× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

هل تصلح روافع الاقتصاد المجتمعي ما أفسدته الحرب؟

عقل بارد - على الطاولة 31-10-2020

يمكن أن تساعد الروافع الاقتصادية على تحسين المرونة، لكنها لن تُصلح - وحدها - ما أفسدته الحرب، وما ألحقته من تشوهات بالمنظومة القيمية. يعني هذا، أن الفرصة التي ننشُدها، ستضيع ما لم تتكامل الجهود الاقتصادية، والثقافية، والتعليمية، والصحية

نقف - نحن السوريين -  اليوم على مفترق طرق، فإما أن نضع عنواناً مكرّراً لما تعيشه مجتمعاتنا المحلية «لعبة انتظار» نحو حل نهائي، أو نختطّ – مضطرّين - عنواناً آخر: «اللعبة اللانهائيّة».

لعبة الانتظار المتجدّدة، تأتي هذه المرة مترافقة مع شروط العاصفة المكتملة، الخاضعة لظروف إقليمية ودولية. (الحرب، كورونا، العقوبات الاقتصادية، تجنيد شبابنا في صراعات الآخرين، عقم السياسات العامة في التعاطي مع المشهد، الإغاثة في غياب التنمية، اضمحلال الطبقة الوسطى، تغير النخب الاجتماعية بفعل اقتصاد الحرب، نزف الأدمغة والتشتت الاجتماعي، وتردي أبسط حقوق العيش ومتطلباته).

الركون إلى هذا العنوان، يعني استسلاماً مجتمعياً لجملة من الظروف الاجتماعية / الاقتصادية المعقدة، تتبدى عجزاً وضغوطاً إما داخل المجتمع المحلي نفسه، أو ضمن المجتمعات المحلية المتجاورة، ليصبح التجاور تنافراً، يزيد من تعقيد تلك العاصفة بفعل قوى العجز الذاتية السلبية والمدمرة.

أما «اللعبة اللانهائية»، فتبدو السبيل الوحيد أمامنا، في ضوء الغموض السياسي الذي يكتنف المشهد، للحفاظ على قدرة مجتمعية صبورة طويلة الأمد - ولو بحدها الأدنى - وينبغي أن تتكاتف جهودنا جميعاً لدعمها في رحلة نجاتها. 

تفترض هذه اللعبة أن كل القوى المتنافسة على إضعافنا زائلة، وبالتالي تُعزز شبكات التعاون المجتمعية الداخلية واللاجئة والمغتربة، في إطار من المرونة لاتخاذ قرار بشأن المستقبل، أقل سوءاً مما تختبره اللحظة الحاضرة داخلياً: خبزاً، ووقوداً، وفقراً، وبؤساً، وتردّياً معيشيّاً.

لكن؛ ما هي قواعد هذه اللعبة القادمة؟ وكيف سيتم تعريفها وتعريف خصائصها في خطوة أولى نحو التعامل معها؟ 
كذلك؛ كيف سنعيد تعريف أدوارنا الجديدة، وأدواتنا لنتمكن من خوضها؟ وكيف سنؤثر في مساحة السياسات العامة الآيلة للتآكل بفعل سيطرة مطلقة للحكومة المركزية أو قوى الأمر الواقع؟ وما سبل تجنب الإقصاء الحاصل لكل اللاعبين المحليين الآخرين في هذه المساحة؟ (من مجتمع مدني / أو أهلي، وحوامل مجتمعية محلية، وإعلام، وقطاع خاص)، ما يترك الأبواب مشرعة لأمراء الحرب في استخلاص فضل القيمة، على حساب المجتمعات المحلية التي تحاول البقاء.

علينا أن نتحضر ذهنياً للعبة بلا نهاية، عنوانها الأساسي ببساطة: التواطؤ السوري – السوري للنجاة. لعبة لا وجود فيها لمنطق الخسارة والربح، ولا تخضع لزمن محدد

برغم أولوية الحيوية الاقتصادية المحلية لكسب القوت اليومي (وهو الأساس والعامل الأهم اليوم) فإن هناك شرطاً لازماً لاستدامةٍ - ولو ضعيفة - لتلك الحيوية، يجب التركيز عليها. 

نعني: تطوير الاكتفاء الذاتي، وتوسيعه نحو الجوار المباشر، لتتركز الجهود على كيفية تطوير المنتجات، والتبادلات، وسلاسل القيمة اللازمة لذلك في قطاعات مختلفة: من الزراعة، والصناعة، والخدمات الأخرى. ما ينطبق أيضاً على التسويق المجتمعي، من خلال فتح أسواق محلية مجاورة تضمن تأمين الوصول، والتبادل، والتصريف، للخدمات، والبضائع، وتؤسس لعلاقة رياضية متعدية يتطور تأثيرها مع الزمن لوصل مسارات جديدة. 
قد نتمكن أيضاً من تعريف نماذج اقتصادية محلية، تستجيب لتحويل العمل الإغاثي القصير الأمد، المبني على مشاريع صغيرة للمجتمع المدني السوري ممولة من المنظمات الدولية، إلى عمل تنموي يعتمد في خطواته الأولى على الاكتفاء الذاتي القابل للتوسع، من خلال: اقتصاد بديل، واقتصاد ظل، واقتصاد مدوّر، واقتصاد أخضر، ونماذج مركبة منها جميعاً. 

ينبغي خلق مساحات تُغلّف الحيوية الاقتصادية المنشودة، اعتماداً على الحوارات، والتفاوضات المجتمعية. سيؤسس هذا تفاهمات لتبادل الموارد و«الرساميل» المجتمعية اللازمة، فيكسر تعميم وتنميط المجتمعات المحلية لنفسها، ولنظائرها، من خلال تجاوز الإرث القديم، أو تراكمات الحرب. هذه التراكمات التي غيرت البنى المجتمعية إلى الأسوأ، بفعل تدمير كثير من المؤسسات المجتمعية الوسيطة، الأهلية والخيرية، وكذلك المخزون العائلي، ورأس المال الرمزي للمجتمعات المحلية، ما أفضى إلى ضياع بعض مفاتيح التوافق الاجتماعي السابق - بغض النظر عن مآخذنا عليها - وبات تعويضها إحدى المعضلات التي لم تسمح بمراكمة جهود تصالحية، مباشرة وغير مباشرة، لتحويلها إلى شبكات أمان اجتماعي بالحد الأدنى. 

لقد تبين مدى هشاشة الموقف في لحظة معينة، خلال «أزمة كورونا» التي كانت أول تحدّ متطابق يُفرض على كل المجتمعات المحلية في سوريا بالتزامن، وبغض النظر عن جغرافيات الحرب. لتغدو معادلة الاقتصاد أولوية قبل معادلة الصحة والسلامة والحياة، ويصبح الموت جوعاٌ، أو مرضاً، خيارين أحلاهما موت!  

نعم، يمكن أن تساعد الروافع الاقتصادية في تحسين المرونة، والقدرة على الصبر، لكنها لا تكفي وحدها لإصلاح ما أفسدته الحرب، وما ألحقته من تشوهات بالمنظومة القيمية تحت سطوة أمراء حرب. 

يعني هذا، أن فرصة «اللعبة اللانهائية»، ستضيع هي الأخرى من أيدي السوريين والسوريات ما لم تتكامل الجهود الاقتصادية، والثقافية، والتعليمية، والصحية، ضمن نماذج مجتمعية محلية جديدة، يتوجب بناء مهاراتها الجماعية اللازمة لمواجهة المشهد الناشئ.

سيكون لدى من يتبقى منّا متسع من الوقت ليروي، ويشرح ما مررنا به: هكذا نجت وعادت مرات ومرات، وستعود. راجعوا التاريخ

وتبقى الأسئلة حول كيفية رأب الصدوع في بنية المجتمعات المحلية، المقيمة والنازحة واللاجئة والمهاجرة، وما يتطلبه تسهيل تدفق المعرفة بالفرص الاقتصادية، والتحديات، والاحتياجات، والموارد المتوافرة محلياً من خلال الشبكات الاقتصادية المدعمة اجتماعياً. 

كيف سنفكك نتائج الإقصاء الاجتماعي الناتج عن الحرب؟ (حتى لو استمرت هذه الحرب بأشكال مختلفة)، وكيف سنيسر عمليات إعادة التنمية الاقتصادية الأكثر إنصافاً لضمان استمرار المجتمع السوري؟ ونُحسن مرونة ولامركزية التفكير؟ ونضع حلولاً أكثر ملاءمة للاحتياجات المحلية المتنوعة؟ 
كيف ندعم تمكين المجتمعات المحلية في علاقاتها بالمؤسسات المعنية، المحلية منها والوطنية، وكذلك بالمؤسسات والمنظمات الدولية لتحقيق احتياجاتها من سبل العيش؟

ينبغي العمل على بناء خارطة للموارد، والفرص، والمهارات الموجودة محلياً. وتنفيذ أنشطة، ومبادرات فردية وجماعية داعمة لتحسين سبل العيش، تستثمر في القطاعات الأساسية: التعليم، والصحة، والتمكين الاقتصادي (زراعة، أعمال صغيرة منتجة، خدمات، استخدام التكنولوجيا لتحسين الوصول للموارد والخبرات). 

يتوجب أيضاً استخدام المشاريع، والمبادرات الإغاثية والإنسانية القصيرة الأمد، لتكون منصة لبنى تحتية اقتصادية اجتماعية أكثر استدامة. وربط المبادرات الاقتصادية الصغيرة مع إطار جغرافي أكبر، قد يحفز السياسات الوطنية لاحقاً. وعطفاً على كل ذلك، متابعة تفعيل تبادل المعلومات حول فرص تحسين سبل العيش، ونماذجها.

تأتي أهمية هذه الأفكار، لا من المنتج أو الخدمة، بل من فلسفة إنتاج الأشياء وسلاسل قيمتها، بحيث تتفاعل جملة من العناصر لتكوين مفهوم المنتج الذي يصبح بالتعريف: عملية تفاوضية مجتمعية بين جوانب مختلفة (ثقافية، وأخلاقية، وتقنية، واقتصادية، وسياسية، وبيئية). ويأتي دور المجتمعات، و / أو المنتجين، في صياغة التنازلات، والاتفاقات بين كل الجوانب. 

إن تحليل الفكرة، لتركيب النموذج الذي يؤسس لعملية كهذه ضمن المفاهيم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، هو حجر زاوية مهم للانطلاق إلى رأس مال مجتمعي، ومن ثم تعريف واقعي وعملي لآليات عمل الحامل التنموي المحلي، أو الغرضي (الفيزيائي أو الافتراضي). 
كل تلك النقاط تُغذى من خبرة الماضي وتقاليده، وتدعمها أفكار اليوم، وتطورها للمستقبل المنطلق من حاجة اليوم الضاغطة في ظروف الحرب. 

إن تنشيط أي منطقة جغرافية، أو عملية إنتاجية، يستلزم ما هو أكثر من الأساس الاقتصادي، وتبرز أهمية الوصول التدريجي إلى فهم مشترك على صُعد متعددة، للتأثير على خلق الطلب من خلال هذا المنظور أيضاً، علاوة على الحاجة.

في الخلاصة: في ظل استمرار الاستعصاء القائم علينا أن نتحضر ذهنياً للعبة بلا نهاية، سيلعبها الفرقاء الدوليون لضمان الحد الأدنى من مصالحهم على المدى البعيد، وعلينا نحن - السوريين والسوريات - أن نلعبها لضمان بقاء المجتمع واستمراره. 

العنوان الأساسي للعبتنا القادمة ببساطة هو: التواطؤ السوري – السوري للنجاة، (تصلحُ حوران: درعا والسويداء، نموذجاً هامّاً في هذا السياق، ومثلها كل المناطق السورية). لعبة لا وجود فيها لمنطق الخسارة والربح، ولا تخضع لزمن محدد. من قواعدها الصبر والمثابرة في العمل، والحفاظ على التواصل ضمن المجتمعات المحلية، من خلال سلاسل القيمة والإنتاج في ما بين هذه المجتمعات من جهة، وما بين الداخل والشتات أيضاً. من قواعدها الهامة أيضاً: نقل الرسالة إلى من بعدنا، لتخفيف التشنجات المجتمعية، وبناء خطاب إيجابي يراهن على حلول يوم قادم لا محالة، يتعب فيه اللاعبون، ويغادرون جميعاً، ونبقى نحن.

وقتذاك، وكي نتجاوز سردية الحرب اللامنتهية، سيتاح لمن يتبقى منّا متسع من الزمن، ليروي سرديات جديدة تشرح ما مررنا به: هكذا نجت وعادت مرات ومرات، وستعود. راجعوا التاريخ. 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها