× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الصحافة والإبادة الجماعية في رواندا: «مجرم» برتبة رئيس تحرير

عقل بارد - شعوب وحروب 13-11-2021

كانت صحيفة «كانغورا» أبرز وسائل الإعلام المطبوعة في رواندا في تسعينيات القرن الماضي. ومع أنها كانت تصدر مرة كل شهرين فحسب، فقد كانت تحظى بانتشار واسع. كانت الصحيفة معروفة جيداً بكراهيتها الهستيرية للتوتسي، ومعهم أيضاً أفراد الهوتو الذين يعربون عن أي رغبة في التغيير، والحرية، والانفتاح الديمقراطي

الصورة: (نسخة من صحيفة كانغورا / Genocide Archive of Rwanda - فليكر)

كنا في الجزء السابق من تناولنا لأحداث الإبادة الجماعية في رواندا قد توقفنا مع دور وسائل الإعلام في التحريض على المجازر، وبشكل خاص الوسائل المسموعة (الإذاعة) ونخصص هذا المقال للبحث في دور الإعلام المطبوع، عبر صحيفة كانغورا، ورئيس تحريرها الذي أدين في نهاية المطاف ويقبع حالياً في السجن، مع مقارنات سريعة بين أداء الصحيفة الرواندية وبعض ما شهدناه في سوريا، بعيداً عن الأسماء.

تأسست صحيفة كانغورا / Kangura في أيار العام 1990، وترأس تحريرها حسن نغيزي، منذ تأسيسها وحتى توقفها عن الصدور في العام 1995.

اشتهرت المطبوعة بنشرها ما دُعي بـ «الوصايا العشر للهوتو» في عدد كانون الأول / ديسمبر 1990، وهي مجموعة توصيات حافلة بخطاب الكراهية، والتمييز، والتحريض ضد التوتسي. 

دعت كانغورا إلى «بناء مجتمع جديد أصيل ونقي»، ويمكن السماح بوجود «فئة من غير السكان الأصليين على هامشه، شريطة مراقبتها عن كثب». كما اهتمت على نحو خاص بنشر صور قديمة ومثيرة للغضب وتستدعي الأحقاد، عبر إبراز جوانب من الواقع السيئ الذي عاشه الهوتو في مرحلة ما قبل الاستقلال، حين كان التوتسي رغم أقليتهم العددية يحظون بمكانة أعلى اقتصادياً واجتماعيّاً وحتى سياسياً.

بمعنى أوضح، فالصحيفة لم تبنِ على الفراغ، بل استدعت مظلوميات من التاريخ غير البعيد، لتشحن النزعات الانتقامية. وحتى تلك «الوصايا العشر» لم تكن من تأليف الصحيفة، بل هي خلاصة لوثيقة وضعها تسعة مفكرين روانديين من الهوتو في آذار 1957 كان عنوانها«ملاحظة حول الجانب الاجتماعي للمشكلة العرقية الأصلية في رواندا»، وامتدت على نحو عشر صفحات نددت بـ«استغلال الهوتو من قبل التوتسي العرقيين»، ودعت إلى «تحرير مزدوج لشعب الهوتو، أولاً من عرق المستعمرين البيض، وثانياً من عرق الطغاة الحاميين (أي التوتسي)».

توضيح مكثف للسياق التاريخي

كانت رواندا في العام 1990 على مفترق طرق. ولفهم تعقيدات الوضع وقتها، نعود سريعاً إلى أواخر الخمسينيات، حين كانت البلاد تحت «الإدارة البلجيكية»، مع مزايا كبيرة للتوتسي. وفي تشرين الثاني / نوفمبر 1959، أشعل أحد أحداث العنف نيران ثورة للهوتو، قُتل فيها المئات من التوتسي وفر الآلاف إلى البلدان المجاورة. كانت تلك بداية «ثورة فلاحي الهوتو»، أو «الثورة الاجتماعية» التي استمرت حتى العام 1961.

بحلول العام 1962 ومع استقلال رواندا كان 120 ألفاً (معظمهم من التوتسي) لاجئين في دول الجوار. في العام 1990 كان هؤلاء يناضلون للعودة إلى بلادهم مصرّين على إلغاء «الكوتا» العرقية بين المجموعات وبين المناطق. أما داخل البلاد، فكان المزيد من الناس يطالبون بنظام متعدد الأحزاب.

عند إعادة النظر في أداء مطبوعة «كانغورا» يلفت النظر بشكل خاص الاهتمام باستثمار أحداث من تاريخ البلاد لتحويلها إلى وسيلة تحريض، وتبرير للعنف، ودعوة إلى الإبادة، إذ يقدم الماضي وفقاً للمطبوعة «دليلاً على أن العنف ضد التوتسي أمر طبيعي ومشروع»

في المقابل، كانت هناك معارضة لإعادة اللاجئين، وكان هناك تحكم من قبل بعض المقربين من الرئيس (من عائلته بالدرجة اﻷولى) بحركة اﻷسواق، والتجارة، والفساد، في تناقض واضح مع المبادئ التي شرعت ثورة 1959. وهكذا، اجتمع الشعور بالاختناق داخل البلاد، وشعور المنفيين بالتخلي عنهم لإدانة نفاق نظام يمارس التمييز والطغيان علانية، مع ادعائه أنه جمهوري وديمقراطي. (المحررة: يبدو أنها حالة عامة في معظم بلدان العالم الثالث، مع غياب الرقابة والقانون). 

في مواجهة مطالبات الانفتاح السياسي، عزف النظام على وتر التخويف من عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاستقلال، ودعا الأغلبية إلى التعبئة للحفاظ على المكتسبات، ومن ناحية أخرى، عمل النظام على التذكير بممارسات عنفية واعتداءات ارتكبها بعض التوتسي في كانون الأول / ديسمبر 1963.

الصحافة شريكة في الإبادة

بين العامين 1990 و1994 ـ وبشكل خاص خلال العام 1991 ـ احتوت «كانغورا» على عدد كبير من المقالات التي حرضت وجيّشت ضد التوتسي، «الذين أخذوا كل شيء»، و«الموجودين في كل مكان»، و«يسيطرون على قطاع الأعمال» و«يحتلون مواقع متقدمة في مختلف المجالات».. إلخ.

كانت «كانغورا» نشيطة في سياق مستند إلى معطيات اقتصادية ملموسة، إذ أعاق الفقر المتزايد الوصول إلى التعليم، والرعاية الصحية، والعمل داخل مجتمع يعيش على الزراعة، بينما أصبحت الأرض أقل خصوبة، وضمن هذا الوضع، كان اتهام التوتسي بالاستيلاء على جميع الامتيازات وتحميلهم المسؤولية عن كل شيء تكتيكاً مضموناً لإعادة التعبئة والاستقطاب في صفوف الهوتو ضد التوتسي، بدلاً من تسليط الضوء على الفساد، ودعم الأصوات المنادية بالتحول نحو تعدد الأحزاب.

نجحت الصحيفة بشكل خاص في حشد كثير من الشباب الذين كانوا غير متعلمين، وعاطلين عن العمل، وبلا أمل في مستقبل أفضل، فضلاً عن عدد كبير من المتعلمين الذين لم يعد من الممكن توظيفهم من قبل حكومة تمتثل لبرامج التكيف الهيكلي التي وضعها صندوق النقد الدولي. 

في تشرين الثاني 1991، طرح حسن نغيزي سؤالاً: «ما هي الأدوات التي سنستخدمها لهزيمة الصراصير / Inyenzi (في إِشارة إلى التوتسي ومؤيدي السلام والتغيير من الهوتو) مرة واحدة وإلى الأبد»؟

وجاءت الإجابة عبر كاريكاتير يصور غريغوار كايباندا (الرئيس السابق لرواندا قبل أن ينقلب عليه جوفينال هابياريمانا) وبجواره منجل، في إِشارة واضحة إلى وجوب التخلص من التوتسي عن طريق القتل.

استنتاجات سريعة

عند إعادة النظر في أداء مطبوعة «كانغورا» يلفت النظر بشكل خاص الاهتمام باستثمار أحداث من تاريخ البلاد لتحويلها إلى وسيلة تحريض، وتبرير للعنف، ودعوة إلى الإبادة، إذ يقدم الماضي وفقاً للمطبوعة «دليلاً على أن العنف ضد التوتسي أمر طبيعي ومشروع»، ومثل هذا الاتجاه التبريري لمسناه في عدد من الوسائل الإعلامية التي تناولت الشأن السوري، من مختلف الاتجاهات، في سعي إلى تبرير العنف ضد «اﻵخرين».

في حالة رواندا، كان من الواضح أن تلك الإشارات التاريخية سلكت اتجاهاً يرتكز على التشويه التاريخي للأحداث، والابتعاد عن تحليل اﻷسباب الحقيقية لتردي ظروف البلاد، والتركيز على الانتماءات الـ«تحت وطنية».

وفي الحالة السورية، لمسنا كذلك مثل هذا الاتجاه إلى لي عنق الحقائق مرات عديدة، وإذا كان صحيحاً أن هناك وجهات نظر مختلفة في أحداث التاريخ، لكن التشويه وتغيير سياق اﻷحداث نفسه، ليس مما يحسب على وجهات النظر بالتأكيد.

مصير نغيزي

بين العامين 1990 و1994 تحول نغيزي إلى ضيف دائم على وسائل الإعلام الداعمة للإبادة الجماعية، مثل إذاعة RTLM، وكرر دعواته إلى «إبادة الصراصير»، كما تلا على الهواء مباشرة قوائم بأسماء شخصيات محددة يتوجب قتلها، ونشرت صحيفته (كانغورا) تلك الأسماء، وقوائم أخرى أيضاً. 

فرّ نغيزي من رواندا في حزيران / يونيو 1994 بعد سيطرة الجبهة الوطنية الرواندية على البلاد. اعتُقل في كينيا في 18 تموز / يوليو 1997، وفي العام 2003 حُكم عليه بالسجن مدى الحياة من قبل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا

في العام 2007، نقضت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بعض إداناته، لكنها أكدت أحكاماً في تهم أخرى على رأسها «المساعدة والتحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية»، وغيرت عقوبة السجن مدى الحياة إلى السجن 35 سنة. وفي 3 كانون الأول / ديسمير 2008 أُرسل إلى مالي ليقضي عقوبة السجن الصادرة بحقه.

أُنجز هذا المقال بالاستفادة من كتاب «The Media and the Rwanda Genocide» الذي حرره Allan Thompson، وصدر العام 2007 عن «Pluto Press»

 يتبع


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها