× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

التّهمة: ضحية اغتصاب

حكاياتنا - خبز 24-06-2021

كان إعداد هذا التقرير من أصعب المهام التي تصديت لها في حياتي المهنية، كان علي التحدث إلى ضحايا لا يعرفن هل نجون فعلاً؟ هل شُفين من تبعات الاعتداءات التي وقعت عليهن؟ كان البعض يرغب بالحديث بلا توقف، كأنه يروي أحداث فيلم ما، والبعض يتردد ويعتذر في اللحظات الأخيرة. الأمر المؤكد أن حياة ضحايا العنف الجنسي ولو استمرت، فهي حياة عرجاء، لا أمان فيها

الصورة: (Sergi Camara - فليكر)

توقفت سناء (34عاماً) عن مراجعة عيادة الدعم النفسي في منطقة البقاع اللبنانية بعد الجلسة الخامسة من جلسات المتابعة. 

تقول سناء: «اعتقلت مرتين، وتجاوز مجموع أيامي في المعتقل السنتين. خرجت أول مرة بعد سنة وعشرة أيام، كانت التهمة "إيواء إرهابيين ومعالجتهم". "الإرهابيون" كانوا أخي، ووالدي، وزوجي. اعتقلت عند أحد الحواجز في مدينة حمص العام 2015». 

وتضيف: «خلال الاعتقال الأول تعرضت لضرب مبرح مترافق بالشتائم، إضافة إلى وضعي في المنفردة أوقاتاً طويلة لا أعرف كم بلغت. المفارقة أن السؤال الأهم، والأول الذي طرح عليّ عند خروجي كان: اغتصبوكي؟»!!! 

تقول السيدة: «لم أتعرض للاغتصاب المباشر، لكنني لم أسلم من لمسات السجانين على أنحاء من جسمي. أيضاً كان يفرض علينا خلع ملابسنا، والوقوف عاريات من أجل دور الاستحمام، وكانت السجانات تكلن لنا أبشع أنواع السباب، والشتائم. كن يتفنن في ذلك». 

عقب إطلاق سراحها ظلت سناء طوال الوقت تسمع همساً حولها، وبدا الأمر أشبه بكونها «متهمة بأنها اغتُصبت»!

عقب اعتقال نور قررت حماتها فسخ الخطوبة، وقالت لأمها بالحرف: «نحن ما بشرفنا ولدنا يتزوج بنت ما منعرف شو عملوا فيها، ومين نام معها»

تضيف مسترسلة بمرارة: «كنت أشعر كل يوم بالاغتصاب، لكنني لم أجرؤ على الإفصاح عما مررت به أمام أحد. بعد فترة من خروجي استشهد أخي، وأصيب والدي بشظايا قذيفة وبترت ساقه. كان يتوجب عليّ إحضار الأدوية، ألقي القبض علي مرة ثانية وأنا أحضر المواد الطبية بعد كمين وقعت فيه. بقيت قرابة السنة في المعتقل، نُقلت بين عدد من الأفرع في دمشق، وخرجت في النهاية من فرع الجوية. هذه المرة كانت ظروف الاعتقال أبشع وأقسى. كان عددنا كبيراً، وأحياناً كنت أضطر إلى الوقوف على قدميّ يوماً كاملاً حتى تستريح إحدى السجينات، ثم نتبادل المواقع، ونتيجة عدم وجود حمامات نظيفة، وعدم تمكننا من الحصول على الفوط الصحية أثناء الدورة الشهرية أصبت بجرثومة في الدم، كما أصبت بهبوط حاد في الرحم. أجريت عملية بمجرد خروجي من المعتقل، وهنا كانت "التهمة" قد التصقت بي في نظر من حولي، وأصبح الأمر محسوماً بالنسبة لهم. صارت الجارات تصارحنني بموضوع اغتصابي، وكأن الامر لو وقع حقيقة كان خياري. بدأ والدي وزوجي يشعران بأنني أسبب لهما الإهانة». 

تستعرض سناء ردود فعل محيطها عقب خروجها من المعتقل، وتقارن بين المرتين. 

تقول: «حين خرجت في المرة الأولى استُقبلت استقبال الأبطال، لكن في المرة الثانية أصبحت مصدر خزي وعار لعائلتي، وأرسلني زوجي مع أطفالي إلى لبنان كي لا أعتقل مرة ثالثة، وليتخلص من نظرة أهالي المنطقة له. بعد فترة استشهد زوجي وبت أرملة، ومعتقلة سابقة، بل ومغتصبة جلبت العار لعائتلها، في اعتقاد الجميع»!

هدية الإفراج: فحص عذرية!

لا يكاد يمر يوم بدون أن تنشر نور (26عاماً) على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وأدعية تحصن بها زوجها من الشر والمكروه. 

تقول والدة نور: «لم نكن نصدق أخبار إلقاء القبض على أقارب لأشخاص يقاتلون في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. كنت أقول إن الناس يبالغون، ونحن لن يحصل لنا مثل هذا الأمر طالما أننا خرجنا من بيوتنا، ولم نظلّ هناك». 

وتضيف مسترسلة: «في العام 2012 خرجت من قريتي مع بناتي الثلاث، فيما بقي زوجي وابني لحماية البيت والأراضي. لم أعد احتمل الاشتباكات، والقصف، وأردت أن تكمل بناتي تعليمهن. كنت أزور القرية كلما سنحت لي الظروف لأطمئن على زوجي وابني، وكنا نتواصل معهما عبر تطبيق واتساب. في إحدى المرات أرادت ابنتي نور التي كانت تبلغ وقتها 23 عاماً من العمر استخراج بعض الأوراق من دمشق، لاستكمال إجراءات عقد قرانها على شاب من قريتنا يعيش في ألمانيا. عند حاجز سعسع قام العناصر بتفييش جميع الركاب، واحتجزوا ابنتي، وشاباً، وثلاث سيدات». 

«أول ما قمت به بعد خروجها استدعاء القابلة القانونية، وحماة ابنتي، وعدد من الجارات والقريبات للكشف على ابنتي، والتأكد من عذريتها. الحمد لله كانت على حالها»

ظلت نور محتجزة قرابة ثلاثة أشهر بتهمة «التخابر مع إرهابيين». 

تقول والدتها: «لا يمكن وصف حالتي وقتها. لم يبق أحد لم يلمني. كانت النسوة يأتين لزيارتي بهدف التخفيف عني، لكن الأحاديث سرعان ما كانت تتحول إلى رواية قصص لتعذيب الفتيات في السجون، واغتصابهن. زارتني والدة خطيبها لتفسخ الطوبة، وقالت لي بالحرف: نحن ما بشرفنا ولدنا يتزوج بنت ما منعرف شو عملوا فيها، ومين نام معها». 

وتضيف: «في العام 2018 دفعنا حوالى خمسة ملايين ليرة لإخراجها من الفرع، والله وحده يعلم كيف تدبرنا أمر النقود. وبعد خروجها فوجئنا بأنهم بدّلوا الذهب الذي كان بحوزتها وهو هدية من خطيبها بذهب مزيف، ولم تستطع أن تقول للقاضي إن ذهبها استُبدل خشية اعتقالها مرة ثانية».  

تنهي الوالدة حديثها المرير بالقول: «أول ما قمت به بعد خروجها استدعاء القابلة القانونية، وحماة ابنتي، وعدد من الجارات والقريبات للكشف على ابنتي، والتأكد من عذريتها. الحمد لله كانت على حالها. والدة العريس لم تكن راضية رغم ذلك. لكن خطيب ابنتي بقي متمسكاً بها، وأرسل لنا نقوداً كي تسافر إلى لبنان، بقيت هناك سنة تقريباً حتى حصلت على فيزا لم الشمل، وسافرت إليه».

والأطفال أيضاً

لاحظت مقدمة الدعم النفسي انزواء محمد، وابتعاده عن أصدقائه، وتوجسه من الشبان الأكبر سناً خلال وجودهم في باحة مركز الايواء. وبعد مراقبته لأكثر من شهر خمّنت أنه تعرض لاعتداء جنسي، خاصة أنه كان محتجزاً لدى جيش الإسلام في مدينة دوما، وغالباً ما كان يهرب من أصدقائه الذين كانوا يعيّرونه بحبسه. 

«اعتقلت مرتين، وتجاوز مجموع أيامي في المعتقل السنتين. المفارقة أن السؤال الأهم، والأول الذي طرح عليّ عند خروجي كان: اغتصبوكي؟»

قال محمد لمعالجته إنه كان يعمل في جمع الحطب، وجلب الماء للمقاتلين، وفي إحدى المرات ألقى المقاتلون القبض عليه بتهمة السرقة لأنه كان يعطي جزءاً من الحطب للمقاتلين، ويخبئ جزءاً لتستخدمه عائلته في الطبخ والتدفئة. 

أخبرها أيضاً بأنهم في بداية الاحتجاز كانوا يطعمونه جيداً، ولا يضربونه، وبعد حوالى عشرة أيام تغيرت معاملتهم له ولعدد من الأطفال الذين كانوا محتجزين معه، ومن ثم شرعوا بتدريبهم على استخدام السلاح. لم يرغب محمد بحمل السلاح، فضربوه، وحبسوه في زنزانة منفردة. بعدها، صار بعض الرجال يدخلون إليه ويجردونه من ملابسه ويعتدون عليه، ويقولون: «أنت حرمة لأن ما بدك تحارب، ويلي ما بيحارب هيك بيعملوا فيه». 

لم يكن محمد قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره وقتها، وترى المعالجة أنه لم يكن يدرك ما يحدث معه. وتقول: «لا نعلم عدد الأطفال الذين تعرضوا لمثل تلك الاعتداءات. لا يتحدث الكثيرون عما لحق بهم. البعض ينكر حدوث الاعتداءات كي لا يصاب بوصمة». 

مستمرون في «الإذلال»

منذ سنوات لا تخلو التقارير الأممية من أخبار العنف الجنسي المتصل بالنزاع في سوريا.

وبرغم انحسار رقعة الصراع فإن تقرير مجلس الأمن الصادر في شهر آذار الماضي يقول إن «لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية أفادت بوقوع 30 حالة اغتصاب في شهر شباط 2020 في شمال الجمهورية العربية السورية، وكان أفراد من الجيش الحر ضالعين في عدد من الحوادث بما في ذلك العنف الجنسي الذي استخدموه خلال مداهمات المنازل. واستخدم أعضاء الجيش الحر العنف الجنسي للإذلال وانتزاع الاعترافات، على غرار ما وقع من اغتصاب لقاصر أمام محتجزين ذكور في مرفق الاحتجاز في عفرين عام 2020». 

ووفق أكثر من 400 شهادة استند عليها تقرير «فقدت كرامتي» لم تقتصر الاعتداءات الجنسية على النساء والأطفال، بل طاولت أيضاً رجالاً وفتياناً على يد عدد من الأطراف المقاتلة، كما أجبر شبان ورجال على مشاهدة قريباتهنّ وهن يغتصبن أمامهم.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها