× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«الرسالتان المتطابقتان» تقليد عريق!

عقل بارد - أوراقنا 15-02-2021

في هذه الحلقات الجديدة من سلسلة تاريخ الفساد في سوريا، نستعرض ممارسات الحكومة السورية نهاية اﻷربعينيات تجاه قضية فلسطين، التي عشنا على اعتبارها «قضية العرب المركزية» لعقود. نتوقف عند بعض تفاصيل الأداء السياسي المتعلق بهذه القضية، ونميل إلى تصنيفها في خانة الفساد السياسي

الصورة: (موقع التاريخ السوري)

برغم أن معظم التصنيفات تربط بين الفساد وبين المنفعة المالية فحسب، كما نجد مثلاً في معجم أوكسفورد الذي يعرّف الفساد بأنه «انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة»، نظن أن اختصار الفساد بقضايا تتعلق بالرشى والمنافع المادية، وما شابه ذلك، لا يبدو لنا سلوكاً دقيقاً.

نعيد التذكير هنا بأننا في هذه السلسلة لا نحكم على أحد حكماً مبرماً، ولا ننصب أنفسنا قضاةً. ولكنّ هناك مفاصل في تاريخنا، يبدو النأي عن الخوض فيها - أقلّه أمام ما يتوافر من وثائق - واجباً لا نريد التهرب منه، خاصةً في شأن قضية «ضاعت؟» وضيّعت معها أعماراً كثيرةً.

كما نود التذكير كذلك، بأن سلسلتنا لا تكتسب قيمتها الأهم، بغير تلقي الردود على محتواها. ونشجّع القراء والمتابعين، ومن لديهم أي معلومات أو أفكار تساعد على المضي قدماً في هذه السلسلة، وصولاً إلى الوقت الحالي، على التواصل معنا عبر إرسال قراءاتهم النقدية وغير النقدية، سعياً إلى تضافر جهودنا في كشف ما تيسّر من صور الفساد، على امتداد أكثر من سبعين عاماً من تاريخ سوريا.

البكاء على روزفلت

شهدت سنوات ما قبل استقلال سوريا، مجموعة من اﻷحداث التي أرخت بظلالها الثقيلة على الحياة النيابية والسياسية في البلاد. أبرزها كان سلخ لواء إسكندرون مع بداية الحرب العالمية الثانية العام 1939، ثم افتتاح البريطانيين سياسات المحاور في المنطقة بغاية الوقوف ضد «الخطر الشيوعي» مع نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945. 

دعمت بريطانيا أفكاراً حول «سوريا الكبرى» من دون أن تنسى تضمينها أن «وجود دولة يهودية» سيساهم «في درء الخطر اﻷحمر» كما ورد وقتها في كبرى الصحف البريطانية (مثل التايمز). وفي سبيل مناقشة المشروع التقى الرئيس السوري شكري القوتلي، رئيسَ الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، ووزير الخارجية أنتوني إيدن في القاهرة، ثم التقى عاهل المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز، والملك فاروق، ملك مصر.

عقب عودته إلى البلاد أعلن القوتلي في خطاب أمام البرلمان في جلسة 26 شباط 1945 رفض المشروع.

في تلك الجلسة أعلنت سوريا الحرب على دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان)، فـ«لا يجوز أن نتأخر عن إعلان الحرب لأنه تُنتظر منه ثمرات لا بد مـن جنیھا، وھـو يساعد على سرعة استلام الجیش وتسلم قیادته، لأن الحلفاء ھم الـذين يسیطرون على الأحوال السیاسیة في ھذا الشرق، ولھم الكلمـة العليـا في أكثر المواضیع، وسیجدون وسیلةً لمؤازرتنا بصورة جدية إذا كنا مساھمین في المجھود الحربي»، بتعبير فارس الخوري. وبعد وقت قصير (شهر آذار) تم توقيع ميثاق جامعة الدول العربية.

في جلسة 14 نيسان 1945 «أقام البرلمان السوري مناحة بعد وفاة الرئيس اﻷميركي، (فرانكلين) روزفلت، الذي أعلن في تصريحات متعددة تأييده للمطامع الصھیونیة في فلسطین، استھلھا جميل مردم رئیس الوزراء بالوكالة بكلمة رثاء غارقة بالدموع، ثم تبعه بقیة الخطباء الثكالى. ومن أغرب الأمور في حياتنا العربية المعاصرة أن ھذه الظاھرة العجیبة تكررت ـ وعلى نحو أوسع ـ عند مقتل الرئيس الأميركي جون كينيدي بعد ذلك بحوالى عشرين سنة»، وفقاً لتعبير أكرم الحوراني في مذكراته.

قصف البرلمان: إهمال معلومات؟

في شھر تموز العام 1945، كانت فرنسا قـد سلمت جميع الثكنات العسكرية إلى الحكومة السورية. وأصبح الجیش السوري بكامله تابعاً للحكم الوطني، وفي جلسة مجلس النواب المنعقدة في 14 آب، برر رئيس المجلس سعد الله الجابري، ما حدث في مجزرة البرلمان في 19 أيار بقوله: «لقد فاجأنا الاستعمار الفرنسي بضربة غدر مساء 29 أيار 1945 في الساعة السابعة إلا خمس دقائق»، وبذلك أخلى مسؤولية الحكومة عما جرى، وهي التي أُبلغت من قبل جهات عدة بأن الحكومة الفرنسية ستضرب دمشق، لكنها أهملت تلك التحذيرات. كان الجابري عندما وقع العدوان في فندق الشرق، ولكنه تمكن من الهرب إلى لبنان في اليوم نفسه، مستعيناً بالسفير السوفياتي في دمشق. 

رغم الاهتمام الشـعبي بقضية تھريـب الیھود مـن البلاد العربیة وعبرھا إلى فلسـطين، فإن حكومة دمشق، بدلاً من أن تتصدى لتلك العملیات، كانت تتصدى للصحف بسلاح «التعطيل الإداري»

في شهر آب نفسه تشكلت حكومة جديدة برئاسة الجابري، وعند تقديمه البيان الحكومي ذكر أن المجلس النيابي قد خصص فـي السابق نصـف ملیون لیرة، لتوزع علـى منكوبي حوادث العـدوان الفرنسـي. كما تألفت لجان شعبیة لجمع التبرعات فـي المحافظـات، كما تلقت الحكومات تبرعات من مختلف البلاد العربیة، وقد مضى على العدوان سبعة أشـھر من دون أن يوزع منھـا قـرش واحد على المنكوبين. كان ھذا الموضوع أول ما أثاره النواب لدى مناقشتھم البيـان الوزاري. واعتذر الجابري بأن «الحكومة لم تفتح الاعتماد المرصود، أما التبرعات التي أرسـلت مـن مختلف البلدان العربيـة فھناك لجنة ستطبع كتیبـاً توزعه على الناس يفھم منه على من وزعت ھذه الأموال». وحين سأله نوّاب: 
- ولمن وزعت ھذه الأموال؟
كان ردّه: لا أعلـم! 
بعـد المناقشة وعـد الجابري بإجراء تحقيق وإعطاء الجواب، أما قضية فلسطين التي كانت قد أصبحت الشغل الشاغل للناس، فإنها لم ترد في البيان الحكومي ولم تضع الحكومة أية خطة عملية للتدخل في هذه المسألة.

التهريب إلى فلسطين

في تلك المرحلة، كان عدد من أجھزة المخابرات يقوم بأخطر عمليـة سيكون لھـا دورھـا الحاسـم فـي معركـة العام 1948، وهي تهريب اليهود من البلاد العربية وعبرها إلى فلسطين. كانت تلك اﻷجهزة تعمل بكل راحة وحرية، ولا يتصدى لها أحد من سدنة اﻷجهزة اﻷمنية.

نشرت جريدة النصر، بتاريخ 14 تشرين اﻷول، رسالة مواطن من درعا يقول بضرورة «مراقبة القطارات وبث العيون والأرصاد في الطرق التي تسلك إلى فلسطین، لنمنع وصول الیھود إلیھا، بعـد أن استفحل أمر التھريـب وأصبحت عصابات المھـربین تعمـل علناً، وتقبض 40 جنیھاً فلسطینیاً عن كل يھودي يريـد دخول فلسطین خلسة». 
«لم تكن ھذه الفضيحة محصورة في نطاق سوريا فحسب، بل إنھا كانت مبعث استنكار الشـعب العربـي فـي جميـع أقطاره، فقـد جاء مـن بیروت في 11 تشـرين الأول أن الصـحف اللبنانية أجمعت على استنكار العمـل الـذي اعتقل بسببه النائـب رفعـت قزعون، وطالبت بضرورة كشف الستار عن عملائه وزملائه في ھذا العمل الجرمي بتھريـب الأسلحة والیھـود إلى فلسـطين (...) وقد احتج النائب قزعون بأن الأسلحة التي وجدت لديـه تخص شخصـاً اسمه إبراھیم الكنج، من اللاذقیة، وھو حمو المـتھم». وكتب حبيب جاماتي في جريدة «المصري»: «ثبت لدينا أن في سوريا ولبنان، أشخاصاً كانوا ولا يزالون في مناصب الـوزارة، أو في مناصب كبيرة أخرى، أو في المجلسين النیابیین، لا شغل لھم غیر تھريب الیھود والأسلحة إلى فلسطین، فضلاً عـن انصرافھم إلى زراعة الحشيش وتھريبه أيضاً إلى مصر».

ورغم كل الاهتمام الشـعبي بقضية تھريـب الیھود مـن البلاد العربیة وعبرھا إلى فلسـطين، فإن حكومة دمشق، بدلاً من أن تتصدى لشبكات المخابرات التي تدير ھذه العملیات الواسعة، كانت تتصدى للصحف بسلاح «التعطيل الإداري»، وتنشـر البلاغات التي تكذّب عملیات التھريـب.

في أواسط شھر شباط 1946، أصدرت الحكومة البريطانیة قراراً بالسماح بدخول 1500 يهودي شھرياً إلى فلسطین، كان مجلس النواب وقتها يعقد جلستین يومياً لمناقشة الموازنة، وقد أرسل المجلس برقية استنكار وتنديد إلى مجلس العموم البريطاني، وأخرى إلى الكونغرس اﻷميركي. 
هل اتضح اﻵن، كيف بدأت فكرة الرسالتين المتطابقتين؟!

تنويه ومراجع

المعلومات الواردة في هذ السلسلة موثقة، حتى إننا في بعض اﻷحيان ننقل بالحرف من دون تغيير يذكر، وللراغبين بالعودة إلى تلك اﻷحداث وقراءتها بالتفصيل الممل العودة  إلى الكتب والصحف التالية:

مذكرات خالد العظم في ثلاثة أجزاء ـ صدرت عن الدار المتحدة للنشر ـ الطبعة الثانية ـ 1972 ـ بيروت.

مذكرات أكرم الحوراني ـ صدرت عن مكتبة مدبولي ـ في القاهرة ـ في أربعة اجزاء من دون تاريخ نشر، لكنها وفق المقدمة كتبت آواخر العام 1972.

ما كتبه أحمد عبد الكريم في كتابه أضواء على تجربة الوحدة ـ وقد صدر في دمشق عن دار اﻷهالي 1962 ثم أعيد طبعه ثانية عام 1991.

ما كتبه محمد اسماعيل هوّاش في كتابه «تكوّن جمهورية» ونقل فيه وثائق الاستخبارات الفرنسية المفرج عنها بعد مرور أكثر من 90 عاماً على تسجيلها ـ صدر عن دار السائح ـ طرابلس لبنان ـ 2005.

ما كتبه حنا بطاطو في كتابه «فلاحو سوريا»، الصادر صدر عن المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات في بيروت ـ بترجمة عبد الله فاضل ورائد النقشبندي ـ عام ـ 2014 . 

بعض الصحف السورية في القرن الماضي ومنها اﻷيام ـ الشعب ـ نضال الشعب ـ البعث ـ الطليعة ـ وغيرها.

نرحب، كل الترحيب، بأي إضافة أو تعليق أو تصحيح إن وجد.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها