× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

ثبات الجغرافيا وموت السياسة: التقسيم يرحب بنا!

عقل بارد - على الطاولة 15-06-2021

ما حاجة القوى الخارجية أصلاً إلى إحداث تغيير ينهي مأساة السوريين؟ تركيا بحاجة إدلب، والولايات المتحدة بحاجة شمال شرق، وروسيا وإيران بحاجة مناطق سيطرة دمشق. كما لو أن هذه الدول تقول: نتمنى ألا يحدث أي تغيير في سوريا يجبرنا على الرحيل!

الصورة: (U.S. Department of State - فليكر)

كنا في مقال سابق قد تحدثنا عن أن فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية سيعني بقاء القوات الأميركية شمال شرق البلاد، مع بقاء القوات التركية في الشمال الغربي، والروسية والإيرانية في مناطق سيطرة دمشق، وبالتالي بداية التقسيم.

ما حدث منذ بداية العام لا يعدو كونه تثبيتاً لهذه الوقائع. وبرغم بعض المناوشات هنا وهناك (من القنيطرة وتهجير بعض الأسر وانتقال بعض المقاتلين إلى إدلب، إلى مناوشات الحسكة في شهري كانون الثاني وشباط بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية، إلى اشتداد القصف في جبل الزاوية)، فإن كل ما تقدم يبدو أقرب إلى كونه شكلاً من أشكال الترتيبات الأخيرة، كما يحدث عند ازدحام غرفة ببضعة أشخاص، كل ما في الأمر أن بعضهم سيدوس على أقدام بعضهم لبعض الوقت، ومن ثم يعرف كل شخص حدوده وامتداداته (كل جيش أجنبي في حالة سوريا) إلى أن تتحدد بشكل نهائي، أو شبه نهائي، منطقة سيطرة هذا، ومنطقة سيطرة ذاك! 

لنفترض أن وحدة البلاد تتطلب تنازل طرف عن بعض مطالبه، فمن هو المستعد لذلك؟ لا السلطة، ولا المعارضة، ولا قسد، لا أحد سيرضى بأي تنازل ولو حفاظاً على وحدة البلاد!

ما يؤكد هذا الأمر، انحدار السياسة إلى مستوى التفاوض على معبر باب الهوى، والمعابر الداخلية، والمعابر في شمال شرق البلاد.

لم يعد أحد يتحدث عن انعقاد اللجنة الدستورية، ولا عن القرار 2254. تحولت سوريا في البازار الدولي إلى «بضاعة كاسدة» لا تغري أحداً كي يضيع وقته في «المفاصلة» عليها، لا دولياً ولا حتى إقليمياً! 

البازار الدولي منشغل بالكباش الأميركي - الصيني المتصاعد، والكباش الأميركي – الروسي المستمر، وبمفاوضات فيينا النووية، وبشكل التعامل مع جائحة كوفيد19، وبمؤشرات الجائحة الاقتصادية التي ترافقه. 

والبازار الإقليمي منشغل بإعادة تشكيل المنطقة، واستعادة العلاقات التركية المصرية، والتركية السعودية، وبملف الغاز شرق المتوسط، لتأتي القضية السورية في المستوى الثالث أو الرابع، وبما يخدم الملفات الأعلى على سلم الأجندات، لا لأهميتها نفسها، ما يجعل سوريا حاضرة بوصفها بنداً من بنود كل تفاوض بين القوى الإقليمية والدولية، لا أكثر. 

وما حاجة تلك القوى أصلاً إلى إحداث تغيير ينهي مأساة السوريين؟ فتركيا بحاجة إدلب، والولايات المتحدة بحاجة شمال شرق، وروسيا وإيران بحاجة مناطق سيطرة دمشق، كما لو أن هذه الدول تقول: نتمنى ألا يحدث أي تغيير في سوريا يجبرنا على الرحيل! كل ما نريده هو أن تبقى الجغرافيات الخمس (إذا أضفنا إلى المناطق الثلاث المعروفة، مناطق سيطرة تركيا المباشرة في شمال حلب، وكلّاً من درعا والسويداء وفيهما نمط حوكمة مختلف) قادرة على الحياة كي لا تتسبب لنا بأي «وجع راس».

لا بأس ببعض التبادل التجاري، والتهريب كي لا يضطر اللاعبون الإقليميون والدوليون إلى صرف مواردهم هنا وهناك!

تحولت سوريا في البازار الدولي إلى «بضاعة كاسدة» لا تغري أحداً كي يضيع وقته في «المفاصلة» عليها، لا دولياً ولا حتى إقليمياً!

هل يعني هذا التقسيم حتماً؟ بالطبع نعم! كل ما يتوجب حدوثه كي يصبح التقسيم أمراً واقعاً هو أن نعتاد هذه الجغرافيات لزمن ما، لنجد أنفسنا بعدها نطالب بحسن الجوار بين هذه الجغرافيات! 

هل هذا مفاجئ؟ بالطبع لا، فكلنا كره الآخر، أكثر من حبنا بلادنا وأنفسنا!

لنفترض أن وحدة البلاد تتطلب تنازل طرف عن بعض مطالبه، فمن هو المستعد لذلك؟ لا السلطة، ولا المعارضة، ولا قسد، لا أحد سيرضى بأي تنازل ولو في سبيل الحفاظ على وحدة البلاد!

أكاد أجزم أن أي تفاوض حقيقي وجدي بين أي طرفين من الأطراف السورية الثلاثة قادر على إحداث تغيير جذري في شكل البلاد، لكن لا أحد من هذه الأطراف، ولا الأطراف التي ترعاها وتدعمها، سيقبل بمثل هذه التنازلات.

هو التقسيم إذاً ولا شيء سواه!

لكن؛ هل نستسلم لهذا الواقع؟ هل علينا أن نقبل بذلك؟ وهل في يدنا شيء أساساً؟ 

بالطبع الأجوبة هي: لا، ولا، وربما. 

لا يجب أن نستسلم، ولا أن نقبل بالأمر الواقع، وربما علينا أن نقوم بشيء ما كي ندرأ التقسيم، على الأقل أن نحاول! 

كيف؟ لا أعرف، لكن ألمانيا توحدت وانهار جدار برلين بعد 50 عاماً من تقسيم أمر واقع، وكان الدافع إلى ذلك إيمان الألمان بأن «هذا الأمر عابر وسنعود شعباً واحداً يوماً ما». 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها