× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الرفيق الحقيقي!

حكاياتنا - حشيش 08-03-2021

بعد سنوات عدة، وبعد أن بهتت وظيفة كتابة التقارير وأصبحت أقل رواجاً، تناسى الناس أصحاب الفضل والقامات الوطنية الجليلة «كتّاب التقارير» القدامى، الذين ضحوا بالكثير من وقتهم لأجل الوطن وأمنه

الرسم: (Vladimir Kazanevsky - كارتون موفمينت)

عاش في منطقتنا رفيق مناضل، كان علماً من أعلام أحد أكبر الأحزاب السورية. (المحررة: على أساس يعني في كذا حزب كبير، وتعددية وكذا). 

كان الرفيق إيّاه، يملك من «الهيبة» ما يجعل وجوده في أي قرية مثار رعب لسكانها. 

كان سلاحه قلمه، يمتشقه في كل الأوقات تقريباً. 

«مآثر» الرفيق كثيرة وشهيرة، فمثلاً عند سماعه عن أحد يريد التقدم لوظيفة في القطاع العام، كان «يخدمه» بتقرير من أنامله الذهبية يجعل الوظيفة حلماً سهل المنال، مثل الوحدة العربية.

وإن علم أن أحداً يريد توسعة داره، نسج له تقريراً من الحرير حول عدائه للاشتراكية...

حلُم ابن جيراننا بدخول الكلية العسكرية، لكن الحلم تبدد بعد أن سمع صاحبنا بذلك، فرفع تقريراً فيه، يؤكد أنه «من مؤيدي الحكم القديم»، برغم أن الفتى كان في التاسعة عشرة من عمره.

قاطعه أهل زوجته بشكل كامل، بعد أن تسبب بسجن ابنهم، لأنه كان من منتسبي رابطة عمل محظورة (بلا ذكر أسماء)، كان الشاب منسياً من قبل السلطات، لكن التقرير الفريد أعاد التذكير به، ليسجن سبع سنوات، ويخرج في أواخر الثمانينيات.
لم يكن الأمر مقتصراً على قريتنا فقط، بل امتد أثره إلى المناطق المجاورة، ووصل رعبه إلى خارج حدود المنطقة التي نعرفها. (حين كبرنا، عرفنا أن لكل قرية رفيقها المناضل الحقيقي، الذي يريد الخير للجميع).

امتلك ذلك الرفيق المناضل جراراً زراعياً، كان من أوائل الحاصلين عليه عبر الجمعية الفلاحية بفضل خدماته الجمة، وكان بعض السكان يطلبون منه حراثة أراضيهم مقابل مبالغ مادية، لكسب رضاه، وتجنب غضبه عليهم.

كان ابن أخيه مقرباً منه ويعمل عنده على الجرار. وحين وثق بقيادته (قيادة الجرار طبعاً، لا تفهمونا غلط)، لم يعد يرافقه، بل يكتفي بانتظار الأجرة.

بعد تعب سنوات في الفلاحة وإصلاح أعطال الجرار المتكررة، وتسلط عمه على الأجر الزهيد الذي كان يناله، قرر الشاب أن يتقدم إلى وظيفة في القطاع العام، ليتنعم يوماً ما براتب تقاعدي. ورغم تقديم الأوراق، واستخدام «الواسطات» الضرورية لهذا الأمر، جاء الجواب مع عدم الموافقة! 

وعقب استخدام «الواسطة» لاكتشاف السبب، كانت الحقيقة - غير المفاجئة - أن العم الفاضل دعم ابن شقيقه بتقرير بديع، يتحدث فيه بإسهاب عن مناهضة الشاب للقومية العربية والحزب، وتبين أنه وزع تقريره على ثلاث جهات أمنية فقط، وذلك لحرصه على القومية العربية.

بعد سنوات عدة بهتت وظيفة كتابة التقارير وأصبحت أقل رواجاً، صارت المهنة مؤتمتة، وتناسى الناس أصحاب الفضل والقامات الوطنية الجليلة «كتّاب التقارير» القدامى، الذين ضحوا بالكثير من وقتهم لأجل الوطن وأمنه، ولو جمعت تقاريرهم لأصبحت مجلدات تستحق أن تُدرس في كبرى الجامعات.

ووسط هذا الجحود واللامبالاة، جاء نبأ وفاة ذلك الرفيق المثالي، فاختلطت مشاعر أبناء القرية والقرى المحيطة (وربما الكون)، بين تذكر مآثره غير المعدودة، وبين كبت السرور والغبطة، والاضطرار إلى الترحم عليه، إذ «لا تجوز على الميت إلا الرحمة».

في يوم ماطر تجمع الناس في المقبرة للقيام بواجب الدفن، جاء ابن شقيقه يقود الجرار نفسه، حاملاً مواد تجهيز القبر، وقبل وصوله إلى البقعة المنشودة علق الجرار في الطين، ربما حزناً على صاحبه! 

لم تفلح محاولات الجميع في تخليص الجرار من الطين. وفجأة، أطلق ابن الأخ صرخة مدوية، تشبه صرخة زوجة أسعد الوراق، وقال: «ما ارتحنا منك بحياتك، ولا بموتك ارتحنا، غمقولوووو».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها