× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

لماذا لا يجمعنا الفن؟

عقل بارد - على الطاولة 18-11-2020

انقسم المشتغلون في الفن السوري إلى مجموعتين واضحتين، تدعم كل مجموعة طرفاً، فيما حاول البعض تحاشي الزج بنفسه في هذه المعمعة. المشكلة لم تكن في الانقسام، وإنما في ما خلفه من تدهور في المستوى الفني السوري، وبشكل خاص داخل البلاد

يقول إروين بسكاتور: «نحن نمارس السياسة من خلال الفن، وليس الفن لأجل الفن»، هل يكون غياب السياسة عن الفن السوري، هو أحد أسباب عدم قدرته على جمع شتات، أو أطياف المجتمع السوري فنياً؟

منذ ما يقارب الأربعين عاماً حاول فواز الساجر، ومعه سعد الله ونوس العمل على التجريب في المسرح، ورفع الذائقة والسوية الفنية، لكن التجربة لم تكتمل. هل كان الواقع السياسي آنذاك أحد الأسباب التي وقفت في وجه التجربة التي تعتبر من أهم التجارب المسرحية السورية؟

ربما كان في وسعنا الاستدلال على هذا الأمر بفهمنا الرسالة التي تركها الساجر قبل رحيله، وهي رسالة لا يمكن فصلها عمّا كان يحاول فعله عبر تجربته الفذّة: «إن عصرنا هذا هو عصر الضيق، أكلنا ضيق، شرابنا ضيق، زيُّناً ضيق، مسكننا ضيق، مرتبنا ضيق، تفكيرنا ضيق، قبرنا ضيق، مطمعنا ضيق، أفقنا ضيق، عدلنا ضيق، عالمنا ضيق، مصيرنا ضيق، موتنا ضيق، قبرنا ضيق، الضيق، الضيق! افتحوا الأبواب والنوافذ.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الأرض والسماء.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الكون.. سيقتلنا الضيق!».

«الفنّ الشمولي»!

في عهد الأسد الأب، بدأ العمل تدريجيّاً على تغييب السياسة عن الفن بمختلف أشكاله، وصولاً إلى يومنا هذا، وبدلاً من ذلك، تم الاشتغال على تحويل الفن إلى أداة أدلجة، لترويج أفكار أحاديّة، تناسب شكل الحكم الشمولي، ومبدأ «الحزب الواحد». 

يرى غوستاف لوبون، أن «الجماهير غبية، لأنها تتبع حالتها الشعورية والعاطفة، وبالتالي من السهل السيطرة عليها». هل يمكننا الجمع ما بين أفكار لوبون، وأفكار بسكاتور؟!

لقد راقب لوبون الجمهور، واستشف من أفعاله فلسفته الخاصة حول الجمهور، في حين أن بسكاتور كان يعمل من أجل الجمهور، كما أنه كان مؤمناً بالجمهور. 

بمقارنة بسيطة لواقع المسرح بين تونس وسوريا، سنجد رواجاً لنهج بسكاتور في الحركة المسرحية المعاصرة التونسية، (أبرز الأمثلة الفاضل الجعايبي). أما الجمهور السوري، فقد تم تغييبه، والعمل على أدلجته عبر أعمال تكتفي بملامسة السطح، وإن بدت أعمالاً «جريئة»، فيما هي في الواقع تشبه المخدر. (أبرز الأمثلة همام حوت، وبعض أعمال دريد لحام). 

لقد حوّلوا الفن إلى مجرّد عمل توصيفي، والجمهور إلى مجرّد متلقٍّ يتم تلقينه، ليس مسموحاً له أن يكون جمهوراً فاعلاً، ولا شريكاً

لكأن لسان حال مُسيّري البوصلة الفنية السورية يقول: «لا بأس بقليل من السياسة ليفاجأ الجمهور بقوة العمل وجرأته»، في حين أن «الأعمال السياسية» كما سُميت، كانت تسخر من الواقع تحت رقابة شديدة كمسلسل «بقعة ضوء»، من دون الخوض بعيداً في أسباب هذا الواقع، ونكوصه المستمر نحو الأسوأ. وكأنما هبط الواقع هذا من الفضاء، وليس نتاج عقود من التخريب الممنهج لكل القيم! 

نعم، لقد حوّلوا الفن إلى مجرّد عمل توصيفي، والجمهور إلى مجرّد متلقٍّ يتم تلقينه، ليس مسموحاً له أن يكون جمهوراً فاعلاً، ولا شريكاً.

الصراع سرّ البقاء؟ ليس في سوريا!

تقول الميثيولوجيا إن «الصراع سر البقاء والاستمرار»، هل المقصود بالصراع هنا: الاقتتال؟ أم الاختلاف بكل أشكاله؟ وهل يعدّ الصراع السوري صراعاً صحيّاً سيٌنتج بقاءً؟ أم أنه صراع مدمر على كل الصّعد؟ 

فلنأخذ الفن مثالاً: منذ العام 2011 انقسم المشتغلون في الفن السوري إلى مجموعتين واضحتين، تدعم كل مجموعة طرفاً، فيما حاول البعض تحاشي الزج بنفسه في هذه المعمعة. 

المشكلة لم تكن بالانقسام طبعاً، وإنما في ما خلفه هذا الانقسام من تدهور في المستوى الفني السوري، وبشكل خاص داخل البلاد. لقد انفضت كثير من الفرق المسرحية بسبب الاختلاف بالآراء بين مؤيد ومعارض، ولوحق واعتُقل كثير من الفنانين المعارضين، وغادر آخرون البلاد. 
إضافةً إلى ذلك، توقف كثير من الفنانين عن ممارسة العمل السينمائي والمسرحي بسبب عدم موافقتهم على تقديم «أعمال وطنية» كما تصفها السلطة وما يدور في فلكها من جهات. 

هذا الواقع، سمح لكثير من أنصاف، وأرباع، وعديمي المواهب، بالطفو على سطح الساحة الفنية، بفضل «الحظوة» التي يتمتعون بها عند أجهزة الأمن. 

طبعاً ليس المقصود هنا التعميم على الإطلاق، فهناك مبدعون ما زالوا يعملون داخل سوريا، لكنّهم بالمجمل خاضعون لـ«شروط اللعبة»، طوعاً أو كرهاً.

الكارثة الكبرى، أنّ البؤس لم يعد يقتصر على المضامين، بل هو يتعداها إلى المستوى الفنّي. بمعنى، أننا حتى ولو تركنا المعيار الأخلاقي جانباً، سنجد أنفسنا أمام مصائب لا يُمكن اغتفارها. يمكنك دائماً أن تكذب في الفن، لكن افعل ذلك بصورة مقنعة يا أخي! اصنع بروباغندا، لكن اصنعها باحترافيّة! (المحررة: ينطبق الأمر على الإعلام أيضاً). 

هل من المعقول أن يحول الفن ما يجري من أحداثٍ مبكية في سوريا إلى أضحوكة يضحك فيها المتفرج على نفسه؟
نعم! يبدو أن هذا هو المعقول الوحيد!!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها