× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

في اللاذقية: «إعادة التدوير» حيلة المُعدمين لتأمين ثياب العيد

حكاياتنا - خبز 09-05-2021

لا مكان للمنطق في أسواق الألبسة، جنون الأسعار طابعها الدائم، بجديدها ومستعملها. وباتت فئات كثيرة ترى في إعادة تدوير الألبسة القديمة، وتحويلها إلى قطعٍ مجدّدة حلّاً معقولاً، وبشكل خاص لـ«كسوة الأطفال»

الصورة: (blackcharliepho - فليكر)

لم تجد أم أنس حلاً سوى الجلوس خلف ماكينة الخياطة من جديد، بعد سنوات من تركها بسبب مشكلات صحية في عمودها الفقري.

تأخذ السيدة البالغة من العمر 67 عاماً مقاسات أحفادها الأربعة، قبل أن تنبش في خزانتها بحثاً عن بقايا الأقمشة التي كانت تخيطها قبل سنوات.

تقول أم أنس: «الأدوية اللي باخدها بتهدّ الحيل، وعندي ضعف نظر كمان، صارت الخياطة عذاب بعذاب. مع هيك ما في حل أفضل لنأمن تياب مرتبة، لا في تياب متل الخلق بالسوق، وأسعارها نار، والبالة كمان صارت غالية ولناس معينين نحن مو منهم. جنّ السوق، وجنّوا العالم».

أسواق كاوية

انقطعت أم أنس عن الخياطة نحو عشرة أعوام، قبل أن تعيد تشغيل ماكينتها العام الماضي، وتخيط معاطف وسترات مطرية لأحفادها، وابنيها، وكنتها. 

«بوقتها نزلنا ع السوق وشفت الأسعار، أرخص جاكيت حقو 50 ألف، صورنا الموديلات اللي عجبتون، وجيت ع البيت، قلّبت بالقماش، اشتريت كم متر، وفكيت جاكيتين قديمات عندي، وعملت لهم أحلى جاكيتات»، تقول.

تضيف ضاحكة: «آخر جاكيت قدرت جهزه بعد ما دخل الشتا بشهرين. ابني الكبير موظف وراتبه ما بيكفيه هو وعيلته أكل وشرب، والتاني عنده هالطفلة بعد ما توفت مرته، شو بدهم يلحقو ليلحقو».

لا ترى أم أنس أنّ ما تقوم به حالة نادرة. تؤمن أنها محظوظة كونها تتقن «كار الخياطة» الذي يساعد عائلتها هذه الفترة، وتؤكد أن قسماً كبيراً من الناس في محيطها يقومون بتجديد ثيابهم، أو خياطة ما تمكن خياطته مستعينين بأقمشة قديمة، أو ثياب لم تلبس.

بعد أن أعادت تشغيل ماكينتها سمع بعض الجيران بالأمر، فقصدها عدد منهم يطلب عونها في إعادة تدوير وتجديد بعض الثياب، تقول الجدة: «ما قدرت ساعد، دليتهم على بنتين تعلمو عندي، واتصلت بالبنتين ووصيت بجيراني، دوبي لحق لولادي وأحفادي».

جولة في أسواق اللاذقية كفيلة بفهم أسباب رواج «إعادة تدوير الألبسة». يتراوح سعر البنطال بين 25 ألف ليرة سورية للبضائع الرديئة، و100 ألف للجيدة، ما ينطبق أيضاً على أسعار ملابس الأطفال، ويعني أن شراء كسوة لطفلين سيكلف ثلاثة أو أربعة أضعاف راتب ذويهما الشهري.

والبالة لمن استطاع إليها سبيلا!

في أسواق البالة لا يبدو الأمر مختلفاً، إذ تشهد أسعارها ارتفاعاً غير مسبوق، وفق تعبير أحد التجار في السوق، معيداً الأمر إلى: «ارتفاع أسعار الدولار، وصعوبة وصول البضاعة». ويمنع القانون السوري استيراد البالة، ما يجعل التهريب طريقة وصولها الوحيدة.

وتقسم بضائع البالة إلى أصناف عدة، تبدأ بما يعرف في السوق بـ «سوبر كريم»، أي الملابس التي لم تلبس سابقاً، وهي نتاج عمليات تصفية تقوم بها محلات وشركات عالمية، و«كريم» وهي ملابس قد تكون مستعملة لكنها شبه جديدة، وأخرى مستعملة، ومهترئة أيضاً.

وتفوق أسعار البالة الـ «سوبر كريم» في بعض الأحيان أسعار الملابس الجديدة في الأسواق، فيما تقارب أسعار «الكريم» أسعار الملابس الجديدة، فقد يصل سعر البنطال في محلات البالة إلى 30 و40 ألف ليرة، كما تصل أسعار فساتين الطفلات إلى حوالى 30 ألف ليرة.

أما البالة المستعملة، أو المهترئة، فتتراوح أسعارها بين 5 و10 آلاف ليرة للقطعة، الأمر الذي حول بمجمله البالة وبضائعها من ملجأ للفقراء الذي كانوا يجدون فيها بديلاً عن الملابس الجديدة الباهظة الثمن، إلى «ترف» لا يمكن التنعم به في كثير من الأحيان.

هناك أيضاً محال خاصة بـ«الأحذية الأوروبية»، وهو تحايل لفظي على تسمية «بالة». وتفوق أسعار الأحذية الرياضية من الماركات المعروفة عالمياً أسعار الأحذية الجديدة في سوريا، وبرغم أنها مستعملة فإنّ جودتها تدفع الكثيرين إلى شرائها، أو التفكير بذلك.

عند إحدى بسطات البالة المتواضعة تتزاحم مجموعة من الأشخاص حول سلة فيها ثياب متنوعة، والبائع ينادي معلناً أن القطعة بأربعة آلاف.

تحمل إحدى النساء خمس قطع متنوعة، تضعها في كيس وتدفع للبائع ثمنها. أسألها بفضول عن مصير هذه القطع التي اشترتها على عجل ومن دون التأكد من مقاساتها، تقول مبتسمة: «مو مشكلة المقاس، المهم القماش منيح. أنا بالبيت بزبطهن، فيكن تقولوا اشتريت قماش مرتب بـ20 ألف، رح يطلع منهم تياب العيد».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها