× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الصمت.. اغتصابٌ بعد الاغتصاب

حكاياتنا - خبز 23-06-2021

يصعب الوصول إلى نساء وقعن ضحايا لعنف جنسي، في ظل اختيار معظمهنّ الصمت وإنكار ما تعرضن له، بسبب خوفهنَّ من الفضيحة وردود فعل عائلاتهنّ، والمجتمع. ولا تقتصر الاعتداءات الجنسية أثناء الحروب على النساء، فالأطفال على قائمة الضحايا أيضاً، وكذلك الرجال. وربما كان توثيق الاعتداءات على الرجال هو الأصعب

الصورة: عمل فني بواسطة Chelsea Lyn Roden - فليكر

في بدايات العام 2014 كانت ليلى في طريقها بين دمشق وإحدى المحافظات السورية عندما انقطع الاتصال بها، ولم تستطع عائلتها الوصول إلى أية معلومات عن مصيرها. 

«اختفت شهرين كاملين، ثم ظهرت فجأة. استطاعت العودة إلى منزلها بعد التواصل مع أهلها، كانت صامتة يبدو عليها أنها تعرضت لصدمة عنيفة، ملامحها ونظراتها وكل شيء فيها تغير منذ عودتها، حبست نفسها في غرفتها، ولم يستطع أحد معرفة ما حدث معها». تقول سمر (اسم مستعار) متحدثة عمّا آلت إليه حالة ليلى صديقتها في الجامعة، بعد خطفها، واغتصابها.

وتضيف: «استطعت بعد أيام الدخول إلى غرفتها بعد محاولات عديدة. كانت صامتة منكمشة على نفسها، وقد أصابت جسدها قروح بسبب حكها له باستمرار». 

بعد سنتين تحسنت أحوال ليلى النفسية بشكل طفيف، ثم زوجها أهلها لابن عمها.

«ليته قتلني»!

وقعت سلوى ضحية اغتصاب في سنوات الحرب الأولى من قبل مسلح لم تستطع معرفة الجهة التي يقاتل لصالحها. 

تنحدر السيدة من إحدى مناطق ريف دمشق، وقد اعترض المغتصب طريقها وهددها بالسلاح، ثم اغتصبها. تعتقد أنها نجت من القتل بأعجوبة بسبب قصف مفاجئ على المنطقة، ما مكنها من الهرب. 

كتمت سلوى ما حدث، ولم تستطع أن تخبر زوجها، أو تعبر عما خلّفته الصدمة من آثار نفسية.

تقول: «هذه هي المرة الثانية التي أخبر فيها أحداً بما حدث معي. كلما تذكرت تلك الحادثة شعرتُ بحبل حول رقبتي يخنقني. كنت عاجزة عن التنفس والحركة، أتمنى لو أنه قتلني، فقدت بعد الحادثة شعوري بالأمومة نحو أبنائي، أخجل من النظر في عيونهم، وعلي في الوقت نفسه أن أبدو طبيعية».

يخلف العنف الجنسي لدى كثير من النساء خوفاً مرضياً من المحيط، ومن الرجال على وجه الخصوص، إضافة إلى الخوف من ردود الفعل المجتمعية، مع ميل لا شعوري إلى تحميل أنفسهنّ مسؤولية ما حدث

رغم مرور ست سنوات على الجريمة لم يكن الحديث عنها أمراً هيناً. كانت سلوى تتكلم قليلاً، ثم تصمت لتبكي وهي تنظر أرضاً، يبدو على ملامحها وصوتها وكأنما تم الاعتداء عليها منذ وقت قريب. يهيمن الارتباك على لغة جسدها، وتُطرق مخفية وجهها معظم الوقت.

تتابع: «أصابتني حالة قرف من جسدي، كنت أغتسل مرات في اليوم، أتجنب أن أحضن أولادي أو أقترب منهم. علاقتي الجسدية بزوجي كانت الأصعب، كيف يمكنني أن أمارس الجنس مجدداً بعد ما حدث لي؟ ما ساعدني أننا في تلك الفترة كنا نتنقل من منطقة إلى أخرى بسبب الحرب، كنا منشغلين طوال الوقت».

حالة سلوى توضح صعوبة تجاوز التبعات النفسية للاغتصاب ولو بعد مرور زمن على ذلك، هناك بعض الحالات التي لا تتجلى فيها اضطرابات ما بعد الصدمة، وتبقى مكبوتة تعيق حياة المرأة النفسية والجسدية، وقد تظهر في وقت متأخر من حياتها.

العلاج «مهمة صعبة»!

يخلف العنف الجنسي رضوضاً نفسية يصعب علاجها، أو حتى الحديث عنها، خاصة أن الثقافة المجتمعية في بلادنا بالعموم تبدو ميالة إلى لوم ضحايا العنف الجنسي، سواء من الإناث أو الذكور، مع تشديد الضغوط على الإناث بشكل أكبر. وتتزايد حالات الاعتداء الجنسي أثناء الحروب والنزاعات، سواء بشكل ممنهج على يد هذا الطرف أو ذاك، أو من جراء هيمنة الفوضى، وتزايد اختلال المفاهيم (المختلة أصلاً).

في الغالب الأعم، تدخل ضحية الاعتداء الجنسي حالة «كرب ما بعد الصدمة»، أو تعاني من متلازمة صدمة الاغتصاب. 

يخلف العنف الجنسي لدى كثير من النساء خوفاً مرضياً من المحيط، ومن الرجال على وجه الخصوص، إضافة إلى الخوف من ردود الفعل المجتمعية، مع ميل لا شعوري إلى تحميل أنفسهنّ مسؤولية ما حدث.

ويصعب على الضحية التعامل مع الوسط المحيط، وأحياناً تفقد حتى القدرة على تقبل نفسها وجسدها. وتسيطر على نسبة من الضحايا (الإناث على وجه الخصوص) رغبة في الإضرار بالجسد عبر تشويهه بسبب عدم قدرتها على تقبله. يرجع ذلك - على الأرجح - إلى تركيبة معقدة ناتجة عن تربية الفتاة في مجتمعاتنا، وربط جسدها بالعار والخطيئة، حتى حين تكون ضحية.

تفتقر سوريا إلى العدد الكافي من مراكز العلاج النفسي المتخصصة في متابعة ضحايا العنف الجنسي. بعض المنظمات والفرق لديها برامج خاصة بذلك، لكن عدد الحالات التي تُعالج قليل جداً مقارنة بعدد الضحايا.

تعترض هذا العمل كثير من الصعوبات، كرفض النساء الحديث عما حصل معهن، وقتل أخريات بعد الاغتصاب، ما يجعل التوثيق، والوصول إلى إحصائيات دقيقة مستحيلاً. 

النساء اللواتي يكشفن عما حدث لهنَّ غالباً ما تتغير حيواتهنَّ إلى الأبد بعد الحادثة، إما لأنهنَّ قد فقدن عائلاتهنّ، أو لأنهنّ هُجّرن وبدأن حياة مختلفة، عندها قد يلجأن إلى نوع من العلاج.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها