أكثم صبر الزمان
في العشرين من أيار /مايو الماضي بدأ مزارعو ريف حلب الشمالي حصاد محاصيلهم الزراعية من الشعير والقمح، باعتبارها أول أنواع المحاصيل التي تُحصد.
ومع ارتفاع درجات الحرارة انتقل الفلاحون إلى حصاد البقوليات، مثل العدس، والحمص، والفول. كما يستعد بعض الفلاحين لحصاد محاصيلهم من الحبوب العطرية (حبة البركة، والكمون، والكزبرة، واليانسون، والشمرة) التي لاقت رواجاً خلال الأعوام الماضية، وانتشرت زراعتها بشكل واسع لأسباب متعددة ترتبط بالتسويق والأسعار.
جال «صوت سوري» في ريف حلب الشمالي لمواكبة بعض عمليات الحصاد، التي انطلقت وسط تحديات صعبة يواجهها الموسم الزراعي، بفعل شح الهطولات المطرية والثلجية على المنطقة.
القمح والشعير دون المأمول
التقينا الفلاح عبد الرحمن نعمة، الذي يملك بضع هكتارات من الأراضي الزراعية البعلية.
يقول نعمة إنه زرع هكتار واحداً من القمح لكنه لم يعد عليه بإنتاج جيد، إذ «أنتج الدونم الواحد 120 كيلوغراماً من القمح فقط، بينما كان ينتج في الأعوام الماضية حوالى ربع طن».
كذلك يبدو إنتاج الشعير متدنياً، فـ«الهكتار الواحد من الشعير لم ينتج أكثر من 800 كيلو»، بحسب ما يوضح نعمة الذي يخشى تلقي خسارة كبيرة بسبب ضعف الإنتاج.
وتختلف إنتاجية حبوب القمح والشعير بحسب الري، فالمحاصيل الزراعية التي رويت خلال فصلي الشتاء والربيع عبر المضخات والآبار تحافظ على متوسطها الإنتاجي، وتقدر نسبة إنتاج الهكتار الواحد من حقول القمح المروية بحوالى 2.5 طن، أما حقول الشعير المروية فينتج الهكتار الواحد حوالى 3 أطنان.
ويبلغ سعر الطن الواحد من القمح 325 دولاراً، مقابل 340 دولاراً للطن الواحد من الشعير (الطلب على الشعير أكبر، بسبب استخدامه علفاً)..
..وكذلك البقول
تعد البقوليات (الحمص، والفول، والعدس) من أهم مصادر الدخل لفلاحي ريف حلب الشمالي، فعلاوة على الحبوب، يُستفاد من بقية أجزاء النبات علفاً للماشية. وتأثرت الحبوب البقولية بندرة الهطولات المطرية والجفاف الذي ضرب المنطقة خلال فصل الشتاء.
كرمو حجي، أحد أبناء بلدة دابق، زرع هكتارين من الفول قرب وادي قويق، وكان يخطط للاستفادة من تدفق مياه النهر شتاءً في الري.
يقول الرجل لـ «صوت سوري» إنه وجد صعوبة بالغة في الري، ونجح في سقاية أجزاء فحسب من المحصول الزراعي، فـ«ندرة الهطولات المطرية والثلجية على الجبال الجنوبية في تركيا ساهمت في انخفاض منسوب جريان النهر».
يوضح قائلاً: «كنت قد وضعت آمالاً كبيرة على هذا المحصول لأنني استأجرت الحقل بمبلغ كبير، وصل قرابة 30 دولاراً للدونم الواحد، أي أن أجرة الحقل كاملاً حوالى 600 دولار، ناهيك بالمصاريف الأخرى من بذار وأسمدة ومبيدات».
ويضيف «كانت الحصيلة ثلاثة أطنان من الفول فقط، أي أنني بالكاد استعدتُ ما أنفقته، وضاع تعبي سدى».
مع تراجع مردود زراعة القمح والشعير بسبب شح الأمطار، والاعتماد على القمح التركي، يتجه كثير من المزارعين إلى زراعة الحبوب العطرية التي تصدّر عبر تركيا إلى مصر، ودول أخرى
وتعرض كثير من المزارعين لخسارات كبيرة في مطلع الموسم، لأنهم اضطروا إلى تغيير أنواع محاصيلهم الزراعية بسبب شح الهطولات المطرية، بينما يأمل المزارعون الذين يعتمدون على الزراعة المروية بالحصول على إنتاج وفير.
ويبدو مزارعو الفول أبرز المتضررين، وينطبق الأمر على محصولي العدس والحمص البعليين، إذ لم يحصد معظم من زرعهما سوى على العلف، بسبب عدم اكتمال حبة الحمص أو العدس وتعرضها للجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة، وشح الهطولات الشتوية.
وبلغ سعر الطن الواحد من الفول خلال موسم 2020/2021، 700 دولار للنوع الممتاز، بينما بلغ سعر طن الحمص 300 دولار للنوع الممتاز، والعدس حوالى 230 دولاراً للنوع الجيد.
الحبوب العطرية تزدهر
على خلفية تردي إنتاجية القمح والشعير، وبعض المحاصيل البقولية، بسبب شح الهطولات، والاعتماد على القمح التركي، اتجه المزارعون إلى زراعة الحبوب العطرية التي يدخل بعضها في مجال صناعة الدواء، وأبرزها: حبة البركة، والكزبرة، والكمون، والشمرة، واليانسون.
وحققت الحبوب العطرية مكاسب جيدة للمزارعين، ما جعلهم يتوسعون في زراعتها، لتحتل نسبة تناهز نصف المساحات المزروعة.
يملك المزارع قصي العمر، وهو من مدينة مارع، حقلاً زراعياً تقدر مساحته بثلاثة هكتارات، زرعها كاملة بحبة البركة، بعد تحسن سعرها خلال الموسم الفائت.
يقول العمر لـ «صوت سوري» إن «سعر حبة البركة ممتاز، وإنتاجيتها متوسطة، زرعتها لأنها تضمن في الحد الأدنى تحصيل الكلفة، واحتمالات الخسارة معها شبه مستحيلة».
ويضيف: «كنت قد زرعت في السابق القمح، والشعير، والعدس، لكنها بالمجمل لم تحقق ربحاً وفيراً».
ويقول أحد أصحاب الصيدليات الزراعية إن «الأرباح التي جناها المزارعون من الحبوب العطرية في ريف حلب الشمالي دفعتهم إلى زراعتها مجدداً، لا سيما أن ثمن الطن الواحد من أي نوع من الحبوب العطرية أكثر من 1000 دولار».
ويضيف: «التربة الخصبة، والأجواء المناسبة لزراعة الحبوب العطرية متوافرة في المنطقة، وهي لا تؤذي التربة، وتعد خفيفة مقارنة بالمحاصيل الزراعية الأخرى، ويكفيها أن تروى مرتين خلال فصل الشتاء، وقد يُستغنى عنهما في حال حصلت على الري من الأمطار».
وتتنوع أسعار الحبوب العطرية المزروعة في ريف حلب، فيبلغ سعر الطن الواحد من حبة البركة 2500 دولار، ويماثله سعر الطن الواحد من الكمون، و800 دولار للطن الواحد من الكزبرة، و2300 دولار للطن الواحد من اليانسون، و1300 دولار للطن الواحد من الشمرة.
تسويق «أون لاين»
رغم أن ريف حلب الشمالي يشكل منطقة ضيقة، فإن تجارة المحاصيل الزراعية تعد رائجة بشكل جيد، إذ تسوق المحاصيل الزراعية بين مجموعة كبيرة من التجار الذين يصدرونها خارج المنطقة، سواء إلى مناطق سيطرة دمشق، أو الإدارة الذاتية، أو تركيا.
يقول التاجر عبد الغني الخطيب لـ«صوت سوري» إن تسويق المحاصيل الزراعية «بات أمراً في غاية السهولة، فقد نشأت على شبكات التواصل الاجتماعي مجموعات تعرض فيها البضائع أمام تجار المنطقة، وتباع بأسعار معقولة بحسب جودتها».
ويضيف: «ساهم في ازدهار تسويق المحاصيل الزراعية تصديرها خارج سوريا، خاصة الحبوب العطرية التي تخرج بدفعات كبيرة إلى تركيا، ولاحقاً إلى مصر، وغيرها من الدول».
لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.