× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

اﻹصلاح اﻷمني في سوريا بين الممكن والواقع، والحلم؟

عقل بارد - على الطاولة 09-10-2020

يحاول هذا المقال شرح ضرورة وأهمية إصلاح القطاع الأمني في سوريا، والتطرق إلى الفرص والتحديات المرتبطة بنجاح إصلاحه، مع مقاربة فكرة التدرج (العسير إلى حد كبير) في عمليات اﻹصلاح

راج مصطلح «إصلاح القطاع اﻷمني/Security Sector Reform» في أواخر تسعينيات القرن الماضي في مجتمع المانحين الدوليين، في المرحلة الانتقالية التي تلت تغيرات اﻷنظمة الشيوعية في بلدان وسط وشرق أوروبا، وعقب الثورات البرتقالية. 
انتشر المصطلح بسرعة في الخطابات الدولية، وعلى أكثر من مستوى ولغير غاية، ويتم استخدامه الآن في عدد من السياقات المختلفة على مستوى العالم، بما في ذلك المنظمات اﻷممية.

ما هو اﻹصلاح اﻷمني؟
يستدعي انتشار استخدام المصطلح، ضرورة ملحّة لوصف عدد من الظواهر واﻷنشطة المرتبطة بإصلاح القطاع اﻷمني، الذي يفترض بوجوده في مجتمع ما، توفير الأمن لذلك المجتمع، وهناك حاجة إلى تحديد المصطلح بشكل دقيق يزيل عنه الالتباس، ويجعله مقبولاً من مختلف اﻷطراف المعنية.
هناك العديد من الصياغات والمصطلحات المستخدمة للدلالة على الفكرة نفسها، مثل «انتقال قطاع اﻷمن»، و«تحوّل قطاع اﻷمن». 
ومنذ العام 2003 استخدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مصطلحاً يربط بين العدالة واﻹصلاح، وهو «العدالة وإصلاح قطاع الأمن» (JSSR). 
أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد استخدمت مصطلح «إصلاح النظام اﻷمني».
في الجوهر، إصلاح القطاع الأمني يعني ضرورة ضبط الخدمات الأمنية، وخضوع الأجهزة وأفرادها للمساءلة أمام السلطات المدنية المنتخبة على أساس ديمقراطي، مع ضرورة تنظيم عملها وفقاً لمبدأ سيادة القانون. وهذا يعني أن اﻹصلاح عنصر أساسي في تمكين الديمقراطية، والتنمية المجتمعية، ومنع نشوب نزاعات، أو معالجة أسباب هذه النزاعات، والنجاح في بناء واستدامة السلام بعد انتهاء الصراع.
وفق كثير من الدراسات العالمية، يتضمن إصلاح القطاع الأمني مفهومين مشتركين: الأمن والحوكمة. اﻷول، بصفته ضرورة من ضرورات بقاء الدولة في ظل عالم متصارع على كل شيء، من الماء إلى الهواء إلى السيطرة، وتدخل في هذا الجانب التهديدات العسكرية وغير العسكرية، تلك التي تؤثر على الدول واﻷفراد والشعوب، من إرهاب وفساد وقمع واعتقال وتجسس وغيرها.
أما المفهوم الثاني، فالحوكمة، بصفتها طرقاً في إدارة المؤسسات والأجهزة اﻷمنية، بما يؤهلها لتلبية احتياجات المواطنين وأجهزة الدولة على حد سواء، من دون اﻹخلال بالعقد الاجتماعي، تأسيساً على أن هذا القطاع وجد لتلبية الاحتياجات اﻷمنية، من دون تغوّل أو اعتداء أو إساءة لحيوات الناس وأفكارهم وأعمالهم، إلا ضمن سياق قانوني واضح ورشيد.
تشمل الحوكمة الرشيدة جميع الجهات المشاركة في صنع القرار الوطني، والسيادي، ولا تقتصر فقط على الجهات المسلّحة مثل الجيش والشرطة وأجهزة الأمن، بل يجب أن تضاف إليها الجهات والمؤسسات الدستورية والسياسية التي أنتجها المجتمع بشكل ديمقراطي. يعني هذا، قدرة الدولة على تلبية احتياجاتها اﻷمنية من جانب، والالتزام بمعايير الحوكمة في القانون والتشريع وتطبيق كل منها على المجتمع، وقدرة الأجهزة الدستورية على مراقبة عمل قطاع الأمن عبر القنوات الديمقراطية.

الحوكمة الأمنية.. ضرورة عربية
كان ﻷحداث «الربيع العربي» دورٌ أساسي في انتقال الحديث عن اﻹصلاح اﻷمني في العالم العربي إلى موقع الصدارة، بالنظر إلى الدور الكبير للأجهزة اﻷمنية المختلفة في سياقات التسبب بأحداثه، ومفاقمتها تالياً، فما فعله محمد البوعزيزي في تونس عندما أضرم النار في جسده، كان احتجاجاً نهائياً على مضايقات وإذلال شُرطيّة له، وهو ما أدى إلى قيام احتجاجات ثورة الياسمين التونسية، ثم تتالت أحداث «الربيع العربي». (المحررة: وفق الرواية المنتشرة لما حدث). 
وبالمثل، فإن أسباب ما جرى في بلدان أخرى، كانت في قسم كبير منها مرتبطة بالقمع والتضييق الأمنيين لعشرات السنوات. 
بالنسبة إلى سوريا، ظلت صورة الأجهزة الأمنية بالغة السوء منذ عقود. ويكاد يكون محسوماً أن أي تغيير حقيقي في البلاد، لن يكون ممكناً من دون رسم صورة جديدة لتلك الأجهزة، وتحويلها فعلياً من أداة للقمع، إلى أجهزة مسؤولة وشفافة ومهنية وخاضعة للقانون.
إن درجة عدم الرضا في الشارع السوري - بمختلف مشاربه - كبيرة جداً، فبدلاً من أن تكون تلك اﻷجهزة مصدراً من مصادر اﻷمان، نجدها أجهزة تضييق على الحياة واﻷفكار والتوجهات. 

يختلف السوريون على كثير من الأشياء، لكن ضرورة إصلاح القطاع اﻷمني تحظى بإجماع النسبة العظمى منهم، ولا نظنّ أن هناك حاجة إلى استطلاعات رأي لتأكيد هذه الحقيقة

لا يقتصر اﻷمر فقط على الاعتقالات التعسفية وأساليب الاستجواب القاسية (الضرب العنيف والتعذيب والاعتقال مدداً زمنية غير محددة من دون محاكمات، أو التحويل إلى المحاكم بعد قضاء فترات زمنية طويلة من الاعتقال التعسفي، أو عدم الالتزام بما يقرره القضاء المختص في حالة المفصولين من أعمالهم مثلاً دون ذكر السبب)، بل يشتمل أيضاً، وبصورة أساسية على جو عام من الخوف والتخويف يهيمن على البلاد، في غياب أي نوع من المحاسبة على مدار أكثر من نصف قرن.

تحدي «النخب» اﻷمنية
يختلف السوريون على كثير من الأشياء، لكن ضرورة إصلاح القطاع اﻷمني، تحظى بإجماع النسبة العظمى منهم، ولا نظنّ أن هناك حاجة إلى استطلاعات رأي لتأكيد هذه الحقيقة. 
يرجع السبب في الدرجة اﻷولى إلى الدور اﻷساسي لهذا القطاع في تاريخ البلاد المعاصر. وبقدر اتفاق عموم السوريين على ضرورتها بقدر ما تشكّل أفكار إصلاح هذا القطاع، أيا تكن طبيعتها ومصدرها وحجمها، عامل قلق لبعض الشرائح، لا سيما أولئك المنتمين إلى القطاع أو من يدورون في فلكه، وهم ليسوا قلائل على الإطلاق، بحكم ضخامة أعداد اﻷجهزة الأمنية وأعداد المنتمين إليها.
فإلى جوار حقل القوة الأمنية، أولي هذا القطاع دوراً رئيسياً في توجيه المجتمع والفضاء السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي في سوريا، خاصةً بعد إمساك البعث بمفاصل السلطة في العام 1963، بحيث اتسع مجال التأثير وقوته وشدّته، ووصلت حوامله المجتمعية بمجملها إلى أعمق مفاصل المجتمع. ما يعني أن أفكار الإصلاح الأمني «تهدد» كثيراً من البنى، لتكون النتيجة مقاومة لا يُستهان بها لأي عملية إصلاح أمنية حقيقية.

تقف «النخب» اﻷمنية، على رأس قائمة تحديات الحوكمة اﻷمنية في سوريا (وغيرها). وهي كذلك، أحد أهم مهدّدات أي إصلاح سياسي محتمل. فهي ترى أنّ أيّ شكل من أشكال اﻹصلاح الديمقراطي، عامل تهديد لوجودها وامتيازاتها ونفوذها غير المحدود، وقدرتها على التحكم في مسار اﻷمور واﻷحداث في البلاد.
من جانب ثانٍ، فإن منطق الخوف من التغيير لدى النخب اﻷمنية، موروثٌ من سياسات اﻷنظمة الرّافضة للشفافية والحوكمة والمحاسبة، وهذا بحد ذاته إعاقة لعملية تطور المجتمع الطبيعية نحو الديمقراطية. بمعنى أنّ تراكم غياب المحاسبة في مختلف القطاعات يترك أثره، في غياب مواز للثقة بالمنظومة بأكملها من قبل المتضررين المحتملين، وهم في هذه الحالة كثر.

التدرج العسير
تكفل الحوكمة، إيجاد منظومة قانونية تتيح للحكومة (المشكلة على أسس ديمقراطية) كما للبرلمان (المنتخب ديمقراطياً)، تنظيم عمل اﻷجهزة اﻷمنية بما يخوّل السلطة التنفيذية مراقبة، والتأكد من، اعتماد اﻷجهزة قوانين ناظمة ﻷي عمل أمني، من اعتقال وتوقيف وإطلاق سراح، وغير ذلك.

يكاد يكون محسوماً أن أي تغيير حقيقي في سوريا، لن يكون ممكناً من دون رسم صورة جديدة للأجهزة الأمنية، وتحويلها من أداة للقمع، إلى أجهزة مسؤولة وشفافة ومهنية وخاضعة للقانون

يتم في هذه الحالة تفعيل قاعدة معروفة في الأنظمة الديمقراطية، هي أنّ «الحكومة مسؤولة بالتضامن» عن حفظ النظام العام، وعن العمليات اﻷمنية، والديمقراطية. وهي - أي الحكومة - ملزمة بإخبار الجمهور والبرلمان، باﻷسباب الموجبة لتدخل القوى الأمنية في حدث ما. وكذلك، اﻹخبار بالنتائج والمسؤوليات وما اتخذ من تدابير.
في الوقت نفسه، يكون للبرلمان دور رقابي، يتعلّق بإعمال مبدأ المسؤولية السياسية والتشريعية للأحزاب السياسية الموجودة في البرلمان، في ما يتعلق بحقوق اﻹنسان، وضرورة متابعة وملاحقة أي انتهاكات أو أفعال مهددة لقيم المجتمع، عبر ترتيبات محددة، مثل وجود لجان خاصة (لجان تقصي الحقائق البرلمانية المتمتعة بالخبرة الأمنية والقانونية)، ومساعدتها على إعداد تقارير موضوعية عن أحوال اﻹنسان في البلاد، وتقوية آليات الطلب والاستماع البرلماني في ما يتعلّق بمسؤوليات حفظ الأمن والنظام العام، مع توسيع الممارسة البرلمانية في المساءلة والاستماع، لتشمل الوزراء المكلفين بالأمن والمسؤولين المباشرين عن أجهزة الأمن على جميع الصّعد.
لا يبدو سهلاً في اﻷنظمة الرئاسية بالعموم، وفي سوريا خصوصاً، تفعيل الدور الرقابي المفترض للحكومة والبرلمان على عمل الأمن، من دون المرور في فترة انتقالية يتم تنفيذها بالتدريج، لحوكمة اﻷجهزة المرتبطة بالأمن العام للبلاد. خاصّةً، أن دستور 2012 في سوريا لم ينص صراحة على الحق في الأمن، ودسترة الحوكمة الأمنية، بالشكل الذي يضمن تنفيذ جوهر الكلام السابق، وهو ما يجب الانتباه إليه في أي دستور قادم (معدّل أو جديد). 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها