× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

النقل الداخلي في سوريا: منظومة متهالكة بين هِبات وهبّات!

عقل بارد - على الطاولة 12-04-2021

لم تشهد سوريا استقراراً في حركة النقل الداخلي، سواء داخل المدن أو بينها، إلا لسنوات قليلة على فترات زمنية متباعدة، آخرها السنوات التي سبقت اندلاع الحرب التي كشفت هشاشة هذا القطاع

الصورة: (on the street - فليكر)

في العام 1907، احتفلت دمشق بتسيير أول قطار كهربائي للنقل داخل المدينة (ترامواي)، لتكون من أوائل المدن العالمية، وصاحبة ثالث تجربة عربية بعد مصر والجزائر، ولتسبق التجربة التركية (العثمانية) في هذا المجال. بعدها بنحو 20 عاماً، احتفلت حلب بدورها بتسيير الترامواي. 

استمر عمل تلك العربات الكهربائية أكثر من 50 عاماً، قبل أن تأتي عمليات التأميم المتلاحقة، وما تبعها من تغييرات في هيكلية النقل، وتندثر هذه التجربة، وتندثر معها بشكل تدريجي السكك التي ظلت فترة طويلة شاهدة على هذا الحدث.

في العام 2019، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على إعدام التجربة، صدرت تصريحات حكومية جديدة على لسان مدير شركة النقل الداخلي في اللاذقية حول مشاريع مستقبلية لإنشاء شبكة ترامواي كهربائية، لحل أزمة النقل والتنقل داخل المدينة، في حال استقر وضع الشبكة الكهربائية.

«أبو أنف» والـ«هوب هوب» 

كانت الخيول والبغال والحمير هي وسائل النقل المستعملة في سوريا، حتى نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، عندما ظهر القطار الذي عمل على ربط أقاليم بلاد الشام، وصولاً إلى الحجاز وبلاد الرافدين، بالإضافة إلى الترامواي الكهربائي في حلب ودمشق.

لم تكن الطرق معبّدة أو ممهدة في معظم أنحاء سوريا، باستثناء مراكز المدن الهامة، رغم ذلك بدأ تشغيل حافلات النقل التي تعمل بالمازوت، لتحل مكان الترامواي، وتنهي وجوده تدريجياً، وتشكل شبكة مواصلات بدائية، شأنها شأن القطارات التي تركها العثمانيون والفرنسيون بعد رحيلهم.
بعد الاستقلال، بدأت محاولات استثمار وتشغيل الخطوط الحديدية، فيما توقف واحد من أهمها، هو الذي كان يصل سوريا بالحجاز، وتم استثمار وتوسيع الخطوط التي تربط الساحل بالداخل.

جُيرت الخطوط الحديدية بشكل أساسي لنقل البضائع، وحاولت الخطط تشكيل عقدة تمنح الساحل السوري ومرفأيه أهمية مضاعفة، ما يمكن أن يكشفه بوضوح تتبع عمليات بناء وإنشاء وتطوير القطارات والخطوط الحديدية.

في العام 2010 أُعلن عن مشروع مترو دمشق، وكان يفترض أن يمول بنك الاستثمار الأوروبي جزءاً منه بقيمة 400 مليون يورو، والحكومة الفرنسية جزءاً آخر بقيمة 250 مليون يورو

هذه الظروف دفعت بشكل متزايد إلى الاعتماد على حافلات النقل الجماعي، التي يمكن تقسيمها إلى قسمين: الأول داخل المدن الرئيسية الكبيرة، والثاني يربط الريف بمراكز المحافظات، والمحافظات في ما بينها. وظهرت داخل المدن حافلات أُطق عليها شعبياً اسم «أبو أنف» بسبب تصميم تلك الحافلات، الذي وضع المحرك في مقدمة الحافلة.

أما الحافلات التي عملت بين المدن والقرى، فعُرفت باسم «هوب هوب»، كناية عن آلية عملها في ظل عدم وجود مواقف محددة مسبقاً باستثناء نقطتي الانطلاق والوصول، بحيث يضطر المواطنون إلى الوقوف ساعات بانتظارها، ويصرخ ركابها على السائق: «هوب هوب» كي يتوقف وينزلوا.

أموال الحروب..

شكلت حرب تشرين (العام 1973) نقطة مفصلية بالنسبة للبنى التحتية في سوريا. في ذلك العام قدمت دول الخليج إلى سوريا ومصر مساعدات قدّرتها الاستخبارات الأميركية، بـ 2 إلى 3 مليارات دولار، ما يعني بلغة الأرقام اليوم قرابة 20-25 مليار دولار.

لم تتوقف المساعدات الخليجية المقدمة بعد انتهاء الحرب، وجُيّر قسم منها لتدعيم البنى التحتية في سوريا، فشُقت طرق كثيرة، وعُبدت طرق كثيرة أخرى. إضافة إلى بناء عشرات الجسور الصغيرة والمتوسطة، ما رسم بالمجمل خطوطاً أولية لشبكة مواصلات طرقية في البلاد.

تغيرت الظروف في ثمانينيات القرن الماضي، إثر أحداث حماة وما تبعها من عقوبات، وصولاً إلى دخول الجيش السوري إلى لبنان، قبل أن تأتي حرب الخليج الثانية العام 1991 لتوفر انفراجة جديدة! 

أدت مشاركة سوريا (الصورية) ضد الغزو العراقي للكويت، وما تبعها (إعلان دمشق) في عودة تدفق المساعدات الخليجية إلى سوريا، ومصر.

بالتزامن مع تلك المتغيرات، وتحديداً العام 1991، صدر قانون خاص بالاستثمار (القانون رقم 10)، ساهم بدوره في توسيع دائرة الاستثمارات، وكان قطاع النقل أحد القطاعات التي شهدت نمواً، خصوصاً مع نمو السياحة العربية، والخليجية على وجه الخصوص، إلى سوريا.

كذلك، عملت الحكومة على تشجيع الاستثمارات الصغيرة في مجال النقل، عبر تحديد خطوط سير خاصة للميكروباصات التي يملكها ويشغلها أفراد، ما خفف الضغط عن وسائل النقل الحكومية. 

وبرغم الانتقادات التي طالت تلك الميكروباصات (عُرفت باسم «سرافيس») بسبب حجمها الصغير، فقد أمنت حركة تنقل أكثر سلاسة داخل المدن. كما قدمت الحكومة بعض التسهيلات لعمل سيارات الأجرة (التاكسي) التي زاد عددها، ما رفع كفاءة قطاع المواصلات نسبياً، سواء داخل المدن، أو بين المدن والمحافظات المختلفة.

«بالون» الاستثمار وحلم المترو

في الألفية الجديدة، شهدت سوريا سلسلة من المتغيرات، أبرزها خروج الجيش السوري من لبنان، ورفع بعض العقوبات الخارجية، إضافة إلى ظهور استثمارات كبيرة، واقتحام شركات أجنبية الساحة السورية. بعض تلك الاستثمارات في قطاع النقل.

حاولت الحكومة السورية نقل التجربة التركية في الاستثمار، عبر تشجيع الاستثمار بنظام (BOT)، الذي يقدم تسهيلات كبيرة للشركات مقابل فترات تشغيل محددة (بين 10 و50 سنة) قبل تسليم المشروع للحكومة.

قبل أكثر من قرن، كانت دمشق من أوائل مدن العالم التي دخلها الترامواي، وصاحبة ثالثة تجربة عربية في هذا المجال بعد مصر والجزائر

شركات النقل الداخلي التي ظهرت في تلك الفترة جاءت بديلاً عن الميكروباصات، التي تم تحويل قسم كبير منها للعمل في الأرياف، واقتصرت عمليات تنظيم وتطوير قطاع النقل الداخلي والبنى التحتية على المدن الرئيسية فقط.

كذلك أجريت عمليات تطوير لقطاع النقل السككي، ومحاولات إعادة تفعيل دور القطارات في عمليات نقل البضائع، والاستفادة من السكك الحديدية في ربط الغرب بالشرق والشمال بالجنوب، بالتوازي مع منح شركات خليجية استثمارات في مجال الطرق السريعة، وفق نظام «BOT». 
وعلى مدار عقود ترددت تصريحات حكومية حول دراسات لتنفيذ مشروع «مترو دمشق». آخر تلك التصريحات كان العام 2010 حين أُعلن عن المشروع، الذي كان يفترض أن يمول بنك الاستثمار الأوروبي جزءاً منه بقيمة 400 مليون يورو، والحكومة الفرنسية جزءاً آخر بقيمة 250 مليون يورو.

لكن «الحلم» لم يخرج عن نطاق التصريحات، شأنه شأن المخططات التي جرى، ويجري الحديث عنها حول إعادة تفعيل «الترومواي».
مهد العام 2011 لانعطافة جديدة، وتطور الحدث السوري إلى حرب فجّرت (في ما فجرته) بالون الاستثمار في مجال قطاع النقل، الذي نما من دون أسس متينة.

زمن الحرب

ألحقت الحرب دماراً كبيراً بالبنية التحتية، كما سببت توقف معظم شركات النقل الخاصة، ما رمى الحمل في مناطق سيطرة دمشق على كاهل القطاع العام المنهك، وهو الذي كان مقصىً في فترة ما قبل الحرب، لصالح تمدد القطاع الخاص حينها.

اليوم باتت البلاد مقسمة إلى مناطق سيطرة مختلفة، أحد القواسم المشتركة بينها تردي قطاع النقل. وفيما تغيب منظومة النقل العام عن مناطق سيطرة المعارضة، وعن مناطق سيطرة قسد، يختلف الأمر نسبياً في مناطق سيطرة دمشق حيث تحضر الباصات الخضر، التي جاء قسم كبير منها على شكل هبات وهدايا، ولا تغطي إلا جزءاً بسيطاً من احتياجات السوريين.

وتظهر دراسة حكومية أجرتها قبل عام وزارات النقل، والإدارة المحلية، والبيئة، حول واقع النقل الداخلي وضعاً مأسوياً لهذا القطاع. وفضلاً عن الأضرار التي تسببت بها الحرب في قطاع النقل، تركزت شركات النقل في أربع محافظات فقط، مع عدم وجود أي شركة نقل داخلي عامة أو خاصة في ثماني محافظات.

بموازاة ذلك، تسببت الأزمة الاقتصادية الكبيرة، وأزمات الوقود الخانقة، والعقوبات، في خنق ما تبقى من قطاع النقل، وتوقفت حركة النقل في مناطق عديدة. وفي أحدث نسخ الأزمات، أجبرت دمشق على تخفيض نسبة دوام الموظفين في معظم القطاعات الحكومية، وتوقيف بعضها.

في الخلاصة، أكلت الحرب ثمار الحروب السابقة، وفجرت بالون الاستثمار، كذلك التهمت قسماً كبيراً من الخطوط الحديدية التي فككتها وسرقتها «هيئة تحرير الشام» وبعض شركائها. كما أعادت «الهوب هوب» إلى الخدمة، مع صعوبة تأمين الوقود اللازم لتشغيله!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها