× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

حوارنة في الغربة: يا حيّا الله بأولاد البلد!

حكاياتنا - خبز 30-10-2020

يقول المثل الشعبي «الغربة كربة»، وهي كذلك بالفعل، لا سيّما للسوريين الذي هُجّروا من بلادهم. غير أنّ الغربة قد تكون أيضاً «قُربى»، أو هذا على الأقل ما لاحظه عدد من أبناء حوران المغتربين

الصورة: (European Parliament - فليكر)

«لم أكن منتبهاً إلى أننا نشترك في كل هذه الأشياء، لقد اكتشفت هذا هنا»، يقول خالد في سياق حديثه عن علاقات محددة نسجها في الغربة. 

وصل الشاب، ابن درعا، إلى ألمانيا العام 2016، تعرف فيها إلى عدد كبير من اللاجئين السوريين، لكن المميز أنه كلما التقى شخصاً من السويداء انسجما على الفور.

يوضح قائلاً: «من السهل دائماً أن نجد خيطاً لبداية الحديث. كلّ من التقيت بهم من السويداء كانوا قد زاروا درعا، أو يعرفون أحداً من معارفي. نجد دائماً - من دون أن نبحث - شخصاً مشتركاً نسأل عن أخباره، أو حدثاً من الماضي يعرفه كلانا. إنه شيء يشبه التاريخ المشترك»، ثم يستدرك ضاحكاً «بس مش اللي بيحكوا عنو بكتب القومية». 

يعمل خالد في معمل للصناعات الغذائية على مقربة من المدينة التي يقيم فيها، ويتابع أخبار الجنوب السوري دائماً. يقول «أجزم إنو الحوارنة جوا، متل الحوارنة برا، لاعنين الفتنة، ورح يطلعوا منها». ويضيف «الحوارنة يعني أهل الجبل كمان، مو بس أهل درعا».

الغربة.. قُربى!

خالد، واحدٌ من أشخاص كثر أعرفهم من أبناء سهل حوران، أقاموا صداقات في الغربة مع أبناء الجبل، ويصحّ العكس. وبقدر ما يبدو الأمر طبيعياً، بقدر ما تستدعي بعض تفاصيله أفكاراً كثيرة في رأسي. لا أعلم إن كان هذا حكراً على بُنى مجتمعاتنا، أم أنه موجود في كل العالم، ولكن نوعاَ من ارتباط الهوية بالمقامات والجغرافيات في بلادنا، يستوقفني.

ما أعنيه هنا بارتباط الهوية بالمقامات، هو التحول في الانتماءات: تضييقها وتوسيعها. ينتمي الفرد إلى الأسرة فتشكل هويته، يذهب بعد ذلك إلى قريته، أو مدينته، ثم دولته، ثم.... إلخ.

ولطالما أثار انتباهي أننا في أيام الدراسة الثانوية، كنا نلحظ ميولاً تلقائيةً تجعل ابن الريف يتقرب من ابن الريف، على حساب ابن المدينة، والعكس بالعكس. كان ذلك مبرراً، من زاوية فهمنا للذاكرة المشتركة، والتقاطع في العادات.

«عندما تقول أو تسمع كلمة حوران، تذهب مخيلتك فوراً باتجاه درعا وحدها. لكن نحن في السويداء حوارنة أيضاً، ونفتخر بذلك»

في الدراسة الجامعية، بدأت ألحظ اختفاء ثنائية الريف والمدينة، لصالح المحافظة بأكملها، فصرنا هناك: أبناء دمشق، وأبناء السويداء، وأبناء درعا.... إلخ

في الغربة، كان من المتوقع اتساع مفهوم الهوية (وهذا عملياً يحصل)، لتظهر الهوية السورية واضحة المعالم، فتلتفت إلى السوري ابن بلدك، وتناديه كما درجت العادة عند كثير من السوريين «بَلُّود». لكن، ثمة تمايز جديد يحصل في الغربة، إذ غالباً ما تنصهر الثنائيات المتشكلة بين الجيران في الوطن (الدولة الأم)، لتصبح هوية جزئية مشتركة في الخارج، فالجيران أدرى الناس بجيرانهم. ولعل حالة أبناء درعا والسويداء، نموذج شديد الوضوح، فهم الحوارنة، أبناء السهل والجبل، الذين يتقاطعون في ذكريات من الصعب محوها، تجعل فتح حديث مشترك بين شخصين من هاتين المحافظتين، أمراً يسيراً للغاية، ما يسهل التواصل ويزيد احتمالاته.

«نحن حوارنة أيضاً»

«عندما تقول أو تسمع كلمة حوران، تذهب مخيلتك فوراً باتجاه درعا وحدها. لكن نحن في السويداء حوارنة أيضاً، ونفتخر بذلك»، يقول وليد، ويضيف «نحن أبناء سهل وجبل، في منطقة واحدة». 

وليد، ابن السويداء، درس في معهد متوسط بدرعا، ويقول إنه كان يستأجر في منزل تعود ملكيّته لآل عياش هناك. هو يعرفهم تماماً وما زال يتتبع أخبارهم، وينتهز الفرص للتواصل معهم. يؤكد الرجل أن ما يجمعه بهم، علاوة على أنهم من حوران، تلك العادة المتأصلة في السهل والجبل، المرتبطة بالخبز والملح. «أنا ماكل منسف عندهم أربع مرات» يقول، ثم يضحك مازحاً «ما زلت عندما أحدثهم أقول لهم: منسفكم ع العين والراس، لكن منسفنا أطيب».

لا جذر!

اعتاد سامي، ومعن، أن يناقشا واقع السويداء ودرعا، عقب كل موقف أو تطور. فبعد أن صارا صديقين مقربين في إحدى الدول الأوروبية، راحا يحاولان جمع معارفهما، بغية خلق شبكة من العلاقات بين أبناء درعا والسويداء، لعلّها تستطيع فعل شيء حقيقي للأهل في سوريا. 

في جلساتهما الخاصة، كانا كثيري البحث في الخلافات، لقد اكتشفا أن خلافاً حاداً على نسبة رقصة «الجوفية» قائم بين المحافظتين، فهل «قم يا رسول» هي من تراث درعا؟ أم من تراث السويداء؟ وفي السياق: هل حوران جنة؟ أم السويدا جنة؟ 

يضحك الرجلان، ويقول سامي «هينة، يمكن حل الخلاف بقول الجملة بالتناوب بين الطريقتين، مرة حوران ومرة السويدا». ليتابع معن مسترسلاً: «في الحقيقة لسنا نهدف إلى تسخيف الأشياء، ولا إلى القول إن ثمة سذاجة بين المختلفين، بقدر ما نريد أن نقول إن جذور الأمر أبسط بكثير من اعتباره خلافاً. لاشيء يستحق الذكر، لقد اتكأت المحافظتان على بعضهما اقتصادياً واجتماعياً كثيراً، فلا بأس إن اختلفتا على أصل أغنية، وإذا كان ثمة جذر لخلاف تاريخي، فالتاريخ لا يستدعي أن نختلف حوله، ها نحن الآن: كل شخص يدون التاريخ وفق هواه، فما نفع هذه المذكرات؟؟».

أهلٌ يا «بلّود»

يعرف كل من في الغربة أنه بحاجة لقريب، لشخص يتشارك معه يومياته، وحكايات ماضيه، يبحث عمن يحمل معه ذاكرته، ويفهم مفرداته. لقد تأكد العديد من أبناء السويداء ودرعا أنهم يصلحون ليكونوا أولاد بلد، واكتشف آخرون أنهم أقرب إلى بعضهم مما كانوا يتخيلون، ولا يزال واحدهم إذا رأى الآخر يناديه «بلّود»، وفي كثير من الأحيان صارت هذه الـ«بلّود»، تشبه الغصة التي تتبعها تربيتة على الكتف، وعبارة «الله يلعن اللي كان السبب».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها