× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

تدهور الزراعة في سوريا: حصاد الفشل

عقل بارد - على الطاولة 16-10-2021

بين البطالة المقنعة، وسياسة «الاكتفاء الذاتي»، التنقل بين زراعات مختلفة وتجريبها، واحتكار زراعات وتحريرها، والدعم ورفعه، واعتماد مفهوم وطي آخر، وموجات الجفاف، والتغيرات الديموغرافية، والتحولات الاقتصادية المرافقة، والحرب، ضاع أحد أهم أعمدة الاقتصاد السوري، ودمر القطاع الأكثر استيعاباً للعمالة، القطاع الضامن لاستمرار الحياة: الزراعة

الصورة: (فاو - فليكر)

على امتداد العقدين الماضيين مرت الزراعة في سوريا بمجموعة من التحولات، بعضها ناجم عن تغيرات في الخطط الاقتصادية، وبعضها الآخر ناجم عن ظروف خارجة عن الإرادة لم يخطط لمواجهتها، ما خلق بمجمله تربة ملائمة لنمو الفشل الذي جاءت الحرب لتكمل صورته القاتمة.

مع تولي حزب البعث السلطة في سوريا أولى قطاع الزراعة اهتماماً بالغاً، لأسباب عدة، أبرزها البحث عن «الاكتفاء الذاتي»، وكونه قطاعاً يؤمن عمالة لنسبة كبيرة من القوة العاملة. 

استوعب هذا القطاع خلال الفترة الممتدة من سبعينيات القرن الماضي إلى مطلع القرن الحالي أكثر من 25 بالمئة من القوة العاملة في البلاد، بالإضافة إلى مساهمة كبيرة في الناتج المحلي تفاوتت نسبتها بين 26 و30 بالمئة.

تمكنت المنظومة التي بناها البعث من تحقيق نمو - وإن كان ضئيلاً - في القطاع الزراعي، خصوصاً مع تقديم الدعم الكبير لبعض الزراعات الاستراتيجية التي احتكرت محاصيلها الحكومة، مثل القمح، والشوندر السكري، والتبغ، والقطن. علاوة على إدخال المكننة إلى القطاع عبر منح قروض ميسرة للمزارعين، وبيع آليات زراعية بالتقسيط، ودعم الأسمدة والمبيدات الحشرية، والتشجيع على استثمار الأراضي الزراعية غير المزروعة.

أعباء متراكمة

راكم النظام الاقتصادي السوري ثقلاً كبيراً على عاتق القطاع الحكومي، كما أسهمت بعض العوامل والظروف الجوية، وعوامل اقتصادية أخرى، والنمو السكاني، في زيادة العبء على الدولة.

بلغت تكلفة دعم القطاع الزراعي حوالى 7 بالمئة من الناتج المحلي، وهو «رقم كبير»، وفق وصف منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، في التقرير النهائي الصادر عن مشروع «المساعدة في التعزيز المؤسسي والسياسات الزراعية» العام 2001.

يذكر التقرير أن «خسارات المؤسسات العامة الثلاث المعنية بتسويق القمح والدقيق، والقطن، والشوندر السكري استهلكت في العام 1999 حوالى 4,5 % من إجمالي الناتج المحلي».

ويسرد مجموعة من العوامل التي يجب الالتفات إليها، منها أن نصف العاملين في القطاع الزراعي قالوا وقتها في استبيان إن مستوى دخلهم لا يكفيهم، بالإضافة إلى مشكلات تتعلق بالعجز المائي، وتعرض التربة إلى حت المياه والرياح والتملح والتلوث الكيماوي، وأثرت هذه العوامل على نحو 17.3 % من مساحة البلاد.

التحوّل والضياع

جاءت الخطة الخمسية العاشرة (2006 – 2010) بتحول اقتصادي جذري، عبر الانتقال إلى «اقتصاد السوق الاجتماعي»، وما رافق ذلك من تغيرات في آليات توزيع الدعم، وإدارة القطاع الزراعي، والتخلي عن مفهوم «الاكتفاء الذاتي» الذي يتوخى تحقيق اكتفاء من الإنتاج المحلي، ليحل محله مفهوم «الأمن الغذائي» الكفيل بتحرير عمليات استيراد وتصدير المواد الزراعية، وتحقيق الأمن الغذائي سواء عن طريق الزراعة الداخلية، أو عن طريق الاستيراد وعمليات المبادلة التجارية، وهو ما أيده البنك الدولي الذي شجع في تقرير له على رفع الحماية عن المنتجات الزراعية. 

ألقى هذا التحول أعباء كبيرة على المزارعين الذين وجدوا أنفسهم أمام ارتفاع متواصل لأكلاف الإنتاج، إذ رُفع الدعم جزئيّاً عن مواد زراعية عديدة، من بينها الأسمدة، والمبيدات الحشرية، فضلاً عن المحروقات التي ارتفعت أسعارها تدريجياً. كما صدرت قرارات تحد من الأنشطة الزراعية بشكل غير مباشر، منها مثلاً تحديد المساحة التي يمكن إرواؤها عبر الآبار، بداعي الحفاظ على المياه الجوفية، وفق توصيات «فاو»، ومن دون إيجاد بدائل لسقاية الأراضي.

وجه منتقدو الانتقال السريع وغير المدروس إلى النظام الاقتصادي الجديد انتقادات عديدة، أبرزها أنه حدد هدفاً واضحاً وفق الخطة الخمسية هو تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 7 بالمئة، من دون النظر إلى القطاعات التي ستساهم في تحقيق هذا النمو، أو الآثار الاقتصادية الكبيرة على بعض القطاعات الهشة مثل القطاع الزراعي. انخفض معدل نمو القطاع الزراعي إلى أقل من 1.3 بالمئة بين العامين 2006 و2009، بالتوازي مع ارتفاع معدلات نمو قطاعات أخرى مثل السياحة، ما شكل عنصر جذب لنسبة وازنة من القوى العاملة في القطاع الزراعي، تسربت تدريجياً. 

الجفاف وورقة التوت

خلفت موجة الجفاف التي ضربت البلاد بين العامين 2006 و2008 خسارات اقتصادية كبيرة، سواء في القطاع الزراعي، أو حتى على المستوى الديموغرافي، إذ ولّدت زيادة لتدفق القوى العاملة من القطاع الزراعي المتهالك إلى قطاعات أخرى، ما رفع وتيرة حركات النزوح الجماعية من الأرياف إلى مراكز المدن بحثاً عن فرص أفضل في الحياة.

البنية الهشة للقطاع الزراعي في سوريا، والضرر الذي لحق به جراء السياسات الاقتصادية، وغياب الخطط الإنقاذية، كانت عوامل سرّعت من انهيار هذا القطاع مع اندلاع الحرب

ووفق تقديرات الأمم المتحدة ألحقت موجة الجفاف ضرراً كبيراً بأكثر من 1.3 مليون شخص، منهم أكثر من 800,000 تضرروا بشدة. بالإضافة إلى أضرار بالغة طاولت الثروة الحيوانية، وفقد بعض مربي الماشية نحو 70 بالمائة من مواشيهم في المناطق المتضررة، بسبب ضعف النمو الخضري، وتأثر المراعي التي كانت توفر نحو 60 بالمئة من الأعلاف الحيوانية.

الملاحظ في موجة الجفاف التي ضربت المنطقة الشمالية الشرقية، أن تلك المناطق كانت تعاني أساساً من قلة المياه، وتعتمد الزراعة فيها بشكل كبير على مياه الأمطار لأسباب عديدة، بعضها يتعلق بقلة المشروعات الحكومية المائية، فضلاً عن التحكم التركي بمياه نهري الفرات، ودجلة الذي لا تستفيد سوريا منه زراعيّاً بسبب ضعف جريانه، ووعورة المنطقة القصيرة التي يمر فيها، وعدم إقامة مشروعات للاستفادة منه (أعلن عن مشروع جر مياه نهر دجلة العام 2011، أي بعد أزمة الجفاف بأعوام، ولم يُنفذ حتى الآن بسبب اندلاع الحرب).

وبرغم التوجه الحكومي نحو إقامة مشروعات مائية في مناطق مختلفة لتخزين مياه الأمطار، والتحول إلى السقاية في بعض المناطق، فقد جاءت الخطوة متأخرة، ولم تتمكن من مجاراة التغيرات المناخية القاسية، ما ضاعف تأثير الجفاف الذي ضرب سوريا حينها.

الحرب والانهيار

البنية الهشة للقطاع الزراعي في سوريا، والضرر الذي لحق به جراء السياسات الاقتصادية، وغياب الخطط الإنقاذية، كانت عوامل سرّعت من انهيار هذا القطاع مع اندلاع الحرب. 

تحولت نسبة كبيرة من العاملين في هذا القطاع المنهك إلى الأعمال القتالية، كما صارت كثير من الأراضي الزراعية ساحات معارك وعرفت مختلف أنواع القصف والدمار، واستهدفت عمليات السرقة والنهب مساحات زراعية واسعة، وآليات ومعدات، بالإضافة إلى تناحر القوى المسيطرة على المحاصيل الاستراتيجية.

لعل أبرز مثال على الانهيار الذي أصاب القطاع الزراعي، إلى جانب استيراد القمح، ما حل بالقطن الذي (كان) يعد من أبرز الزراعات الاستراتيجية في سوريا. 

طاولت الكارثة معظم المزروعات، مثل الزيتون، والقمح، والشعير، والقطن، والشوندر، وحتى الفواكه والحمضيات التي عجزت الحكومة السورية عن إيجاد أسواق لتصريفها طيلة السنوات السابقة.

كما استهدفت عمليات التخريب والسرقة مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون في الشمال السوري (وبشكل خاص عفرين)، فيما تسببت الحرائق التي ضربت الساحل السوري بأضرار هائلة بالزيتون وغيره من المزروعات. 

علاوة كل ما تقدم، يعاني القطاع الزراعي راهناً من أزمات عديدة، مثل انخفاض عديد الأيدي العاملة، وارتفاع أكلاف الإنتاج، وصعوبة تأمين الوقود ومياه السقاية، وصعوبة تسويق المنتجات الزراعية أيضاً، بالإضافة إلى الإتاوات التي تفرضها القوى المسيطرة على عمليات نقل المزروعات بين مناطق السيطرة داخل سوريا.

كذلك، تراكمت أضرار فادحة نتيجة غياب منظومة الحماية والردع البيئية، إذ تحاول جميع الأطراف الاستفادة القصوى من القطاعات التي تدر المال بشكل سريع، مثل النفط الذي يُكرر بشكل بدائي في مناطق عديدة، أو عمليات استخراج الفوسفات والثروات الداخلية في المناطق الوسطى من دون أي ضوابط بيئية، ما أدى، وسيؤدي إلى زيادة مساحة الأراضي غير الصالحة للزراعة، ويجعل إعادة تأهيلها أمراً مكلفاً للغاية مستقبلاً.

«الثروة الحيوانية»

يعد قطاع الثروة الحيوانية أحد أعمدة القطاع الزراعي، وتشير تقديرات عديدة إلى أنه كان قبل الحرب يشكل نحو 30 بالمئة من القطاع الزراعي، وكان يمتاز بأنواع جيدة من المواشي، أبرزها الأغنام ذات السمعة العالمية. ووفقاً لتقديرات «فاو» كانت قيمة إنتاج القطاع في سوريا تفوق 3.17 مليار دولار العام 2012.

انخفض معدل نمو القطاع الزراعي إلى أقل من 1.3 بالمئة بين العامين 2006 و2009، بالتوازي مع ارتفاع معدلات نمو قطاعات أخرى مثل السياحة، ما شكل عنصر جذب لنسبة وازنة من القوى العاملة في القطاع الزراعي، تسربت تدريجياً

تشكل الثروة الحيوانية أهم مصادر الدخل لنسبة كبيرة من سكان أرياف المناطق الشمالية، والشمالية الشرقية، ومناطق البادية السورية. ما يعني أن الأضرار التي لحقت هذه الثروة أثرت على الأمن الاقتصادي لنسبة كبيرة من السكان، فضلاً عن الآثار التي تركها هذا الضرر في القطاع الزراعي، وفي الاقتصاد السوري، وعلى الأمن الغذائي بشكل عام.

لا يمكن اعتبار الإنذار الذي أطلقته جهات عدة في سوريا حول الخوف من «انقراض الثروة الحيوانية» مفاجئاً، بل هو تطور طبيعي لما واجهه قطاع الزراعة بشكل عام.

وتظهر إحصاءات رسمية سورية أن «الثروة الحيوانية انخفضت بين 50-60 بالمئة»، وأن «50 بالمئة من المداجن خرجت عن الخدمة»، معيدة السبب إلى «السرقة، والتهريب، والذبح العشوائي»، من دون أن تتطرق إلى تراجع مساحة المراعي، أو ارتفاع أسعار الأعلاف، وصعوبة تأمين الوقود، وتقاعس (أو عجز) الجهات الحكومية عن أداء واجباتها. 

وتنشط عمليات تهريب ما تبقى من مواشٍ إلى العراق، ولبنان، والأردن بشكل يؤشر على وجود شبكات منظّمة، الأمر الذي لا يعد جديداً أو ناجماً عن الحرب، وإن كانت الحرب قد أسهمت في تفاقمه. وخلال السنوات التي سبقت العام 2011 عرفت الثروة الحيوانية تسرباً كبيراً عن طريق التهريب، خصوصاً في فترة الجفاف حين أصبحت تربية المواشي مكلفة جداً، من دون أن تتمكن الحكومة من وقف عمليات التهريب أو تقديم الدعم الكافي لمربيها.

وبحسب تقديرات مسؤولي وزارة الزراعة، انخفض عدد رؤوس الأغنام والأبقار إلى قرابة نصف أرقام العام 2010 التي تشير إلى 15 مليون رأس غنم، وعشرة ملايين رأس بقر.

اللافت في تقديرات وزارة الزراعة أنها جاءت بعد عام واحد فقط من الحديث عن «استعادة الثروة الحيوانية عافيتها» في الغوطة الشرقية، بعد خروج الفصائل المسلحة من ريف دمشق، ما يطرح تساؤلاً حول حقيقة الأرقام التي تقدمها الوزارة من جهة، وحجم عمليات التهريب من جهة أخرى.

مستقبل قاتم

قبل عامين قدرت وزارة الزراعة خسارة القطاع الزراعي والحيواني بين العامين 2011، و2016، بـ 16 مليار دولار أميركي، من دون حساب الأضرار التي لحقت بمشاريع الري، وقنوات الإنتاج في قطاعات التجارة الخارجية والتصنيع الزراعي.

لا يمكن تعليق تدهور القطاع الزراعي على الحرب وظروفها فحسب، كما لا يمكن النظر إلى النتائج من دون الخوض في الأسباب، فإن كانت الحرب قد دمرت القطاع بمختلف جوانبه، فإن التغيرات والتحولات والسياسات الاقتصادية قبل اندلاع الحرب هيئت الظروف المناسبة لهذا الانهيار الذي يتعدى كونه أزمة حالية فحسب، بل يُتوقع أن يدوم سنوات عديدة، سواء بسبب التغيرات التي طرأت على أنظمة الزراعة، أو الضرر الذي لحق بالتربة، والمشاريع المائية، أو أزمة القوى العاملة في هذا القطاع الذي يحتاج رؤوس أموال تشغيلية كبيرة، وهو أمر لا يجذب الاستثمارات التي تركز اهتمامها غالباً على قطاعات تكون دورة رأس المال فيها سريعة، مثل قطاع البناء، وبعض القطاعات الصناعية والسياحية.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها