× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«بيتنا الصغير انفجر»: عن الشتات الذي حوّل عائلة سوريّة إلى «أمم»!

حكاياتنا - خبز 10-01-2021

منذ انطلقت «التغريبة السورية» قبل سنوات طويلة، تفرّقت عائلاتٌ كثيرة. وفضلاً عن العائلات التي خسرت أفراداً، هناك عائلات لا يزال جميع أفرادها على قيد الحياة، لكنّ كلّاً منهم يعيش في بلد مختلف. «ينشغل كل منهم بحياته الخاصة، اللغات مختلفة، والثقافات مختلفة، وشكل الحياة أيضاً»، كما يصف شادي حال عائلته

الصورة: (Corey Oakley - فليكر)

يراقب شادي (اسم مستعار) هاتفه الجوال، ويقلّب بين تطبيقات التواصل. بات الهاتف الوسيلة التي تجمعه بالأقارب والأصدقاء ممن غادروا سوريا قبل الحرب وخلالها، واستقروا في دول مختلفة، ليحصل كثير منهم على إقامات دائمة، وبعضهم على جنسيات تلك البلدان. 

يجلس الشاب قرب أمه في بيتهم المستأجر في دمشق، ويريها صورة جديدة لأخيه الذي يعيش في ألمانيا، يظهر فيها حاملاً طفلاً صغيراً. «حلوة هالصورة، هانت، شوية وقت وبياخدو الجنسية الألمانية، وبصير عندك حفيد ألماني كمان»، يقول لها.

دفعت الظروف شادي إلى الابتعاد عن عائلته التي تعيش في إدلب، فقد كان يعمل قبل الحرب في دمشق. مع اشتداد المعارك، قررت عائلته السفر إلى تركيا، حيث تفرق أفرادها بين الولايات التركية، قبل أن يشق كل فرد منهم طريقاً خاصاً، ويستقرون في بلدان مختلفة.

يستذكر ابن محافظة إدلب قريته الصغيرة، وأشجار الزيتون في أرضهم التي لا يعرف عنها شيئاً في الوقت الحالي، كما يستذكر الحي الذي كان يقطنه.

يقول «كان أعمامي هم جيراننا، وأخوالي يقطنون في حي محاذ لحينا. كان منزلنا يمتد على مساحة تبلغ نحو 300 متر مربع، مجموعة من الغرف المتلاصقة قمنا ببنائها بشكل تدريجي، كنا نبني غرفة لكل شاب يقبل على الزواج، كان بيتنا عبارة عن حي مصغّر».

من ذلك المنزل الذي تتزاحم فيه الغرف، وتضج ساحته بأطفال العائلة الكبيرة، خرج الجميع تباعاً نحو الشتات، وتفرقوا بين دول مختلفة. «لدي أبناء عمومة يعيشون في فرنسا، وأصبحوا يتقنون اللغة الفرنسية، وآخرون في كندا بقسميها الفرنسي والإنكليزي»، يقول شادي، ويضيف: «إخوتي الأربعة متفرقون بين ألمانيا وهولندا وبلجيكا والسويد، لا أعرف الأسباب التي دفعت كلاً منهم إلى السفر إلى بلد مختلفة، لكنني أعتقد أنهم مرتاحون حيث هم».

يقول شادي: «مع كل عام يمر تزداد المسافة بيني وبين أشقائي بعداً، ويكبر فراقنا. سنغدو بعد سنوات قليلة غرباء، ينتمي كل منا إلى أمة مختلفة»!

يتصفح شادي تطبيق «واتس أب» على هاتفه: «لدي نحو ستّ مجموعات مختلفة للعائلة. هذه المجموعة لي ولإخوتي فقط، وهذه المجموعة أكبر بعض الشيء تضم إضافة إلى إخوتي بعض الأقارب، وهذه المجموعة تضم معظم أقاربي»، يقول الشاب، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء، ويضيف: «لا يعرف أبنائي أعمامهم وأبناء أعمامهم جيداً، يتواصلون معهم في بعض الأحيان، ولكنهم ليسوا أصدقاء، من الصعب عليهم إنشاء علاقة قوية في ظل هذه الظروف».

لا يقتصر الأمر على من بقي من أسرته في سوريا فقط، فحتى إخوته وأبناؤهم الذين يعيشون في أوروبا «أصبحوا غرباء عن بعضهم، ينشغل كل منهم بحياته الخاصة، اللغات مختلفة، والثقافات مختلفة، وشكل الحياة أيضاً»، وفق تعبيره.

يروي شادي أنه في إحدى المرات شارك نكتة على مجموعة العائلة عبر «واتس أب» حول البطاقة الذكية، فلم يفهم معظم أفراد عائلته النكتة، وظنوها خبراً، فاضطر إلى شرحها. يقول «قبل سنوات كنا نفهم بعضنا من نظرات عيوننا، الآن لم نعد نستطيع الضحك على نكتة حتى بعد شرحها، أظن أن هذا الأمر بحد ذاته نكتة»، ويضيف: «أقلّب بين حسابات بعض أقاربي على موقع فايسبوك ولا أفهم منها إلا الصور، وبعض المنشورات باللغة العربية. يتبادل كل منهم التعليقات مع أصدقائه بلغات لا نفهمها جميعاً، ويناقشون مواضيع لا نفهمها، بات لكل منّا نمط حياته ومشاغله وأصدقاؤه، وحتى نكاته».

يستعرض صورة أخرى تظهر آثار جدار مدمر. يشرح قائلاً: «هذه صورة أرسلها إلي أحد أبناء قريتي، وهذا جزء من منزلنا الذي تعرض لبعض الدمار، خلف هذا الجدار المدمر كانت توجد ساحة صغيرة تظللها عريشة عنب، كنا نسهر تحتها»، ويتابع: «لست من هواة النبش في الماضي والبكاء على الأطلال، لكنني عندما أشاهد هذه الصورة وأتذكر كيف كنا نعيش معاً، وكيف أصبحت عائلتنا الآن، لا أعرف هل أضحك؟ أم أبكي؟». يرسم ابتسامة ويقول «أصبح عندي أخ ألماني، وآخر سويدي، وثالث هولندي، ورابع بلجيكي»!

يشرد قليلاً وهو يتأمل صورة منزل العائلة، ثم يقول «لا أعرف ماذا حل ببقية الدار، ولا أعرف ماذا حل بتلك الدالية. لا يهم، فالدار لا تعني شيئاً في ظل غياب سكانها، بيتنا الصغير انفجر، وطار سكانه بعيداً، ليسقط كلّ منّا في بلد»، ويضيف: «مع كل عام يمر تزداد المسافة بيننا بعداً، ويكبر فراقنا، سنغدو بعد سنوات قليلة غرباء، ينتمي كل منا إلى أمة مختلفة»!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها