× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مخيمات الشمال: الموت والمذلّة!

حكاياتنا - خبز 22-02-2021

بعد شهور قليلة يصبح عمر أقدم المخيمات السورية عشرة أعوام. المخيمات الأولى، التي قيل إنها مؤقتة، فرّخت لاحقاً عشرات المخيمات، وأخذت أحوالها بالتردّي عاماً بعد عام. ومع تزايد عدد المهجرين من مختلف المناطق السورية، نشأت مخيمات أخرى عشوائية، أكثر سوءاً من تلك المخيمات المنظّمة، السيئة

الصورة: (Sidhe D'Mento - فليكر)

«بحب الشمس، مو لأني بحبها، بس لأني بخاف من الشتا والبرد والعواصف». هي جملة لافتة قالها لنا الطفل عمران، في سياق حديثه عن ظروف معيشته. 

يعيش عمران مع أفراد عائلته في مخيم أطمة، منذ نزوحهم من ريف حلب الجنوبي. يقول الطفل البالغ من العمر 12 عاماً: «لا يمكننا حتى الحصول على الخبز عندما تمطر، لأن الطرقات تكون مقطوعة. أتعذب كثيراً تحت المطر، وبين الوحول للحصول على الخبز».

ويضيف «لا أحب المطر، أخشى رؤية السحب السوداء لما تسببه لنا من كوارث».

المسلسل مستمر

ما يقوله عمران، هو غيض من فيض عذابات السوريين، قاطني المخيمات، منذ سنوات طويلة، وحتى اليوم. وعلاوة على كل الظروف غير الإنسانية التي تحكم حياة المخيمات، يجلب الشتاء معه مصائب إضافية كل عام، إلى حد باتت معه المسألة «نمط حياة» لا يبدو أن هناك أملاً في تغيره، في ظل قلة الدعم، وضعف البنى التحتية الأساسية.

يتحدث خلدون (اسم مستعار) عقب ليلة ماطرة. يقول: «لم أستطع النوم طوال الليلة الماضية بسبب صوت المطر على سطح الخيمة التي أسكنها، لا لأن الصوت مزعج، بل لأنني أخاف أن يرتفع منسوب المياه داخل الخيمة، فنغرق مرة أخرى».

ويضيف «كما أن استمرار المطر يعني أنني لن أستطيع الذهاب إلى مكبس البلوك الذي أعمل فيه لتأمين لقمة العيش لزوجتي وأطفالي، ولن يتمكن ابني أمجد، ذو الأعوام العشرة من الخروج تحت المطر لجمع أي شيء يمكننا إحراقه داخل المدفأة».

هناك أكثر من 140 مخيماً معرضاً للأذى، وأكثر من 23 مخيماً معرضاً للغرق، جراء السيول والأمطار في إدلب وحلب. وتقول تقديرات إن عدد قاطني مخيمات الشمال السوري قد يقارب مليون نسمة

أم محمد، مهجّرة تسكن مخيم اللطامنة، في ريف إدلب الشمالي، على مقربة من الحدود. تقول «أعيش أنا وأولادي الستة في خيمة واحدة وليس لدينا معيل. قُتل زوجي في غارة جوية قبل عامين. حين تهب الرياح يكون من مهماتي أن أربط الخيمة بيدي، وأحاول تثبيتها بالحجارة من كل الجهات».

تضيف السيدة: «المنظمات لا تزودنا بالتدفئة، لذلك نجمع من مكبات القمامة كل ما يحترق، ونقوم بتحويل الحاويات البلاستيكية إلى وقود للتدفئة. كذلك، لا يساعدنا أحد في تصريف مياه الأمطار التي تغمر خيامنا».

وكان الشمال السوري قد شهد قبل فترة وجيزة حلقة جديدة من مسلسل مكرر: عواصف مطرية بهطولات غزيرة، فانجراف خيم، وانهيار عشرات المساكن المؤقتة إثر سقوط جدرانها المبنية من «البلوك»، وأسقفها النايلونية.

ومع تساقط الثلوج، وموجات الصقيع، حذر فريق «منسقو استجابة سوريا»، من أوضاع إنسانية سيئة تواجه النازحين السوريين في المخيمات، بالتزامن مع انخفاض كبير في درجات الحرارة في مناطق مختلفة من ريفي إدلب وحلب، وأشار إلى أن «المنظمات الإنسانية باتت عاجزة كلياً عن تقديم الدعم الإنساني اللازم للنازحين».

وفي وقت سابق تحدثت الأمم المتحدة، ومنظمات إنسانية عن الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون في شمال سوريا خلال فصل الشتاء، لا سيما مع تراجع المساعدات الإنسانية المقدمة لهم. ويوجد أكثر من 140 مخيماً معرضاً للأذى، وأكثر من 23 مخيماً معرضاً للغرق، جراء السيول والأمطار في إدلب وحلب. وتقول تقديرات محلية إن عدد قاطني المخيمات في الشمال السوري، قد يقارب المليون نسمة.

لا حلول

يشتكي أبو أحمد (٤٣ عاماً) من قلة الدعم الذي تقدمه المنظمات الإنسانية، ويتخوف من اضطراره وأسرته إلى مغادرة المخيم العشوائي.

يقول «نزحت من ريف إدلب الشرقي. فقدت عملي، وهربت حاملاً بعض أغراض منزلي. لم أجد متسعًا في المخيمات، فأنشأت خيمتي بين أشجار الزيتون ضمن تجمع للخيام على طريق مدينة سرمدا، في ريف إدلب الشمالي».

ويضيف «كل شهر، أو شهرين، تصلنا مساعدات إنسانية من المنظمات، هي عبارة عن بعض المواد الغذائية من سكر وأرز وبرغل، وتكفينا بضعة أيام فحسب. هي – رغم قلتها – أحد أسباب بقائنا في هذا المخيم، واليوم نحن أمام مشكلة جديدة، فصاحب الأرض التي أنشأنا عليها هذه الخيم يطالب بأرضه ليستفيد منها. ليس أمامنا خيار إلا الانتقال، كأن قدرنا أن نمضي حياتنا من نزوح إلى نزوح».

عبد الحكيم (٤٢ عاماً)، نازح من قرية معرة حرمة، بريف إدلب الجنوبي. يقول لـ«صوت سوري» إن «المخيم الذي أسكنه في بلدة قاح، غير مؤهل للسكن. وكثيراً ما أمضت عائلتي لياليها بالتنقل من خيمة إلى أخرى، أو نقل الخيمة من مكان إلى آخر، إلا أن هذه المحاولات لا تمنع مياه الأمطار من الدخول إلى الخيم. لقد ضاقت بنا السبل فعلاً».

يقول الطفل عمران: «بحب الشمس، مو لأني بحبها، بس لأني بخاف من الشتا والبرد والعواصف. عندما تمطر، تُقطع الطرقات وأتعذب كثيراً تحت المطر، وبين الوحول، للحصول على الخبز»

ثمة سؤال يتكرر طرحه من قبل كثيرين لم يعايشوا ظروف سكان المخيمات، ولا يعرفون شيئاً كافياً عن تفاصيلها، وهو: «لماذا لا يغادرون المخيمات إلى أماكن أخرى»؟ 

ننقل السؤال إلى عبد الحكيم، ليشي جوابه بأن فكرة السكن في مكان ليس مخيماً أشبه بحلم، لا يخطر في باله.

تنحصر إجابة الرجل في إطار المخيمات، لأسباب لا يصعب تخمينها، ففقدان المسكن، والتهجير إلى مناطق جديدة، يعني أن تقطن المخيم، أو تكون لديك المقدرة المالية على تكبد كلفة الإيجارات التي لا ترحم. 

يقول عبد الحكيم: «لا نستطيع الانتقال إلى مخيم آخر بشكل عشوائي. تلقينا وعوداً من منظمات عدة تقوم حالياً ببناء مخيمات منظمة، لا تتجمع فيها مياه الأمطار والسيول، ما مر علينا ليلة أمس يشبه النزوح مرة ثانية، بعدما كانت الأولى خروجنا من بيوتنا وقرانا».

تسكن خلود (30 عاماً) مع أبنائها خيمةً لا تتجاوز مساحتها ستة أمتار، في مخيم المدينة المنورة، في قرية باريشا، شمالي إدلب. يغمرها الحزن عندما تعود بها الذاكرة إلى بيتها المؤلف من ثلاث غرف في قرية كفرنبل، الذي تركته عندما سيطر الجيش السوري على المدينة. 

تقول: «أنا مجبرة على البقاء في المخيم. بعد وفاة زوجي تقدم لنا إدارة المخيم سلة غذائية شهرياً، وكفالة يتيم مقدمة من أهل الخير». وتضيف «أكثر ما يقلقني حاليا هو أطفالي، فهم يعانون من أمراض الشتاء كالزكام وسوء التغذية، مع الضعف الواضح في العملية التعليمية، أخاف عليهم من المرض، فالدواء غالٍ، واشتد خوفي بعد وفاة جارنا بفايروس كورونا. أشعر بقهر دائم على أطفالي، فأنا لا أستطيع أن أقدم لهم ما يريدون».

وحتى اليوم، لا يبدو أن هناك حلاً جذرياً لمشكلات سكان المخيمات، بل إن الأمور تزداد سوءاً عاماً بعد عام. والواقع أن معالجة هذا الملف غير ممكنة بالإغاثة والمعونات (حتى ولو لم يُسرق منها شيء)، فلا قطع القماش واقية من برد الشتاء وحر الصيف، ولا المنظمات والجمعيات قادرة على تغطية حاجات جميع المخيمات.

أما الحلول النافعة، فيبدو الحديث عنها نوعاً من الترف. كيف لا، وأبسط تلك الحلول (وقف التهجير والنزوح) غير ممكن حتى الآن؟ بل يبدو أننا بدلاً من ذلك، على موعد مع موجات نزوح جديدة، بدأت في مدينة الباب، في ريف حلب الشرقي.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها