× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

حكاية هيثم.. الطفل المقموع الذي صار أباً عازباً

حكاياتنا - خبز 20-11-2021

بين وقت وآخر نقرأ دراسات وإحصاءات تتحدث عن الأمهات العازبات، بكل ما في ظروفهن من صعوبة، وتحديات نبيلة. على المقلب الآخر لا يحظى الآباء العازبون بتسليط ضوء كافٍ. هيثم أب سوري عازب كانت سنوات حياته الثلاثين حافلة بالمطبات، لكنه مصمم على المضي إلى الأمام أيّاً تكن الصعوبات

الصورة: (أب وطفله في مخيم للاجئين في اليونان 2017 / Dominic Wenger - فليكر)

«دائماً بنسمع عن الأمهات العازبات بس قليل كتير نسمع عن الآباء العازبين، ليش؟ مين قال إنو العاطفة الكبيرة تجاه الأطفال محصورة بس بالأم؟». بهذه العبارات يفتتح هيثم حكايته، قبل أن يعود سنوات إلى الخلف ليوجز فصولاً من مراحل حياته.

«قديش متعب يبقى الواحد عم يحارب حالو واللي حواليه ليكون حر ومستقل وصاحب قراره. هاد بيبدأ من عند الأهل، يا بيعطونا ياه يا بدنا نسرقه سرقة، شب أو بنت بهيك مجتمعات ما في فرق. بس هاد كله بيكون بكفة ولما يلاقي الواحد حاله أب أعزب بكفة تانية».

ينحدر الرجل الثلاثيني من عائلة تحكمها العادات والتقاليد التي لم يتصالح معها يوماً، فكان فكره متمرداً منذ صغره، لكنه لم يجرؤ على الرفض أو التغيير إلى أن أخذ قرار الهجرة إلى أوروبا. 

طفولة «مقموعة»

كانت حقيبة المدرسة التي يشكو كثير من التلامذة ثقل وزن الكتب فيها أجمل أحلام هيثم، وأبعدها عن أن تصبح واقعاً يعيش تفاصيله، إذ ترك المدرسة مُجبراً وهو في العاشرة، بقرار من والده بذريعة أن «تعلم مصلحة سيضمن مستقبله أكثر من شهادة تُعلق على الحائط فيما بعد»، هذا الجواب كان يسمعه الطفل هيثم كلما تحدث عن المدرسة. 

هكذا كان «نظام الحياة» في أسرة هيثم، الأب وحده من يقرر مصير أفراد عائلته بلا مجال للنقاش. 

امتثل الطفل للأوامر، وبدأ بالعمل مع والده في محل تصليح الإلكترونيات. ورغم ذكائه ومهارته في العمل إلى حد اكتشافه تفاصيل جديدة علمها لوالده، وحصل بسببها على مكافآت مادية منه، فإن ذلك لم يكن يعني الطفل بالمقارنة مع صورة طفل ذاهب إلى المدرسة. اعتاد هيثم ادّخار تلك المكافآت ليشتري كتباً يقرؤها خفية قبل النوم، لتكون بابه إلى عوالم أخرى لا تشبه محيطه. 

يقول: «صح كنت أحلم كون عالم أو مخترع، بس كان أكبر أحلامي إني ما صير نسخة مكررة عن العيلة». 

«مسؤولية الأطفال كبيرة جداً حتى حين يكون الوالدان معاً، فماذا لو كنا نتحدث عن أم عازبة؟ وماذا لو كان الأب هو العازب؟»

في سن العشرين كان لا بد أن يتزوج بحسب قوانين والده من فتاة يختارها له، ليكون كل شيء «ضمن الحلال والأصول». تزوج فتاة تصغره بعامين، وسكنا في بيت العائلة. كانت الفتاة الأولى في حياته، ورغم الاختلافات الكبيرة بينهما إلا أنه تعايش معها مع الوقت، فقد اعتاد أن يتأقلم ويطيع لتستمر حياته. 

بعد أربع سنوات وصلا إلى مفترق طرق، وأصبح الاستمرار صعباً، فانفصلا بطلب منها، تاركة له طفلة وطفلاً تنازلت عن حضانتهما في المحكمة بضغط من والدها الذي أقنعها بأنها مازالت صغيرة، وخيارات مواصلة حياتها ستكون كثيرة بدون الطفلين. 

«حلم» كان مستحيلاً

بعد اندلاع الحراك في سوريا وذهاب الأمور تدريجياً نحو التعقيد رأى هيثم أن الفرصة سانحة لإقناع والده بضرورة سفره إلى تركيا ليجد طريقاً نحو ظروف أفضل أمنياً واقتصاديّاً. ترك طفليه في عهدة العائلة، على نية العمل في تركيا لتأمين كلفة سفر مضمون وآمن إلى أوروبا، ثم لم شمل طفليه. 

عمل في تركيا قرابة ثلاثة أعوام، ثم استطاع الهجرة إلى أوروبا. تعلم لغة البلد الجديد بسرعة لتكون لغته الثالثة، فقد سبق له أن تعلم الإنكليزية بمفرده في سوريا، معتمداً على الكتب والإنترنت. 

مستغلاً سرعة تعلم اللغة، مع ما اكتسبه من عمله مع والده اجتاز هيثم عدداً من الدورات التدريبية في تكنولوجيا المعلومات والحاسب في زمن قصير، خاصة أن وقته كان ملكه بشكل كامل قبل قدوم طفليه. 

يقول: «التعب بلش من أول ما إجو، كان لازم أرجع بلش معهم من الصفر، خاصة إنو أمي وأبي هني اللي أسسوهم، طبعاً أكيد يكتر خيرهم، بس هني كبروا وأصلاً في مسافات فكرية وسلوكية كبيرة بيناتنا».

أب عازب

عندما وصلا، كانت منى (الطفلة الكبرى) في الثامنة من عمرها، أما أسلوبها في الكلام والسلوك فكان أكبر من عمرها، لكن بصورة سلبية لا تناسب طفلة، على عكس شقيقها الذي كان حينها في الخامسة، خجولاً وكلامه غير مفهوم إن تكلم.

عمل هيثم على إعادة هيكلة حياة طفليه من الصفر، ابتداء من غسل اليدين بعد الخروج من الحمام، وصولاً إلى الجوانب النفسية، فهما فضلاً عن كل الظروف غير المستقرة التي عاشاها في سوريا لم يريا والدتهما ولو مرة واحدة طوال سنوات. كانت الأم قد تزوجت و«أسست حياة جديدة، وأنجبت أطفالاً آخرين».

التحدي الأكبر لهيثم كان الموازنة بين مسؤولياته المنزلية وطفليه، وبين عمله الذي تطور إلى توليه منصباً مهماً في شركة كبيرة.

يقول: «بالتأكيد أي أم تعي تماماً ما أقول، مسؤولية الأطفال كبيرة جداً حتى حين يكون الوالدان معاً، فما ذا لو كنا نتحدث عن أم عازبة؟ وماذا لو كان الأب هو العازب؟». 

هذا الأب كبر من دون أن يتجرأ على البكاء أمام أحد، فذلك «أكثر ما يعيب رجولته» بحسب والده، وسط عائلة عودته على أن مسؤولياته محصورة خارج المنزل، لكن ذلك لم يحُل بينه وبين حرصه على احتضان طفليه بطريقة تخالف ما تربى عليه، خاصة ابنته التي باتت في الحادية عشرة من عمرها. يتعثر أحياناً فتهتز العلاقة بينهما، ثم يستعيدها بجهد لا يستهان به. 

يقول: «رضيان عن النتائج. أكيد لحد الآن بتمر لحظات ما بكون مستوعب إني عم ربي ولادي لحالي، بس بتمرق بكل شي مر فيها، وكمان كل شي حلو. بالنهاية مسؤوليتي إني أمنحن الأمان، وهاد الأمان أنا بحسه بحضنن». 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها