× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

رواندا: هكذا أُسِّس للإبادة الجماعية

عقل بارد - شعوب وحروب 15-09-2021

ربما لم يسمع كثير من السوريين والسوريات بدولة رواندا الأفريقية، ولا بما جرى فيها من أحداث وفواجع ومجازر قد تفوق ما حدث في بلادنا بأشواط، أو كيف خرجت هذه الدولة (التي تعادل مساحتها سُبع مساحة سوريا فحسب) من هول تلك الصراعات، ووصلت اليوم إلى كونها واحدة من أكثر دول القارة السمراء تقدّماً

الصورة: (gil.serpereau on Foter)

تقع رواندا وسط القارة الأفريقية، وتحديداً في منطقة البحيرات العظمى. عاصمتها مدينة مغرقة في القدم والحضارة، اسمها كيغالي.

رواندا بلد غير ساحلي، يمتلك واحداً من أعلى معدلات الكثافة السكانية في القارة السمراء، بنسبة 450 شخصاً في الكيلومتر المربع الواحد من الأرض الصالحة للزراعة، ينقسم السكان بين ثلاث مجموعات أساسية: الهوتو، والتوتسي، والتوا. 

يعتمد أكثر من 90% من السكان على الزراعة وخاصة زراعة البن والشاي، في حين يعمل الجزء الباقي قي قطاعات خدمية وتجارية، وقليل منها صناعية، وتتمتّع رواندا بمناخ معتدل شبه استوائي مع فصلين مطيرين. 

رواندا غنية بالمسطحات المائية من أنهار وبحيرات. فيها ثلاثة من أشهر المنتزهات الوطنية في العالم هي: منتزه أكاغيرا الوطني، ومنتزه غابات نيونغوي المطيرة، ومنتزه البراكين الوطني، الذي يعد من أهم منتزهات أفريقيا، وهو موطن الغوريلا الجبلية.

كيف نشأت التعقيدات الرواندية؟

خصوصية رواندا التاريخية أنها جمعت في تركيبتها السكانية عدداً من الأعراق. بشكل أساسي، حصل ذلك نتيجةً لتحديد الحدود الدولية لها من قبل المستعمرين البلجيكيين والألمان، كما هو الحال في غالبية الحدود التي نشأت في العالم خارج أوروبا، بعد وصول طلائع الاستعمار إلى الشرق والجنوب (أفريقيا، وآسيا) وبتعبير مستشار المخابرات اﻷميركية روبرت كابلان فقد «رُسمت هذه الحدود بيد مهتزّة».

اعتُمدت الحدود بناء على المصالح الاقتصادية للمستعمرين، من دون مراعاة أي من الجوانب الاجتماعية، أو التاريخية مثل مسألة انتشار القبائل وحراكها بين مناطق الرعي والغذاء. 

لم يتم التمييز بين الهوتو والتوتسي إلا عبر خطاب الكراهية والانقسام، ثم المذابح المتتالية التي أصبحت أكثر راديكالية بعد الإبادة الجماعية في رواندا العام 1994

في واحدة من أقذر السلوكيات الاستعمارية نُقل المئات من رواندا إلى بلجيكا في القرن الثامن عشر لعرضهم في حديقة الحيوان، بعض هؤلاء أجريت عليهم تجارب للتأكد من آدميتهم!

ليس القصد تحميل مسؤولية كل ما حصل في رواندا من اقتتال أهلي، ومجازر لـ«الاستعمار»، فالخلافات كانت قائمة بالفعل بين مكوّنات السكان في المنطقة، لكن تطور الخلافات بالشكل الذي سارت وفقه الأمور لم يكن ليحدث لولا تدخل بعض القوى الدولية، واستعداء بعض الروانديين ضد بعضهم الآخر بطرق ذكية مرتبطة بالمصالح والسلطة وأجهزة الدولة، وغيرها.

على سبيل المثال، ضمّت رواندا تكوينين قبليين كانا متعايشين على ضفاف البحيرات الكبرى قروناً وأجيالاً، يحدث بينهما ما يحدث كثيراً بين الجيران من تناحرات، واقتتالات متقطعة بسبب قضايا اﻷمن والماء والغذاء، من دون أن يتطور الأمر إلى مرحلة اﻹبادة الجماعية كما حدث في وقت لاحق. 

وبكثير من التأكد، يمكن القول إنّ جزءاً كبيراً مما حصل في رواندا كانت وراءه مصالح قوى خارجية غذّت الخلافات حول التعدين، والثروات الطبيعية ومنها العاج والذهب والقصدير والكولتان وغيرها. 

تفسير حوادث النزاع في المجتمع الرواندي

تم تعريف الصراع في رواندا بطرق مختلفة، ونتجت الاختلافات في التعريف عن كيفية فهم المجتمع الرواندي ومكوّناته، فقد أُعطيت مجتمعات الهوتو، والتوتسي، والتوا، تعريفات مختلفة وفقاً لاختلاف المصادر والفترات التي اعتُمد فيها كل تعريف، كما أنتج الروانديون والأجانب أدبيات كثيرة حول هذه القضية منذ الحقبة الاستعمارية حتى الآن. 

في أكثر الحالات تم تصنيف الروانديين على أنهم أعراق، أو قبائل. وفي حالات أخرى تم تصنيف الصراع تبعاً لطبقات اجتماعية، وفي بعض الحالات قام التصنيف على أساس أقلية ضد أكثرية، وفي كلّ من التصنيفات كان هناك جانب من الصواب، وآخر من مجانبة الصواب.

يُظهر التحليل العميق بوضوح أن تلك الهويات لا تتوافق في الواقع مع أي من التصنيفات التي حُصرت في إطارها لفترة طويلة. 

على سبيل المثال، إن ربط التوتسي بـ«العرق القوقازي» هو مجرد جزء من الصورة النمطية الحامية التوتسية. وللتوضيح، فإنّ الصورة النمطية لانتساب التوتسي إلى حام (ابن نوح) تعطي أفضلية على الهوتو الذين ينتسبون وفق الصورة النمطية نفسها إلى يافث، وهذه الصورة منبتها الاستعمار البلجيكي الذي اعتمد نظرية اﻷعراق المنبثقة من التوراة. (روج بعض المفكرين مثل هوستن ستيوار تشامبرلين 1855 - 1927 لفكرة أن الآريين ـ ومنهم القوقازيون ـ متفوقون عرقياً وثقافياً على أجناس الشعوب الأخرى التي تقسم أعراق العالم إلى سامي وحامي وآري وغيرها مما لم يعد معترفاً بها من قبل أي هيئة علمية في ظل وجود تقنيات الـ DNA واكتشاف أن غالبية البشر ذوي جينات هجينة).

أما مفهوم الطبقة الاجتماعية (الغربي أيضاً) فهو يشير إلى طبقة اجتماعية (ناتجة عن الوراثة، أو عن الطبيعة الداخلية الاقتصادية) ينتمي أعضاؤها إلى المجموعة العرقية نفسها، والدين نفسه. لكن، لم يكن هذا هو الحال في رواندا، حيث لم تستحضر العلاقة بين الهوتو، والتوتسي أبداً أي فكرة عن وصمة عار طبقية.

في واحدة من أقذر السلوكيات الاستعمارية نُقل المئات من رواندا إلى بلجيكا في القرن الثامن عشر لعرضهم في حديقة الحيوان، بعض هؤلاء أجريت عليهم تجارب للتأكد من آدميتهم!

استخدم آخرون مصطلح «الوضع الاجتماعي» للتمييز بين الهوتو، والتوتسي. وإذا كان من الممكن تطبيق تعريف الوضع الاجتماعي - إلى حد ما - على المجتمع الرواندي ما قبل الاستعمار، فمن الصحيح أن التمييز في هذا الوضع وفقاً للمجتمعات الأوروبية في العصور الوسطى لا يغطي التمييز بين الهوتو والتوتسي، سواء في رواندا، أو في بوروندي المجاورة. من المنطقي أنّ كل التوتسي لا ينتمون إلى طبقة النبلاء، وفي العديد من المناطق كانت عائلات الهوتو الأرستقراطية في السلطة بالوراثة. 

لهذه الأسباب، لم تكن فئات الهوتو، والتوتسي، والتوا طبقات اجتماعية بالمعنى الأوروبي للمصطلح. فضلاً عن أن التوتسي أنفسهم عاشوا في ظروف اجتماعية مختلفة اقتصادياً وسياسياً، وحتى اجتماعياً كانوا منظمين في تسلسلات هرمية، وهو حال ينطبق على الهوتو أيضاً.

في بوروندي المجاورة، على سبيل المثال، شكّل النبلاء المدعوون بـ Ganwas مجموعة منفصلة، عرّفت نفسها على أنها مختلفة عن التوتسي، وقد أدّت التمثيلات الأيديولوجية الغربية إلى إضعاف Ganwas داخل مجموعة التوتسي، بينما صنفت كل التوتسي على أساس المراجع الخاصة بـ Ganwas! والصراع الذي يدمر بوروندي اليوم يجد جذوره في تلك النظرة التفسيرية المضللة التي فرضها العالم الغربي على المجتمع البوروندي.

من بين جميع المفاهيم الأنثروبولوجية التي استُخدمت لتوصيف المجتمع الرواندي كان الأكثر شيوعاً مفهوم المجموعة العرقية، فهب ينطبق بالفعل؟

في الواقع تشكّل جماعتان بشريتان مجموعتين عرقيتين مختلفتين، إذا - وفقط إذا - كانت كل منهما تنتمي إلى تصنيف مختلف في اللغة والثقافة والتاريخ والإقليم، وهذا اﻷمر غير موجود على اﻹطلاق في رواندا، كما في بوروندي. 

وحتى لو اعتبرنا أن المنطقة المشتركة بين المجموعتين العرقيتين، أعيد تنظيمها بسبب الإيديولوجيا والتاريخ، والتقسيم الذي لحق بهما، يجب أن ندرك أن اللغة (الرواندية التي يتكلم بها 99.5 من السكان) والثقافة المشتركة قاومتا حتى الآن محنة انقسام الهوية بين المجموعتين. 

في البلدان المجاورة لرواندا، مثل أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يوجد مجتمع وازن من الناطقين بالرواندية، يُعتبر جميع الناطقين بالرواندية أعضاء في المجموعة العرقية نفسها، وهي مجموعة بانيارواندا (شعب رواندا).

لم يتم التمييز بين الهوتو والتوتسي إلا عبر خطاب الكراهية والانقسام، ثم المذابح المتتالية في المستعمرتين البلجيكيتين السابقتين (رواندا وبوروندي)، تلك المذابح التي أصبحت أكثر راديكالية بعد الإبادة الجماعية في رواندا العام 1994. 

في المحصلة يمكن التسليم بتأكيدين: أولاً، كيانا الهوتو والتوتسي اللذان كانا أصل النزاعات في المجتمع الرواندي المعاصر لم يشكلا أعراقاً ولا قبائل ولا مجموعات عرقية.

وثانياً، كان الصراع ذا أساس سياسي ـ اقتصادي، لا أنثروبولوجي.

 يتبع


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها