× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

نقد ذاتي

عقل بارد - على الطاولة 30-10-2020

بعض الأخبار الكاذبة تُصاغ تحت تأثير خطاب كراهية يهيمن على صانع، ومروّج الخبر الكاذب. لتعود الأخبار الكاذبة بدورها، وتنتج خطاب كراهية عالي الشحنات!

الرسم: (Doaa Eladl - كارتون موفمينت)

في مسعانا للعمل على الحد من خطاب الكراهية، توجه أحد أعضاء فريق الأبحاث في مؤسستنا ليجري بحثاً على الأرض، عن دور الإعلام وأثره في النزاعات. 
كلما التقى الزميل مجموعة، بدأ حديثه بالقول إن الإعلام قد يشكل خطراً حقيقياً في تأجيج النزاعات، وعلينا تجنب المنابر المحرضة، ثم دون ملاحظاته من كلام أفراد المجموعات، ليقتنص ما هو مفيد فنستخدمه في صناعة «محتوى جامع». في سياق لقاءاته أبلغ الجميع بأننا في مؤسستنا، نعمل على صناعة محتوى يواجه خطاب الكراهية ويفككه، سعياً لبناء حالة من السلم الأهلي، وطلب منهم أن يترقبوه.
بالفعل بدأنا العمل على صناعة محتوى، استغرق منّا جهداً وبحثاً واستعانة بمراجع عديدة. حاولنا قدر الإمكان أن نصنع محتوىً يشفي الغليل، خضنا في أدق التفاصيل، وبنينا مصفوفات من الأفكار التي حسبناها تودي إلى نتائج مفيدة. انتهينا من نشر المحتوى ونحن نلتمس ردود فعل الجمهور، وخاصة أولئك الأشخاص الذين التقيناهم قبل إنتاج المحتوى.
بعد أسبوع من نشر المحتوى، أرسلنا فريق التقييم ليرى ما حصل، ويقاطع هدوء الأوضاع مع ما فعلناه، فقياس الأثر هام ومفيد، وقيمته هي جوهر العملية، كما نعلم. وزّع فريق التقييم استبيانات، نطلب عبرها الآراء، والانطباعات، حول المحتوى، والأثر الذي أحدثه. جاءت الإجابات تقول إن الجميع لم يطلعوا على ما نشرناه! وتعليل ذلك أنهم سمعوا نصيحة باحثنا، وابتعدوا عن الإعلام والمنابر الإعلامية. «الباب اللي بيجينا منو الريح، سكّرناه تا نستريح»، كتب أحدهم!

***

الحادثة أعلاها لم تقع. هي حادثة متخيّلة، غير أنها في الفترة الأخيرة تلازمني مثل كابوس، كلّما فكرت في نتائج ما نعمل عليه. المفارقة أن هذا الكابوس، ليس سيئاً بالضرورة، بل هو بشكل أو بآخر يعني تحقيق شيء من أهدافنا. إذ، ما الفارق، إذا ما كان سبب انحسار خطاب الكراهية هو تغير أداء وسائل إعلام، أو عزوف السوريين عن متابعة وسائل الإعلام؟

ما يقدمه الإعلام ليس حديثاً عابراً إطلاقاً، إنه أشبه بالكيمياء، حيث أي خلل في جزئيّة صغيرة قد يُفضي إلى كارثة

«لا. نحن لا نقول عكس ما نفعل، بل نفعل ما لا نعتقد أننا نفعله»! يقول أحد الصحافيين، وهو يشرح، من وجهة نظره، أسباب انخراط مؤسسته الإعلامية في إنتاج خطاب الكراهية. 
لطالما اعتقدنا أننا نحارب خطاب الكراهية، وادعينا أننا خصومه، ولكن يبدو أن عليك قبل رفض أي شيء، أن تفهمه وتعي تفاصيله بدقة، خشية أن تفعل ما لا تقول! 
المشكلة - على ما يبدو - تكمن في أننا لا نلحظ دائماً حساسيات الآخرين عندما نتحدث، ولا ننتبه إلى القضايا التي تستفزهم. لكن ما يقدمه الإعلام ليس حديثاً عابراً إطلاقاً، إنه أشبه بالكيمياء، حيث أي خلل في جزئيّة صغيرة قد يُفضي إلى كارثة. 
هكذا؛ قد تبقى محاربة خطاب الكراهية مجرد نية، أو رغبة، (وقد تكون صادقة بالفعل) في حين تذهب الممارسة إلى سياق آخر.
مرة، قرأت منشوراً على موقع «فايسبوك»، يقول صاحبه «يا شباب رجاء حدا منكم يتزوج البنت اللي بيحبها، ما ظل بنت تصدقنا من وراكم». إن هذا التعليق الساخر، هو إشارة إلى أصول زوال الثقة بين طرفين، وهذا قد يصح انطباقه على الإعلام والجمهور كذلك.
من الملحوظ أن مؤشرات فقدان الثقة بين المؤسسات الإعلامية وبين الجمهور، باتت كثيرة، وتتزايد. هناك مؤسسات، إذا قالت إنها تعمل لوحدة السوريين، قسمتهم! وإن قالت إنها تحارب خطاب الكراهية، روّجته! ما جعل أحد الأصدقاء الذين تحدثت معهم عن صناعة محتوى لتفكيك خطاب الكراهية، يقول لي «والله رح تخلو الناس تذبح بعضها»!
عاودنا قبل فترة، البحث في «دور الإعلام وأثره في تعزيز النزاعات». طبعاً كلنا يدرك أن الإعلام هذه الأيام يلعب دوراً بارزاً في خدمة منتجي الصراعات ومحبيها، وكان من الواضح لنا أن هناك علاقة تناسب عكسي، بين مشاهدة الصفحات الإعلامية (ومتابعة فايسبوك تحديداً)، وبين الغضب والانفعال وازدياد منسوب الكراهية ضدّ «الآخر». قال لنا كثير ممن حاورناهم، إنه حين ينشد راحة البال يلجأ إلى إغلاق حسابه على «فايسبوك»، بينما يمضي الموتور ساعات متزايدة في متابعة الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، مهتماً بالتعليقات والتحليلات، ومشاركاً فيها. المفارقة، أنك حين تذهب إلى الأرض، إلى الناس في حيواتهم اليومية، لن تسمع ما تقرأ على المنصات، بل ستكون في الغالب الأعم على موعد مع خطاب مختلف، وفهم عميق لـ«الآخر»!
اللافت، أن خطاب الكراهية، ليس وحده في هذه المرحلة ما يؤجج الصراع، بل تناقل الأخبار الكاذبة كذلك. يبدو أن بعض الأخبار الكاذبة تُصاغ تحت تأثير خطاب كراهية يهيمن على صانع، ومروّج الخبر الكاذب. لتعود الأخبار الكاذبة بدورها، وتنتج خطاب كراهية عالي الشحنات! وهذا ما قد يصحّ انطباقه على التحليلات غير الدقيقة، والتهويلات، وعدم الحيادية.. إلخ. 
نعم، في الصراعات يتحول كثير من محتوى الإعلام إلى ما يشبه قنابل موقوتة، بسوء، أو حسن نيّة منتجي المحتوى.


***

«لا. نحن لا نقول عكس ما نفعل، بل نفعل ما لا نعتقد أننا نفعله». فكرت أن أحوّل هذه العبارة إلى خلفيّة لجهاز الحاسوب الذي أستخدمه في العمل الإعلامي، لكنني عدلت عن الفكرة، خشية تحولها بمرور الوقت إلى شيء تألفه حواسي، ولا ينتبه ذهني إلى محتواه، شأنها شأن خطاب الكراهية، الذي نكرهه!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها