× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«تحرير الشام» في إدلب: سلطة الأمر الواقع تتعاظم

عقل بارد - على الطاولة 29-08-2021

قراراً بعد آخر، يتضح سعي «هيئة تحرير الشام» إلى فرض هيمنتها على كل مناحي الحياة في محافظة إدلب، والتضييق أكثر فأكثر على الأهالي. وخلال العامين الماضيين أفلحت الهيئة في فرض أمرٍ واقع يجيّر كل الموارد الاقتصادية المتاحة لخدمة مشروعها، بالاعتماد على حكومة الإنقاذ، وعلى «منظومة اقتصادية متكاملة» تدين للهيئة بتبعية غير معلنة، لكنها واضحة

تتحكم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) بجميع مناحي الحياة اليومية في محافظة إدلب، وأجزاء من ريف حلب، بعد أن استطاعت تدريجياً إحكام قبضتها عسكرياً، ثم إداريّاً، واقتصاديّاً. الهيمنة على الاقتصاد وفّرت موارد كبيرة للهيئة، بدءاً من التحكم بالمعابر مروراً بتجارة المعادن، والمحروقات، والسيارات، وغيرها.

كيف بدأت القصة؟

في العام 2015 سيطرت فصائل من المعارضة السورية و«جبهة النصرة» في عملية مشتركة تحت راية «جيش الفتح» على محافظة إدلب، لتصبح ثاني محافظة خارجة بالكامل عن سيطرة دمشق، وعلى الفور شُكلت مجالس محلية من أعيان المدن والبلدات، لإدارة المناطق، ومن أبرزها المجلس المحلي لمحافظة إدلب، وتلقت الاعتراف والدعم من الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف المعارض.

في كانون الثاني / يناير 2017 غيرت النصرة اسمها إلى «هيئة تحرير الشام»، لتبدأ التوسّع تدريجياً على حساب الفصائل، وبعد اقتتالات متقطعة استمرت قرابة عامين انفردت الهيئة بالسيطرة.

بالتزامن، كانت الهيئة تتمدد إداريّاً عبر حكومة الإنقاذ التي شكلتها في تشرين الثاني 2017، وراحت الأخيرة تدخل كل منطقة سيطرت الهيئة عليها لإدارتها وتقديم الخدمات لها، وإلغاء تعامل المجالس المحلية مع الحكومة المؤقتة، وفي العام 2019 هيمنت على كل المفاصل الإدارية في محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حلب وحماة واللاذقية.

برغم أن الإنقاذ والهيئة دأبتا على نفي التبعية، فإن مصادر من داخل الإنقاذ تؤكد أن «لكل مسؤول في الوزارة مُتابِع على تواصل مباشر مع قادة الهيئة البارزين»

تضم الإنقاذ ثماني وزارات هي: الداخلية، والعدل، والأوقاف، والصحة، والتربية، والإدارة المحلية والخدمات، والاقتصاد، والتنمية والشؤون الاجتماعية. ويتبع لها جهاز شرطة بمسؤوليات محدودة، كتنظيم السير وحلّ الخلافات الشخصية.

وتعد المعابر الداخلية، والجباية، والزكاة، وغيرها من الإتاوات من أبرز موارد حكومة الإنقاذ، وبرغم أن الإنقاذ والهيئة دأبتا على نفي التبعية، فإن مصادر من داخل الإنقاذ تؤكد أن «لكل مسؤول في الوزارة مُتابِع على تواصل مباشر مع قادة الهيئة البارزين».

هيمنة اقتصادية

بعد أن هدأت الحرب قليلاً، وتوقفت المعارك في العام 2020، بدأت الهيئة العمل على توسعة نشاطاتها التجارية من خلال تنشيط عمل شركات ورؤوس أموال، وحماية تجار حرب تربطهم بها منافع متبادلة.

حرصت الهيئة على تنمية نشاطاتها الاقتصادية والتجارية ضمن حدود سيطرتها، بما يتوافق مع رؤيتها وعبر ذراعها المدنية المتمثلة بحكومة الإنقاذ، مع العمل على إنشاء شركات ومنشآت ومؤسسات تجارية وزراعية تكون واجهة لنشاط اقتصادي يخص قياديين في الهيئة في بعض الحالات، أو مملوكة لأشخاص مقربين، أو يقدمون منافع اقتصادية مباشرة أو غير مباشرة للهيئة. 

ورصد «صوت سوري» من خلال مصادر محلية أمثلة تنشط في منطقة سرمدا عبر شركات تجارة السيارات، والذهب، والصرافة وغيرها.

وعلى مدار سنوات استطاعت الهيئة تشكيل منظومة من النشاطات الاقتصادية أتاحت لها جمع رسوم ومكاسب كبيرة تستخدم جزءاً منها في رفد المشافي، والمؤسسات الخدمية، والمجالس المحلية عبر حكومة الإنقاذ.

معابر تجارية

قرب الحدود الإدارية الشمالية لمحافظة إدلب أُنشئت حدود ومعابر تديرها هيئة تحرير الشام. 

تتحكم تلك المعابر بالحركة التجارية، وتنقلات الناس بين إدلب وريف حلب الشمالي، ويبرز معبر الغزاوية التجاري، ومعبر دير بلوط، المدني.

مصطفى سائق سيارة بين إدلب وريف حلب، يؤكد لـ«صوت سوري» أنه يدفع المال للحواجز عند دخوله محافظة إدلب، وفي حال رفض لا يمكنه العبور، لأن الجهاز الأمني سيتعقب السيارة ولن يتركه حتى بدفع ما يترتب عليه. ويوضح أن «رسوم الدخول تختلف بحسب نوع الحمولة».

تصف شركة وتد نفسها بأنها شركة خاصة، لكنها تحظى بإشراف وحماية من قبل عناصر وشخصيات تابعة للهيئة، وتُماثلها في ذلك شركتا كاف، والشهباء، تحتكر هذه الشركات استيراد المحروقات، وبيعها 

كذلك؛ تستفيد الهيئة (عبر الجمارك التابعة لحكومة الإنقاذ) من معبر باب الهوى الحدودي الذي تدخل منه المواد الغذائية، والخضروات، والعديد من المنتجات التي يستوردها تجار المنطقة من تركيا. كما تفرض العديد من الأعراف والقوانين على المنظمات الإنسانية العاملة في إدلب، مثل الحصول على نسبة من الإغاثة التي سيتم توزيعها.

«ممنوع دخول الخضروات»

في نهاية شهر تموز الماضي أصدر وزير الزراعة والري في حكومة الإنقاذ قراراً يقضي بمنع دخول بعض أنواع الخضروات من ريف حلب إلى إدلب، من بينها البطاطا، والبصل، والملوخية، والفليفلة، وجاء القرار «وفقاً لبرنامج وضعته وزارة الزراعة للحفاظ على مصلحة المزارعين» بحسب زعمها.

 لا يقتصر القرار المذكور على منع عبور كميات كبيرة لأغراض تجارية، بل يشمل حتى مشتريات السكان التي يصطحبونها معهم من ريف حلب إلى إدلب خلال تنقلاتهم الروتينية.

وترى مصادر محلية أن هذا القرار يهدف إلى تمكين قيادات في الهيئة تستثمر في الزراعة من تحقيق مكاسب أكبر، وضمان تسويق محاصيلها الزراعية في أسواق إدلب، خاصة أن أسعار الخضروات القادمة من ريف حلب الشمالي تكون أقل سعراً

وتشير المصادر إلى أن العديد من قادة الهيئة، والمتنفذين يشاركون المزارعين في المشاريع الزراعية بنسبة تصل إلى النصف مقابل تركيب ألواح الطاقة الشمسية لآبار ري الأراضي، قرب منطقة الفوعة، وسهل الروج في ريف إدلب.

المحروقات: وتد و«شقيقتاها» 

تصف شركة وتد نفسها بأنها شركة خاصة، لكنها تحظى بإشراف وحماية من قبل عناصر وشخصيات تابعة للهيئة، وتُماثلها في ذلك شركتا كاف، والشهباء، وجميع هذه الشركات تحتكر استيراد المحروقات، وبيعها للمستهلكين.

العديد من قادة الهيئة، والمتنفذين يشاركون المزارعين في المشاريع الزراعية بنسبة تصل إلى النصف مقابل تركيب ألواح الطاقة الشمسية لآبار ري الأراضي

في منتصف شهر آب دخلت قوات تابعة للهيئة إلى المناطق التي تلي معبر الغزاوية الواقع تحت سيطرة الجيش الوطني لإيقاف الكازيات ومراكز بيع المحروقات التي تساهم في عزوف الناس عن شراء محروقات وتد.

ولا يقتصر الأمر على احتكار المحروقات، بل تُفرض أسعار أعلى من نظيرتها في مناطق سيطرة الجيش الوطني في ريف حلب، ففيما يبلغ سعر أسطوانة الغاز في أعزاز 85 ليرة تركية، تُباع في إدلب بـ 97 ليرة تركية، أما البنزين فسعر الليتر منه في ريف حلب 6.75 ليرة، مقابل 7.13 في إدلب.

طموحات «سياسية»

بخطى واثقة تسعى «هيئة تحرير الشام» إلى الترويج لإدارتها على أنها «الإدارة الأكثر نجاحاً» في الجغرافيات السورية، ولا سيما تلك المحسوبة على المعارضة من حيث «الاستقرار الأمني الذي تنعم به إدلب، في مقابل الفوضى وانتشار عمليات القتل والاغتيال في مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا».

لا يصعب تخمين دوافع الهيئة التي تسعى إلى إنجاح مشروعها عبر العمل على مسارات متوازية، بدءاً من كونها سلطة أمر واقع، ووصولاً إلى الانفتاح على الدول الغربية أملاً في إزالة اسمها من لوائح الإرهاب

وبرغم معاداتها لفصائل المعارضة، واقتتالاتها المتتالية ضدها، حرصت الهيئة على الاستعانة ببعض الفصائل والحفاظ على وجودها في مناطق نفوذها بوصفها «جهات مقاتلة» لا تتدخل في الشؤون الأمنية والإدارية للمنطقة، ولاحقاً تطور الأمور إلى التعامل مع الجيش الوطني المدعوم من تركيا، من خلال زيارات لقادة من الصف الأول في الهيئة إلى ريف حلب الشمالي.

ويبدو أن التحول الذي طرأ على سياسة الهيئة في التعاملات مع السكان (من قبيل الجولات التي حاول فيها أبو محمد الجولاني كسب ثقة الناس) تتماشى فعلياً مع المتطلبات التي تحتاجها سياسة الانفتاح الجديدة

لا يصعب تخمين دوافع الهيئة التي تسعى إلى إنجاح مشروعها عبر العمل على مسارات متوازية، بدءاً من كونها سلطة أمر واقع عسكرية، واقتصادية، بواجهة إدارية «مدنية»، ووصولاً إلى الانفتاح على الدول الغربية أملاً في إزالة اسمها من لوائح الإرهاب.

وضمن هذا الإطار يمكن تصنيف تبني «شعارات وأهدافاً ثورية»، وهو تبنّ كلامي لا أكثر، بما يخدم مشروع الهيئة، فالمبادئ المطروحة من «حرية وكرامة» وغيرها لا مكان لها على الأرض في مناطق «تحرير الشام» التي كثيراً ما اعتقلت العديد من الناشطين والصحافيين بسبب «بوست» ينتقدها على موقع فايسبوك.

ويبدو من الطبيعي أن تنظر التنظيمات والتشكيلات العسكرية التي دون مستوى الدولة إلى المحيط الإقليمي، وتحاول محاكاة بعض النماذج فيه، من «حزب الله»، إلى «حركة حماس»، بل وربما الطموح إلى تكرار تجربة «طالبان».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها