رونق سعيد
الصورة: (UNHCR/Katsiaryna Golubeva - تويتر)
يمضي السوريون في رحلة لجوئهم هرباً من حياة تشبه الموت؛ ليجدوه متربصاً بهم على حدود أحلامهم.
قبل أيام تناقلت وكالات الأنباء ببرود خبر عثور الشرطة البولندية على جثة لاجئ سوري توفي على الحدود مع بيلاروسيا، في ظل ما يوصف بـ«الأزمة المستمرة التي يعانيها آلاف اللاجئين العالقين في المنطقة الحدودية، وسط ظروف مأسوية نتيجة الحصار، والبرد، والجوع، والاعتداءات المتكررة من حرس الحدود».
الشرطة قالت في تقريرها إن «أسباب الموت مجهولة»، والتفسيرات قد تكون مرتبطة بالجوع، أو البرد، أو كليهما، لكنه أيضاً - وهذا ما لم يتحدث عنه أحد - ربما مات قهراً مما عاشه وأوصله إلى تلك النقطة في العالم لتنتهي حياته هناك. نهاية شاطره إياها لاجئون آخرون، ماتوا وهم يحلمون بأن تفتح «أبواب الجنة» لهم.
وقع هذه الأخبار يصعب أن يكون عابراً على من ذاق/ت طعم اللجوء، وعاش/ت مرارة ومصاعب الرحلة إليه، ستعاوده/ـا لسعات البرد، ويستذكر قلبه/ـا خفقات الخوف من حرس الحدود، أو ربما غمرته/ـا برودة أمواج البحر وهي تلسع وجهه/ـا في ليلة قاسية تخيل/ت أنها قد تكون ليلته/ـا الأخيرة.
على الحدود البيلاروسية – البولندية يحتشد آلاف الباحثين والباحثات عن «امتياز اللجوء» أملاً بعبور يوفر حياة أفضل، من دون الاكتراث بتصريحات المسؤولين، وتحليلات الخبراء عن تحول القضية إلى ورقة ضغط بيد بعض الساسة، أو تشكيل موجات اللاجئين «خطراً» على هذا البلد أو ذاك.
أي جحيم دفع هؤلاء إلى مكابدة كل هذه المصاعب؟ أي يأس يدفع عائلات بأكملها إلى أحضان التجمّد، كما دفع أخرى إلى مخاطر البحر وغدره؟
هل يلام هؤلاء على المغامرة على حافة الموت؟ ومن قال إنهم كانوا أحياء في بلدان احترفت سلب أرواح الأحياء والموتى منذ زمن؟
أسباب أخرى قد تقف وراء رحلة الموت هذه، كالشتات الذي عاشته العائلات السورية إثر هجرة بعض أفرادها سابقاً، وبعد سنوات طويلة ليس غريباً أن يدفع الشوق أباً وأمّاً إلى المغامرة في محاولة لعبور الحدود من أجل رؤية أبناء كبروا بينهما قبل أن تضطرهم الحرب إلى اللجوء، وتحول الظروف لاحقاً دون قدرتهما على رؤيتهم ولو في زيارة قصيرة. ها هو شاب سوري وصل إلى النمسا قبل سنوات يغامر بكل شيء، تاركاً عمله واستقراره ليطير إلى حدود بولندا بعد أن فقد الاتصال بوالديه اللذين قدما لرؤيته ورؤية شقيقتيه اللاجئتين في بلد آخر.
WARNING GRAPHIC CONTENT – Gordi, a Syrian Kurd who lives in Austria, says his parents are trapped between the Belarusian and Polish borders with little food or water and he has journeyed to Poland in a frantic bid to rescue them, despite the risk of arrest https://t.co/5ZEvce4jBm pic.twitter.com/laN8waLk8q
— Reuters (@Reuters) October 29, 2021
يبقي الشاب هاتفه بين يديه في انتظار أي رسالة تعيد إليه الأمل بأن والديه ما زالا في أمان بعد اختفائهما على الحدود وفقدان الاتصال بهما، أو اتصال يقربه خطوة تجاههما، فرغم أن المسافة بينه وبينهما تكاد لا تتجاوز 30 كيلومتراً فقط، لا يستطيع التواصل معهما.
يؤكد الشاب في مقابلة معه أن قرار والديه القدوم لم يكن بسبب المال، فقد كلفته رحلتهما الكثير منه، ويحملان معهما أيضا كمية منه، وهما لا يطمعان بحياة هنا لا تعجبهما أساسا، لكن الشوق إلى أولادهما كان الدافع الوحيد لهذه الرحلة التي يأمل «ألا تنتهي بمأساة». يبدي الشاب استغرابه من «عنصرية بعض المسؤولين تجاه اللاجئين مع أن بلادهم خاضت تجربة مشابهة خلال الحرب العالمية الثانية، واضطر الملايين من آبائهم وأجدادهم إلى خوض غمار رحلات ربما كانت أشد قسوة من التي يخوضها السوريون والسوريات اليوم».
مقابلات كثيرة مع العالقين والعالقات على الحدود حفلت بأحاديث عن المعاملة القاسية، وعن تعرض البعض لضرب مبرح من حرس الحدود وإصابة البعض بجروح وكسور في ظل غياب الرعاية الطبية.
ومع أن بعض المنظمات الإنسانية أطلقت مئات المناشدات فإن أحداً لم يلق بالاً لها، وانصبت الجهود على وقف تدفق موجات اللجوء عبر الضغط على الدول التي يقدمون منها، ووقف رحلات الطيران التي تقل المزيد منهم. وعلى أمل الوصول إلى حل قريب لأزمة من وصلوا وعلقوا على الحدود، يبقى غياب الحلول للأزمات التي تعصف ببلدان المهاجرين الأصلية دافعاً نحو موجات جديدة ومستمرة في «مواسم الهجرة نحو الشمال»، التي تبدو أشبه بقدر أبدي!
لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.