا» الذي يجبر اﻷفارقة على حمل جوازات مرور من أجل التنقل داخل البلاد.

قابلت السلطات الاحتجاجات بالقوة المفرطة، وصولاً إلى ارتكابها مجزرة شاربفيل في آذار العام 1960، قتلت الشرطة في ذلك اليوم 69 أفريقيّاً. (المحررة: لاحقاً، اتخذ هذا اليوم يوماً عالمياً للقضاء على التمييز العنصري). 

أولى الدستور الانتقالي أهمية خاصة لردّ الملكيات المسلوبة، إلى الأفراد، والمجتمعات التي تم تهجيرها، خاصة أن تلك العملية كفيلة بفتح المجال لحل اقتصادي عاجل ﻷكثرية السكان

إثر تلك المجزرة، قرر قادة المؤتمر الوطني استخدام تكتيكات جديدة في نضالهم ضد النظام العنصري، من ضمنها الكفاح المسلح من أجل نيل مطالبهم. وحتى منتصف السبعينيات استمرت المقاومة بوتيرة منخفضة، مع اندلاع إضرابات عمالية طالب فيها العمال بتحسين بيئة العمل، ومنع الاضطهاد فيها.
انطلقت شرارة التحول الثانية العام 1976، حين نظمت مجموعات من الطلاب سلسلة احتجاجات ردّاً على قيام الدولة بفرض اللغة الأفريكانية في التعليم، بالضد من استخدام اللغات القومية للأفارقة وأهمها الزولو. تطورت الاحتجاجات وصولاً إلى الإضراب العام، والعصيان المدني، ومهاجمة مراكز الشرطة. 
قابل النظام تلك الاحتجاجات بالقمع المفرط، ما أدى إلى تشكيل تمرد وطني واسع ضدها، تزامن مع عمل مسلّح استهدف المقار العسكرية، بالتوازي مع العمل السياسي الذي ساهم في تحشيد الرأي العام للسود دعماً للاحتجاجات.
تصاعدت المقاومة المنظمة واتسعت، ما مكنها من فرض الحصار الداخلي على حكومة الفصل العنصري، ودعا المؤتمر الوطني الأفريقي إلى التمرد على حكومات الحكم الذاتي في المعازل، وتفكيك السلطات المحلية اﻹدارية، ومقاطعة المستشارين والمتعاونين من السكان الأصليين معها، ومقاطعة نظام الفصل العنصري داخلياً. 
أدّى كل ذلك إلى فرض حصار داخلي على الحزب الحاكم ووكلائه. في الوقت نفسه؛ أنشأ المؤتمر الوطني هياكل ديمقراطية، ولجاناً مجتمعية، ومحاكم، وقوات شرطة قادرة على إدارة المجتمعات المحلية، عوضاً عن حكومات الحكم الذاتي العميلة.
على الجانب المقابل، نشأت في صفوف البيض فئات يسارية وليبرالية لعبت أدواراً مهمةً في تفكيك النظام العنصري، وعلى رأسها الحزب الشيوعي، الذي ارتبط بتحالف مع المؤتمر الوطني الأفريقي.
بين أواخر السبعينيات وحتى أواسط الثمانينيات، قُدّر عدد السود الذين قتلوا على يد الحكومة البيضاء بأكثر من خمسة عشر ألفاً، مع تسارع عمليات اقتلاع السود والزج بهم بعنف في البانتوستانات، والمدن المغلقة.
سعت حكومة البيض إلى طرح حلول سياسية، أهمها ما طرحه رئيس الوزراء بيتر ويليم بوتا في العام 1982، وهو مشروع لإقامة ثلاثة برلمانات: أبيض وهندي وملون، مع تغيير النظام السياسي الجمهوري الأبيض إلى نظام رئاسي (بدلاً من البرلماني)، بحيث يتم ربط شؤون السود بالرئاسة. 
كانت تلك محاولة هدفها عدم حصول تحالف بين اﻷكثريات في البلاد، مع إعطاء مسحة إنسانية للنظام العنصري بإلغاء عدد من القوانين الثانوية، مثل قانون حظر الزواج بين السود والبيض، وتخفيف قوانين المرور.
في العام 1989 حدث التطور اﻷبرز، إذ استقال بوتا من الرئاسة، ومن رئاسة الحزب الوطني نتيجة الضغوط المحلية والدولية، وتخلّى الاتحاد السوفياتي عن سياسة الحرب الباردة. 
خلف بوتا، فريدريك ويليام دو كليرك، الذي أطلق أولى عمليات التغيير الحقيقية، ليفرج في العام 1990 عن نيلسون مانديلا ورفاقه، وأتبع ذلك بإلغاء نحو ثلاثين قراراً عنصرياً، والعفو عن عدد كبير من أعضاء المؤتمر الوطني المقيمين خارج البلاد، والسماح لهم بالعودة. 
بعدها، وافق دو كليرك على إجراء انتخابات عامة في البلاد، على قاعدة صوت لكل مواطن بغض النظر عن اللون والعرق. (المحررة: هذه القرارات سمحت بتفكيك الاحتقان داخل البلاد وتحقيق انفراج اقتصادي كذلك).

التحوّل إلى الديمقراطية
بالتوازي مع إطلاق مؤتمر مدريد للسلام في الشرق اﻷوسط، مطلع التسعينيات، دعت اﻷمم المتحدة بدعم دولي إلى إنهاء حكم التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. بعد أن فُرضت عقوبات سابقاً على حكومتها، مع اشتداد وتيرة اﻷعمال العنفية هناك، وقطعت غالبية دول العالم علاقتها معها، وبقيت «إسرائيل» وحدها على تواصل معها.

من أهم دروس تجربة جنوب أفريقيا، أن عملية التحول إلى نظام ديمقراطي يجب ألا تؤدي إلى انتهاكات جديدة بحق المجموعات العرقية المختلفة، بما فيها تلك التي دعمت انتهاكات سابقة

كان إلغاء قانون العام 1913 المعدل في العام 1936، مطلع التسعينيات، بداية تفكيك منظومة الفصل العنصري في البلاد، والاعتراف بحقوق الأغلبية السوداء في الأرض، والاعتراف كذلك بالظلم الذي تعرضت له تاريخياً، وهو ما منح اعترافاً بأحقية السُّكان الأصليين بالأرض، وبأنهم جُردوا منها بشكل غير قانوني، خاصة في غياب وثائق ملكيات لتلك اﻷوقات.

استدعى ذلك لاحقاً تشريع قوانين جديدة، وصياغة دستور جديد يضمن إعادة الأراضي والممتلكات إلى أصحابها، بناءً على أسس العدالة ضمن مبادئ الدستور نفسه.
بعد ثلاثين سنة من الصراع المسلح 1960-1990 دخلت البلاد مرحلة انتقال ديمقراطي. أعد دو كليرك ومانديلا مخططاً انتقالياً، ورُفِعت العقوبات الدولية عن جنوب أفريقيا، وتم تبني دستور انتقالي سنة 1993، نص على معاملة جميع اﻷعراق على قدم المساواة، فكان ذلك الدستور نقلة نوعية في تاريخ البلاد. 
في العام التالي، 1994، تم تنظيم أول انتخابات ديمقراطية في جنوب أفريقيا. شاركت فيها كل الأعراق، وفاز حزب المؤتمر الوطني، وانتُخب مانديلا رئيساً لجنوب أفريقيا.

شغل دو كليرك منصب نائب الرئيس، وشكل مانديلا حكومة بين البيض والسود، ووضع برامج تهدف إلى استرداد الأراضي، وإعادة توزيعها بما يُلغي ركائز النظام السابق، ويحقق العدالة لأصحاب الحقوق.

استرداد الأراضي وإعادة توزيعها أوّلاً
كان هناك كثير من القضايا التي يجب إيجاد حلول لها، لكن القضية اﻷكثر إلحاحاً وضرورة كانت قضية اﻷراضي، التي سرقها واستثمرها المستعمرون لقرون، فهي تفتح المجال لحل اقتصادي عاجل ﻷكثرية السكان، خاصة أن غالبية اﻷفارقة بقيت تعمل في اﻷراضي التي سرقت منها، وبقيت الزراعة هاجسها ومنطق حياتها.
قدم دستور جنوب أفريقيا حق استرداد اﻷراضي، على أنه ضرورة من أجل جبر الظلم التاريخي الذي تسببت به القوانين العنصرية، كما اهتم بوضع نصوص واضحة تتضمن آليات لتحقيق تلك الغاية، وآليات لتحقيق المصالحة، وضمان قدرة الدولة على الاستمرار في بناء مؤسساتها وإحداث التنمية، وتوزيع الأراضي بطريقة أكثر عدالة.
تعامل الدستور مع حق استعادة الأراضي على أنه حق فردي وجماعي يضمن حقوق الأفراد، والمجتمعات التي تم تهجيرها وتجريدها من ملكياتها بعد العام 1913، سواء باسترداد الأراضي والممتلكات، أو التعويض العادل. وعليه، أُنشئت هيئة استرداد الأراضي، ومحكمة استرداد الأراضي، بهدف تسهيل هذه العملية وضمان عدالتها ومصداقيتها. 
لم تكن عمليات الاسترداد أمراً يسيراً، سواء بسبب غياب الوثائق، أو من جراء إحداث تغييرات في اﻷراضي، مثل استخدامها في أبنية، أو وجود مستثمرين آخرين. لذلك؛ كان التفكير بحلول إبداعية أمراً مطلوباً، فلم تكن الفكرة استرداد اﻷصل المفقود، بقدر ما كنت ترميم الذاكرة والإنسان فيه. 
تم التعويض على فاقدي ملكياتهم، إما بمبالغ مادية، أو بأراضٍ بديلة، أو عبر منح أصحاب الحق الأولوية في المشاريع التنموية واستصلاح الأراضي، أو عبر خليط من كل ما ذُكر.
كذلك؛ اشتمل برنامج الاسترداد والتعويض على إعادة توزيع الأراضي من أجل ضمان توزيع أكثر عدالة بين الأعراق، وتمكين الفقراء والمعدمين ومنحهم الحق في امتلاك أراض من خلال برنامج إعادة توزيع الأراضي، بما يضمن مكافحة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والاستقرار. 

لم يتم تجريد أبناء المستعمرين من حقوقهم، واعتُرف بحقهم في التعويض عما سيفقدون من ممتلكات كانت موروثة عن آبائهم، وفي هذه الحالة، ضمنت الدولة تلك الحقوق، وكانت مسؤولة عن تطبيق مبادئ العدالة على الجميع، مع الانتباه إلى أن عملية التحول إلى نظام ديمقراطي يجب ألا تؤدي إلى انتهاكات جديدة بحق المجموعات العرقية المختلفة، بما فيها تلك التي دعمت انتهاكات سابق!

هامش

هناك العديد من المؤلفات التي تناولت تجربة جنوب أفريقيا، مثل كتاب محمد صادق إسماعيل «تجربة جنوب أفريقيا»، وعليه تم الاعتماد بشكل أساسي، إلى جانب دراسات لمراكز بحثية عالمية، منها منشورات مركز العدالة والمصالحة في جنوب أفريقيا.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها