× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

رأس السنة ورأس العام و«الجندرة»!

عقل بارد - على الطاولة 02-01-2022

يذهب بعض مختصي اللغة العربية إلى أنّ مفردتَي «السّنة» و«العام»، وإنْ كانتا تعبّران عن المدة الزمنية نفسها، لكنهما تحملان دلالتين مختلفتين؛ فالسنةُ تُستخدم للدلالة على الجدب، والقحط، والمحل، والشّدة، والتعب. في حين تُستخدم كلمة عامٍ للدلالة على الخير، والوفرة، والسرور، والانشراح، والفرَج

الرسم: (عماد حجاج - كارتون موفمينت)

بينما كان الناس حول العالم يحتفلون، أو يتحضرون للاحتفال برأس السنة الجديدة - طبعاً حيث استطاعوا إلى ذلك سبيلاً - كنت وصديقتي نتناقش في موضوعٍ قد يبدو للوهلة الأولى أشد المواضيع سطحية، بل وأكثرها بعداً عن المناسبة؛ كنا نتناقش في: لماذا هو «رأس السنة» وليس «رأس العام»؟!

رغم السذاجة التي قد يوحي بها السؤال، وربما سذاجته الفعلية، فإنه وللغرابة أخذنا صوب تفكيرٍ مشترك في قضايا «الجندرة»، والنسوية، وحقوق المرأة! وهو ما سأعود للكلام عنه بعد أن أسرد بشكلٍ مختصر بضع أفكار مررت وصديقتي عليها في نقاشنا.

يذهب بعض مختصي اللغة العربية إلى أنّ مفردتَي «السّنة» و«العام»، وإنْ كانتا تعبّران عن المدة الزمنية نفسها، لكنهما تحملان دلالتين مختلفتين؛ فالسنةُ تُستخدم للدلالة على الجدب، والقحط، والمحل، والشّدة، والتعب. في حين تُستخدم كلمة عامٍ للدلالة على الخير، والوفرة، والسرور، والانشراح، والفرَج.

ويستند أصحاب هذا الرأي إلى بضع مواضع في القرآن الكريم، منها سورة يوسف حيث تمر سبع سنين من العمل الشاق والعيش كفافاً فحسب، ثم سبعٌ عجاف، ثم يأتي عام الغوث. 

ويسترشدون أيضاً بما يُقال إنّ العرب درجوا عليه في التأنيث والتذكير؛ إذ يؤنّثون ما يكرهون، ويذكّرون ما يحبون: فالشمس، والمصيبة، والكارثة، والعاصفة.. وإلخ، كلها مؤنّث، أما: القمر، والمطر، والنهر، والبحر.. وإلخ، فكلها مذّكر.

لست مختصة في العربية، ولا عالمةً بأسرارها. لكنْ ضمن معرفتي بها يمكنني أن أستحضر مئات الأمثلة التي تعاكس الآراء أعلاه؛ فكلمة «العرب» نفسها قد تُذكَّر وقد تؤنَّث، ومن المذكّرات ما هو بالتأكيد موضع كره مثل: القحط، والمحل، والجدب، والفقر، والعوز، والمرض.. وإلخ، ومن المؤنثات ما هو محل ودٍ ومحبّة، كالمحبة نفسها، وكذا الوفرة، واللغة، والقصيدة، والزهرة.. وإلخ. 

ناهيك بأنّ في العربية الكثير مما يجوز تأنيثه وتذكيره، وأنّ التأنيث نفسه ينقسم إلى تأنيث حقيقي، ومجازي، ولفظي، ومعنوي، و«لفظي معنوي» في آن، وتلك قصة أخرى أكثر تشعباً...

جزءٌ غير قليلٍ من النشاط «النِّسوي» والنشاط القائل بالدفاع عن حقوق المرأة، يضيع هباءً في أروقة الطقوس «الصالونية» و«النخبوية» الطابع، وبعيداً جداً من قضايا المرأة نفسها

لا يعني الكلامُ السابقُ أنّ اللغة العربية محايدةٌ تجاه الأجناس، وأنها لم تتأثر عبر تطورها التاريخي بكونها لغة مجتمعٍ غدا في مرحلة محددة مجتمعاً أبوياً، أو فلنقل «أكثر أبوية» مما كان عليه في زمانٍ غابر؛ إذ ترى دراسات تاريخية أنثروبولوجية، وميثولوجية عديدة أنّ البشرية بأسرها عاشت مرحلة طويلة بوصفها مجتمعات أمومية، تحتل فيها المرأة المواقع القيادية، والمواقع الأكثر تأثيراً، ومن بين ما يُستدل به على ذلك التطورات التي عاشها القصّ الأسطوري في ما يتعلق بالآلهة خلال نحو ثمانية آلاف عامٍ مضت، وهذه أيضاً قصة أخرى لا مجال للتوسع فيها هنا.

لا شكّ في أنّ العربية قد تأثرت إلى هذه الدرجة أو تلك بكونها لغة مجتمع أبوي، لكنّ ما أحاول قوله هو أنّ البحث الجاد عن تلك التأثيرات ليس موضوع درسٍ لغويٍ فحسب، بل هو أعقد وأشمل من ذلك بما لا يقاس؛ فهو موضوع بحثٍ اجتماعي وسياسي واقتصادي وتاريخي... بحثٌ أعمق مما نراه الآن من «جندرة اللغة»، بمجرد أن نضيف السيدات إلى السادة، والمواطنات إلى المواطنين، والصحافيات إلى الصحافيين وما إلى ذلك من ممارسات أزعم أنها في معظمها طقوسٌ وشكليات على هامش نضالٍ حقيقي لم يُخض بعد بالقدر الكافي، وينبغي أن يخاض في قضية المرأة وحقوقها.

في نقاشنا أنا وصديقتي وقفنا قليلاً عند الأجناس في لغات أخرى نعرفها بعض الشيء؛ فمثلاً الأسماء بذاتها في الإنكليزية والتركية، ليس لها جنس. أما في الألمانية والروسية فلها ثلاثة أجناس: مذكر، ومؤنث، ومحايد. وفي هاتين الأخيرتين، أي الألمانية والروسية، كما الأمر في العربية، لا يمكن تلمس تحيّزٍ واضحٍ ومقوننٍ لأيٍ من الأجناس في إسباغ الصفات الجيدة أو السيئة، المحببة أو المكروهة، على المسميات.

أهمّ من ذلك أنّ حقوق المرأة في الدولتين الأساسيتين اللتين تتكلمان هاتين اللغتين، أي في ألمانيا وروسيا، قد قطعت أشواطاً كبرى في التبلور قانوناً ومجتمعاً، ولم يترافق ذلك - ضمن حدود معرفتي - بثورةٍ في «جندرة» أيٍّ من اللغتين.

خلاصة القول - ومع احترامي لمن يقولون بـ«جندرة العربية»، ومع إقراري بمحدودية معارفي اللغوية - إنّ المسألة تبدو لي طقسيةٌ، شكليةٌ. وإنْ كانت الطقوس والشكليات أمراً لا غنى عنه، ولا مفر منه لأي جماعة تنشد توحيد صفوفها لتحقيق غاية من الغايات، إلا أنّ إعلاء شأن الطقوس كثيراً ما يتحول إلى غاية بذاته، ويلهي عن الغايات الأساسية. 

وللأسف، فإنّ معظم ما أراه على الصعيد السوري على الأقل، هو أنّ قسماً غير قليلٍ من النشاط «النِّسوي» والنشاط القائل بالدفاع عن حقوق المرأة، يضيع هباءً في أروقة الطقوس «الصالونية» و«النخبوية» الطابع، وبعيداً جداً من قضايا المرأة نفسها، التي هي في الوقت نفسه جزءٌ أساسي من قضايا المجتمع بأكمله، من الظلم الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والفكري... إلخ

وكل سنةٍ، وكل عامٍ و«أنتم» و«أنتن» بألف خير.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها