× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

تعلم الفلسفة في سوريا: سقراط على باب الفرن!

حكاياتنا - حشيش 02-01-2021

شيئاً فشيئاً، انتشر همس بين الحاضرين عن كون صاحبنا، هو الفيلسوف اﻷشهر سقراط! التفتت رؤوس الجميع صوبه، إذ ليس من حسن الحظ المتكرر أن تشاهد فيلسوفاً حقيقياً يقف أمام باب الفرن، معظمهم يعيش في برج عاجي. فكيف إذا كان الفيلسوف المتطوبر هو سقراط شخصيّاً!

الرسم: (Ahmad Rahma - كارتون موفمينت)

كنا أمام الفرن وقت الظهيرة من يوم الجمعة، حين وصل رجلٌ سبعيني يمشي بهدوء، مستعيناً بعكاز خشبي، ومرتدياً معطفاً عسكرياً مهترئاً.

كان أشعث الشعر بعينين حزينتين، مبلّلاً بالمياه من أعلاه إلى أسفله، رغم أن السماء لم تكن ماطرة. 

وقف الرجل إلى جوارنا حاملاً بطاقته الذكية، ومثل كل المواطنين الصالحين اصطف في طابور الرجال المدنيين، وكان طابوراً طويلاً. 

لفت انتباه الجميع أنه كان حافياً، وكان يتمتم بكلام غير مفهوم، بدا أنه يوناني على فينيقي. 

أثارت حالته تعاطف الموجودين، وحين حاول الشخص الواقف أمامه إعطاءه دوره، رمقه بنظرة ساخطة، وبقي في مكانه.

شيئاً فشيئاً، انتشر همس بين الحاضرين عن كون صاحبنا، هو الفيلسوف اﻷشهر سقراط. 

التفتت رؤوس الجميع صوبه، بمن فيهم نحن معشر النساء، إذ ليس من حسن الحظ المتكرر أن تشاهد فيلسوفاً حقيقياً يقف أمام باب الفرن، معظمهم يعيش في برج عاجي، (للحقيقة أنا لم أر في حياتي برجاً من هذا النوع، ولا أعرف ماذا يعني ذلك)، فكيف إذا كان الفيلسوف المتطوبر هو سقراط، الذي سيموت يوماً ما دفاعاً عن الحقيقة؟!!

وﻷنه فيلسوف، ومعظمنا لا يفهم ماذا يريد الفلاسفة من الناس، غير وجع الرأس وقلة الواجب، فقد تبرع الشخص الذي أراد إعطاءه دوره، وسأله سؤالاً فلسفياً: «من أين جئت؟». 

كان سؤالاً ذكياً بالفعل.

بعد صمت قصير، أجاب سقراط بثقة، ومن دون أن ينفث دخاناً من غليونه، لأنه لا يدخن: «جئتُ من العالم». 

لم نفهم من أين أتى، وأي عالمٍ يقصد. 

لم أكن لأستغرب لو أنه قال إنه هاربٌ من البيت، أو قادمٌ من طابور المازوت في حارته، أو طابور السكر والرز والزيت أمام مؤسسة التجارة القريبة، رغم أنه في الواقع يبدو قادماً من خناقة كبيرة مع مرته (زوجته بالعربي)، صبّت فيها ماء طشت الغسيل فوق رأسه، بعد أن رفض أن يناولها ثمن كيس «دوا الغسيل» بحجة التقليل من الصرف، على الأرجح.

كان سقراط يمشي حافياً نكايةً بصانعي اﻷحذية حسب قوله. (المحررة: كلام غير صحيح، السبب ارتفاع ثمن اﻷحذية من هديك الأيام). لم يكن موظفاً (المحررة: راحت عليه المنحة)، وكان أباً لثلاثة أبناء لا نعرف عن مصيرهم أي شيء، وفوق ذلك كان يرفض تقاضي المال لقاء دروس الفلسفة الخصوصي، في ساحات أثينا.

الحقيقة أنه يستأهل اللوم كثيراً، فلو تقاضى مالاً عن دروسه لاستطاع تأمين دوا الغسيل بسهولة ويسر، ولما كان علق عشرات المرات بلسان زوجته، زنتيب، السليط.

لم أستغرب أيضاً أنه وقف بيننا سعيداً في الطابور. فهو كان يقضي معظم وقته خارج منزله المتهالك، هرباً - كما يقول - من نقاره الدائم مع زنتيب، وطلباتها التي لا تنتهي. 

هو في الحقيقة، كان مهملاً لواجباته المنزلية، وكان بخيلاً، وبحجة التوفير لم يكن يستحم أكثر من مرة في الشهر، ويرتدي الملابس نفسها بلا غسيل.

بدأ الطابور بالتخلخل بعد أن وصلت سيارة مفيمة، وترجل منها شخصان، اخترقا الصفوف، ووصلا في ثوانٍ إلى الكوّة التي تخرج منها أحلامنا ساخنةً، فيما كان سقراط يحدّق بهما. 

أثناء عودتهما من الغزو، ضرب كتف أحدهما بكتف سقراط، فسقط أرضاً، (المحررة: قصدك سقراط طبعا). اكتفى الجمهور بالتحديق فيهما بغضب، ومن دون أي احتجاج معلن. 

لم تستطع هذه الحادثة تعكير سعادة سقراط، ولو أن أحدهما توقف ليعتذر له، لبادره سقراط برحابة صدر بقبول الاعتذار، فـ«السعادة تأتي من الإخفاق دائماً»، حسب رأيه الذي سينقله عنه في زمن آخر فلاسفةٌ آخرون.

وخلافاً لما كنتُ أسمعه عن حب سقراط الشره لطرح اﻷسئلة على الناس، واستدراجهم ليقعوا في فخاخ كلامه، ودفعهم بحديثه إلى اتخاذ موقفين متناقضين من السؤال نفسه، كنت أراه هنا هادئاً، يمشي باتجاه الكوّة كأنه ذاهبٌ للمشاركة في عرس صديقه الأقرب، كرتون.

قال سقراط إنه جاء من العالم، مؤكّداً على أننا «لا يجب أن نشعر بالإحراج بسبب مصائبنا وبلاوينا، سواء كان مصدرها الحكومة، أو البطاقة الذكية، أو حياتنا المنكوبة بكل تفاصيل الضياع والتعاسة، أو حتى زوجاتنا الغاضبات»، رغم أن هذه العبارة اﻷخيرة تُبرّئه من مسؤولياته تجاه بيته وعائلته، وهو ليس بريئاً.

«علينا أن نشعر بالسعادة في أي ظرف كان، فاﻷمور جميعها سوف تنتهي في يوم ما إلى خانة الوهم، ما نعيشه وَهْمٌ، الملكيةُ وَهْمٌ، جميع مصائب حياتنا وَهْمٌ، علينا تجاوزه بحثاً عن الحقيقة، وحتى هذه المفردة عصيّةٌ على الإدراك دائماً، إذ ما الذي يمكن أن يكون أفضل: علقة مع اثنين من البغال؟ أم الحصول على ربطتي خبز ساخن؟». ختم سقراط حديثه، والسعادة تشرشر من معطفه وعينيه، فيما كان يقفل عائداً إلى زنتيب، لمناقشتها في أمر تدبير مازوت ليوم عيد الميلاد.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها