× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

اتفاقية دايتون: 2- «البلطجة» تكتيك تفاوض ناجح!

عقل بارد - شعوب وحروب 29-05-2021

حاول الوسيط الأميركي تبسيط هيكلية الفريق المفاوض في «دايتون» عبر «توحيد الغرب» بإخضاع اللاعبين الأوروبيين لهيمنة الولايات المتحدة على كامل العملية التفاوضية، ما يعني وحدة المطالب الدولية تقريباً، عدا الروسية

الصورة: (CIA - فليكر)

كان التوصيف المعتمد أوروبياً لما يجري في يوغوسلافيا السابقة على أنه «حرب أهلية» أحد أبرز أسباب استمرار المعارك قرابة ثلاثة أعوام. 

تمسك الزعماء الغربيون بالقول إن كل الأطراف مسؤولة بقدر متساوٍ عن نشوب الحرب، وفسروا ذلك بـ«العداوات القديمة بين مكوّنات يوغوسلافيا».

لكن الواقع أن تلك العداوات القومية والدينية، كانت تُدار بشكل أو بآخر من قبل القوة الصربية التي تحكمت في البلاد عقوداً طويلة، ولم تكن للبوسنيين، ولا الكروات تلك القوة المسيطرة.

كانت مصالح دول أوروبا المتناقضة قد تسببت في منع الاتحاد الأوروبي من التحرك بصفته كتلة موحّدة بأهداف ومطالب محددة وواضحة، ما ترك تأثيره الواضح على سير العمليات القتالية، كما على المسار السياسي، إذ فشلت الدبلوماسية الأوروبية في ضمان تنفيذ أربعة مشاريع سلام، هي: 
خطة كارينغتون ـ كوتيلايرو (Carrington-Cutileiro) التي دعت في العام 1992 إلى إقامة كونفيدرالية كانتونات على الطريقة السويسرية، وخطة فانس ـ أوين (Vance-Owen) ربيع العام 1993، والخطة التي لا تقهر (Invincible plan)  أيلول / سبتمبر 1993، وأخيراً خطة مجموعة الاتصال في أيار / مايو 1994 التي اقترحت تقسيم البوسنة وفقاً للخارطة الإثنية. 

رفض صرب البوسنة خطتي فانس ـ أوين، ومجموعة الاتصال، فيما رفض البوسنيون المقترحات الثلاث اﻷولى بسبب منحها رقعة صغيرة لهم من كامل أراضي البوسنة.

لم يحدث تغيير واضح في المواقف اﻷوروبية حتى كان صرب البوسنة قد ارتكبوا عدداً من المجازر المروّعة، مثل مجزرة السوق في سراييفو 5 شباط / فبراير 1994، ثم مذبحة سريبرينيتشا، في تموز / يوليو 1995.

هكذا تحولت المواقف من الحديث عن «الدعوة المحايدة إلى السلام» إلى إعلان الصرب معتدين، ووصف البوسنيين بالضحايا.

بدء المفاوضات وحركتها

مع أن مقترح المبادئ الأساسية لاتفاق دايتون كان قد طُرح أثناء محادثات دولية في بدايات العام 1992، لكن المفاوضات لم تنطلق بشكل جدّي إلا بعد فشل الجهود السابقة للتوصل إلى اتفاق بين مختلف اﻷطراف، وما تبع ذلك من عمليات عسكرية كرواتية غيرت موازين القوى.

جاء التحرك اﻷميركي مبنياً على مصالح مرتبطة بتعزيز دور واشنطن في القارة العجوز عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفكك الدول الأوروبية الشرقية

خلال شهري أيلول، وتشرين اﻷول من العام 1995 اجتمع ممثلو روسيا، والوﻻيات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، في إطار مجموعة الاتصال، وفرضوا ضغوطاً مكثفة على زعماء الأطراف الثلاثة المتحاربة (الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، والرئيس الكرواتي فرانجو تودمان، والرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش) لحملهم على المشاركة في مفاوضات دايتون، في أوهايو اﻷميركية.

جاء التحرك اﻷميركي - بعد الانكماش اﻷوروبي الواضح - مبنياً على مصالح مرتبطة بتعزيز دور واشنطن في القارة العجوز عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفكك الدول الأوروبية الشرقية. ولعب مساعد وزير الخارجية الأميركي ريتشارد هولبروك دوراً محورياً في المحادثات.

تكتيكات التفاوض

في سياق التفاوض، كانت هنالك ثلاثة تحديات تفاوضية كبرى أمام هولبروك: إيقاف الحرب المشتعلة، وضمان سلامة عمليات انسحاب قوات حفظ السلام (التي كانت فعليّاً أشبه برهينة لدى قوات صرب البوسنة)، وإيجاد صيغة مقبولة لتوزيع أرض البوسنة، ما يعني تقسيمها بالضرورة «بشكل يحول دون تجدد الصراع مرة ثانية». 

حاول هولبروك تبسيط هيكلية الفريق المفاوض عبر «توحيد الغرب»، بإخضاع اللاعبين الأوروبيين لهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على كامل العملية التفاوضية، ما يعني وحدة المطالب الدولية تقريباً، عدا الروسية.

سعى الفريق الأميركي إلى اتفاق حول حزمة مبادئ تعالج في الدرجة الأولى الترتيبات المؤسساتية، عبر: الاعتراف بالحدود البوسنية القائمة، والقبول بإقامة كيانين داخل البوسنة (أحدهما للبوسنيين المسلمين والكروات، والثاني للبوسنيين الصرب)، وتمكين كل كيان منهما من إقامة علاقات مع دولتي الجوار، والتأكيد على التزام حقوق الإنسان. 

(انطوت هذه الترتيبات على خطورة منبعها أنها تكرس الواقع القائم على أنه واقع نهائي، ويتضح ذلك في استمرارها حتى اليوم).

أسهمت جملة من العوامل في الموافقة على تلك الترتيبات، فقد واصل هولبروك وفريقه التأكيد على أنّ ما يقدمه كان الفرصة الأخيرة لوضع حدّ للحرب بمساعدة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وحاول إقناع كل من الزعماء بالتنازل عن مساحة من الأرض التي تحتلها قواته.

عمل هولبروك بإصرار عالٍ للوصول إلى هدفه (وهدف حكومته)، وكان يعمل ليل نهار لتحقيق نتيجة عملية، ووصفت بعض المصادر هولبروك بأنه كان «مصارعاً أكثر منه مفاوضاً». كانت تكتيكاته فعَّالة خلافاً لأشكال التفاوض الأخرى التي قادها الأوروبيون، والأمم المتحدة، والرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، ولم تؤدِّ إلا إلى تشدُّد مواقف المحتربين. ووفقاً لشهادة منقولة عن هولبروك، فإن «القادة البلقانيين لا يستجيبون إلا تحت الضغط، وممارسة أسلوب البلطجة».

أحد النتائج التي حققها هولبروك عبر الاتفاق، الموافقة على تمكين اﻷقليات المهجّرة قسرياً من بعض مناطق البوسنة من العودة إلى مناطقهم الأصلية، لكن تلك المناطق كانت تقع في الغالب داخل أراضي الفيدرالية اليوغوسلافية (صربيا والجبل اﻷسود) ما جعل عدداً قليلاً من المهجّرين يتجهون إلى  جمهورية صربسكا (البوسنة والهرسك).

التوقيع

كان اختيار هولبروك وفريقه التفاوضي الوﻻيات المتحدة مسرحاً للمحادثات، يهدف إلى «إلغاء العوامل الخارجية في التفاوض»، فضلاً عن إبعاد المتفاوضين عن مواقع سلطاتهم لتحفيزهم على «المشاركة الفعّالة»، وتقليل التواصل مع وسائل الإعلام المنحازة (والحد من فرص التسريبات اﻹعلامية، التي سبق لها أن أسهمت في تخريب مساع تفاوضية)، علاوة على تأمين مشاركة أكثر من ثمانمئة مشارك وضيف.

وُقع الاتفاق بالأحرف الأولى في دايتون / أوهايو في 21 تشرين الثاني / نوفمبر، ثم وُقع الاتفاق النهائي في باريس في 14 كانون الأول / ديسمبر 1995، بحضور الرئيس الفرنسي جاك شيراك، والرئيس الأميركي بيل كلينتون، ورئيس وزراء بريطانيا جون ميجور، والمستشار الألماني هيلموت كول، ورئيس وزراء روسيا فيكتور تشيرنوميردين.

 يتبع


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها