× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

ذكريات شاميّة: وحبّذا ساكن (حوران) من كانا

حكاياتنا - ملح 31-10-2020

بعد سنوات طويلة، عرفتُ أن هناك بلدات كاملة متداخلة جغرافياً في ريفي درعا والسويداء، تعتنق المسيحية منذ مئات السنوات، وأن تلك المنطقة احتضنت في غابر الزمن، عدداً من أقدم وأهم الكنائس المسيحية في بلاد الشام

الصورة: (Alessandra Kocman - فليكر)

يستخدمُ علماء النفس الاجتماعي مصطلح «التداعي» للحديث عن ردّات فعل انفعالية لا إرادية، تنشأ عن تجارب آنية تُعيد للعقل الاتصال بمفاهيم سابقة، أو صور متشابهة. قد تتشابك الذاكرة إثر تلقّي تنبيه ما، وتربط هذا التنبيه بحدث من الماضي!

مع الأحداث المؤسفة التي حصلت قبل أسابيع على أطراف مدينة السويداء، تداعت بي الذاكرة سنوات طويلة جدّاً، إلى ما قبل الحرب بكثير، حين كنت طالباً في إحدى كليات جامعة دمشق. 

وقتذاك، أحببت فتاة أقلّ ما يمكن أن توصف به، أنها هائلة الجمال.
شذى (اسم مستعار) الاسم الذي رافقني طيلة سنوات دراستي الجامعية، ونشأت بيننا علاقة حب بريئة، انتهت مع نهاية الدراسة الجامعية بشكل كلاسيكي. 

تزوّجت شذى أحد أقاربها من محافظة درعا، واستمرت الصداقة بيننا سنوات عدة، قبل أن تضمحل بشكل تدريجي.

في السنين الخوالي، حين عرفتُ أن شذى مسيحية، تعجبت بشدة: «هل يوجد مسيحيون في درعا؟». ثم فوجئت مرة أخرى، حين علمت أن بلدة شذى، واسمها «جبيب» تتبع إداريّاً لمحافظة السويداء. سبب المفاجأة أننا لم نسمع ولا لمرة واحدة أن شذى مسافرة إلى السويداء، كنا طوال الوقت في الجامعة، نسمعها تقول إنها متجهة إلى «كراجات درعا»، لتستقل الحافلة إلى بلدتها.

بعد سنوات طويلة، عرفتُ أن هناك بلدات كاملة متداخلة جغرافياً في ريفي درعا والسويداء، تعتنق المسيحية منذ مئات السنوات، وأن تلك المنطقة احتضنت في غابر الزمن، عدداً من أقدم وأهم الكنائس المسيحية في بلاد الشام.

يؤكد الباحث تيسير خلف، أنّ ثاني أقدم نقش مسيحي عربي حتى الآن، قد عُثر عليه في جبل حوران. «وهو للأمير شراحيل بن ظالم، الذي يرد اسمه في المصادر الإخبارية العربية: الحارث بن ظالم. وهو نقش عُثر عليه في قرية حران في جبل حوران، محافظة السويداء حالياً». 

اقدم نقس مسيحي عربي حتى الآن هذا ثاني أقدم نقش عربي مسيحي للامير شراحيل بن ظالم الذي يرد اسمه في المصادر الاخبارية...

Posted by ‎تيسير خلف‎ on Thursday, September 19, 2013

على دروب الحب

قادني عشق المراهقين للسفر مرات عدّة إلى جبيب، البلدة التي أنجبت «أجمل فتيات جامعة دمشق». أذكرُ أنني حين قصدتها أول مرة، توجّهتُ إلى كراجات درعا - السويداء، التي تقع قرب ساحة باب مصلّى بدمشق، وسألتُ عن كيفية الوصول إلى جبيب. أخبروني بوجوب سلوك طريق الكسوة، خبب، إزرع، صيدا، وأخيراً جبيب، في رحلة تستغرق حوالى ساعتين.

فهمتُ بعدها لماذا كانت شذى تخبرنا أنها «طالعة على درعا»، فالوصول إلى بلدتها في ريف السويداء الغربي، يستدعي بالضرورة اختراق محافظة درعا من شمالها إلى جنوبها، ويستدعي بالضرورة ذاتها عدم الدخول إلى محافظة السويداء!

في كلّ مرة كنتُ أجد عذراً مناسباً لقصد بلدة المحبوبة، متأثراً بما يتداعى في ذاكرتي من قول الشاعر «يا حبّذا جبلُ الريّان من جبل / وحبّذا ساكن الريّان من كان». أقنعتُ أصدقائي مرات عدة بالذهاب معي، كي تكون الذريعة موجبة لتكرار الزيارة.

الصورة الغائمة

لا يعرفُ معظم أبناء دمشق الكثير عن حوران بسهلها وجبلها، سوى بعض الصور والأفكار العامة. يُمكنني الآن الاعتراف بهدوء أنني لم أكن لأميّز كثيراً بين المحافظتين. وحتى اليوم، حين أستعرض بعض الصور الفوتوغرافية، التي التقطناها هناك قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، كثيراً ما أعود إلى الخلط بين جغرافيات تلك المنطقة.

فهمتُ بعدها لماذا كانت شذى تخبرنا أنها «طالعة على درعا»، فالوصول إلى بلدتها في ريف السويداء الغربي، يستدعي بالضرورة اختراق محافظة درعا من شمالها إلى جنوبها

في دمشق، كانت درعا - على سبيل المثال - رمزاً للبساطة (بالمعنى السلبي)، ولم نكن نعلم أنها مدينة عريقة، وفيها واحدة من أكبر السلات الغذائية التي تطعمُ كلّ السوريين.

نعم، كنت من أولئك الذين يعتقدون أن درعا أشبه بضيعة، بقدر ما يظنون أن دير الزور هي تلك البادية التي يصوّرون فيها مسلسلات بدوية تُعرض يوم الجمعة، وأن الرقة هي مجموعة مبانٍ صغيرة بجوار سدّ الفرات، وأن الحسكة هي امتداد لمناطق نائية، لا يزالون يستخدمون فيها الخيول للتنقل بين الخيم! 

للأسف، لم أكتشف خلاف ذلك حتى العام 2011، الذي عرفنا بعده أسماء بلدات ومناطق في مختلف المحافظات السورية، وفوجئت بوجود هذا التنوع بين السوريين، في اللهجات، والثقافات، وحتى طرق صنع الطعام، وارتداء الملابس. وتعرّفت بعدها على مئة شذى، بالجمال والثقافة والبراءة!

بعيداً عن عمليات التجميل العاطفية والوطنية، أجد صورة شذى اليوم غائمة في مخيلتي، شأنها شأن صورة حوران. أبذلُ جهداً كي أستدعيها من ذلك الزمان، وأواجه صعوبة أثناء البحث في ذاكرتي عن صور جميلة، شبيهة بتلك التي التقطناها بالكاميرات القديمة. 

اليوم، التوجه إلى بلدة المحبوبة القديمة «محفوف بالمخاطر». على الأقل هذا ما نسمعه، فدرعا اليوم بالنسبة لكثير من سكان دمشق، هي منطقة لا يُعرف عن أحداثها الكثير (كما كنا في الماضي لا نعرف شيئاً عن أهلها). وحتى لو وددتُ سلوك طريق السويداء للتوجه إلى بلدة جبيب، فلن يتغير الأمر كثيراً.

..وعلى دروب الحوارنة

لم أسمع منذ زمن بعيد أن أحداً توجّه إلى السويداء أو درعا بقصد العمل أو السياحة أو زيارة بيت المحبوبة! وباستثناء أبناء هاتين المحافظتين، لا أذكرُ أن أحداً قصد كراجات درعا، السويداء في منطقة باب مصلى. 

«ما لنا شغل هنيك»، هي العبارة الأكثر دبلوماسية التي سمعتها من أصدقاء وأقارب وجيران كثر، سألت كلّاً منهم على سبيل الاستطلاع الشخصي: «لماذا لا تقصد إحدى المدينتين على سبيل الزيارة؟». وأنا أيضاً «ما لي شغل هنيك»، لكنني سأذهب قريباً جداً لزيارتهما. ليس بالضرورة أن أصل دار المحبوبة القديمة، فالهدف بات أرحب، ولقد سمحت لنفسي بأن أتلاعب ببيت الشعر ذاك، وأردد: «وحبذا ساكن حوران من كانا».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها