× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

سوريّات يكسرن النمطيّة: نحو مهن جديدة

حكاياتنا - خبز 30-11-2020

يُعتبر التمييز على أساس النوع الاجتماعي من السمات التي رافقت كثيراً من المجتمعات، لتترسّخ نماذج سلوك، انبثقت عنها أدوارٌ خاصةٌ بكلِّ جنس، وصفاتٌ ومزايا «يتمتع» بها الرجال على حساب النساء

الصورة: (UN Women/Christopher Herwig - فليكر)

بدا المشهد مفاجئاً لي: مجموعة فتيات يقمن بطلاء جدران أحد استوديوهات المدينة، بأنفسهن. 

كنت قد قصدت ذلك الاستوديو لالتقاط صورة لي، من أجل إتمام بعض الأوراق، حين شاهدتهنّ: ثلاث فتيات في العشرينيات من أعمارهن، يُعدن تأهيل المكان. 

لفتني الأمر، ورحت أحادثهنّ حوله. لكل واحدة منهنّ اختصاص تعليمي، لكنهنّ قررن العمل بعيداً عن اختصاصاتهنّ، في محاولة لتجربة شيء مختلف، وكسب المال. 

تشرح هبة وجهة نظرها بالقول: «أستمتع بكل لحظة في عملي هذا، لا أشعر بأنه ينتقص من أنوثتي، أو أنه لا يناسبني. على العكس، إنه يشبه أي عمل آخر قد أقوم به، الفرق فقط أنه غير مألوف. نحن نقضي ساعات جميلة، ونختبر مجالاً لم يكن متاحاً لنا من قبل، نواجه أحياناً بعض التشكيك بقدراتنا على إتمام هذا العمل بشكل احترافي كما الرجال، لكن هذا يدفعنا كي نكون أفضل ونطوّر مهاراتنا فيه».

ثم تضيف «ما تم ترسيخه في المجتمع بأن عملنا يجب أن يقتصر على أشياء محددة في المنزل، هو حكم مجحف علينا. الأمر ليس كذلك، يمكننا نحن النساء تعلم أي شيء، وإتقانه ببساطة إذا أحببناه». 

مكافحات ضد الحرب.. والتنميط
يُعتبر التمييز على أساس النوع الاجتماعي من السمات التي رافقت كثيراً من المجتمعات لوقت طويل، لتترسّخ لدى الأفراد نماذج سلوك، انبثقت عنها أدوارٌ خاصةٌ بكلِّ جنس، وصفاتٌ ومزايا «يتمتع» بها الرجال على حساب النساء، صُنّف على أساسها حضور كلّ من الجنسين في المجتمع، ومدى فعاليته، والمجالات التي يستطيع المشاركة فيها.

«تسللت» السوريات إلى قطاعات عمل جديدة، وبدا أنّ المجتمع صار أكثر «تساهلاً». لا يعد هذا اعترافاً بأنَّ النساء مساويات للرجال، بل هي منعكسات فرضتها مجموعة من الظروف

تشكِّل تجربة هبة، وصديقتيها، نموذجاً لتجارب نساء كثيرات في سوريا، اخترن في السنوات الماضية أن يعملن في مهن لم تكن السوريات تمتهنّها سابقاً. 

الحرب وضعت النساء في موقع مسؤولية عن أنفسهن وحيواتهن، وكثير منهنّ لم يترددن في دخول سوق العمل، وتجربة مهن جديدة. 

ثمة نساء عملن سائقات لوسائل نقل عامة، وأُخريات نَراهنّ في معظم مقاهي دمشق وغيرها من المحافظات، في مشهد يبعث على الطمأنينة.

تبلغ رُبا 23 عاماً من العمر. بدأت العمل في أحد مقاهي دمشق منذ سنة تقريباً.

قبل الحرب كانت حياتها منزلية بالكامل. «في البداية كان من الصعب عليهم تقبُّلُ وجودي. كنت أتلقى الكثير من الإهانات، وغالباً ما تم وصف ما أقوم به بأنه فاشل وسيئ»، تقول لي. وتضيف «انعكس هذا على حالتي النفسية، وجعلني محبطة دائماً، فأنا أحب هذا العمل، لكن في الوقت نفسه أصطدِمُ بالرجال ونظراتهم الملاحقة لي».

أول نتائج عمل الشابة كان «تغييراً ذاتياً كبيراً، فبعدَ شهور صرت فتاةً قوية تَعرف ماذا تُريد. ومع تطويرٍ مستمرٍ لمهارتي في العمل، أصبحوا بحاجة إلي أكثر، وهذا أحدثَ تغييراً في معاملتهم لي. إذا فكَّرنا قليلاً بما علينا فعله لكسب مكان لنا، فالطريقة الوحيدة أن نركَّز في عملنا ونطوِّرَ ذواتنا، ونفعل ما نرغب فعله. ما أقوم به الآن تجربة جميلة وغنيَّة، استطعت من خلالها الانتقال بين عالمين: المنزل سابقاً، والعالم الخارجي الممتلئ بالحياة».

«مساواة» غير مقصودة!

في السنوات الأخيرة «تسللت» السوريات إلى قطاعات عمل جديدة، وبدا أنّ المجتمع صار أكثر «تساهلاً» في هذا السياق.

الحرب، وتداعياتها على المجتمع السوري، أهم عوامل هذا التغيير. ففي كثير من الأحيان قد تؤدي «الفوضى» إلى تغيُّرٍ في المفاهيم، وخلخلةٍ في التراتبية الهرمية التي كانت سائدة من قبل.

«في البداية كان من الصعب عليهم تقبُّلُ وجودي. كنت أتلقى الكثير من الإهانات، وغالباً ما تم وصف ما أقوم به بأنه فاشل وسيئ»

كثير من النساء السوريات وُضعن فجأة في ظروف مغايرة تماماً لما اعتدنه، ليخلق الأمر لهنَّ تحديات تدفعهن إلى إيجاد حلول لحماية أنفسهنَّ، وتأمين عيشهن، فاقتحمن أماكن لم يعرفنها من قبل. 

في الوقت نفسه، استفاد بعض أصحاب الأعمال من هذه التحولات. وجود الأنثى في بعض المهن يخلق شعوراً بالراحة أكثر بالنسبة للزبونات / النساء، ويجذب الزبائن الرجال، وهذه النقطة لعب عليها بعض أصحاب الأعمال. 

في الواقع، لا يعد هذا التغيير اعترافاً بأنَّ النساء مساويات للرجال من قِبَل أصحاب الأعمال، ولا حتى من قِبَل النساء أنفسهنّ. بل هي منعكسات فرضتها مجموعة من الظروف التي خلقت الفرصة لرؤيةٍ مجتمعيّة جديدة في ما يخص عمل النساء.

نقلات صغيرة

لا شكّ في أنها مجرد نقلات صغيرة في حياة المرأة في مجتمعنا. لكن لكل خطوة منها أهميتها في مراكمة الخبرة والمعرفة، وكسر النمطيّة.

ليس من السهل محو تاريخٍ كاملٍ من الأفكار والأفعال التي كرَّستْ رؤية محددة تجاه النساء، يحتاج ذلك إلى جهد مضنٍ ومداومة من قِبَل المرأة على اقتناص الفرص المناسبة، ومحاولات مستمرة لتنمية ثقتها بذاتها، وبما تملكه من مقدرات تؤهلها لصنع تغيير في المجتمع، وفي مكانها ومكانتها. والعالم الذي حرمت من ولوجه منذ قرون واسع جداً، وفيه من الخبرات والجمال والمتع ما ينبغي عليها اختباره، ومعرفته عن قُرب، والعمل في أي مهنة ليس انتقاصاً من قدرها. 

تقول هبة «لا أرى سقفاً لطموحي، ولا مكاناً لا يصلح لأن أكون فيه. أنا إنسانة خُلِقتُ في هذا العالم لأعيش جميع التفاصيل، وأعمل الأشياء التي أحبها. أخرج كل يوم من بيتي صباحاً متأكدة من معارف وخبرات جديدة تنتظرني. أُحبُّ أنني أنثى، وأنني استطعت في مجتمعنا هذا أن أكسر الصورة النمطية، وأغيِّر وجهة نظر من حولي بنا نحن النساء».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها