× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

رغم خناق «تحرير الشام».. تهريب المحروقات بين عفرين وإدلب مهنة للنسوة والأطفال

حكاياتنا - خبز 16-01-2022

بات «التهريب» مهنة الضرورة لمئات النسوة والأطفال في ريف إدلب الشمالي. فوسط استمرار تردي الظروف المعيشية يشكل فارق سعر المازوت بين ريف حلب الشمالي، وريف إدلب إغراء يدفع هؤلاء إلى المخاطرة، وتكبد المصاعب، ومخاطر الوقوع في قبضة عناصر «هيئة تحرير الشام»»

الصورة: (صوت سوري)

في صباح كل يوم تخرج الطفلة سناء (15 عاماً) من خيمتها في تجمع مخيمات أطمة القريبة من الحدود التركية شمال إدلب، حاملة عبوة بلاستيكية (بيدون)، وتنطلق سيراً على الأقدام نحو منطقة دير بلوط في ريف عفرين شمال غرب محافظة حلب بهدف تعبئة مادة المازوت، وتهريبها إلى إدلب لتتمكن من تأمين قوت عائلتها.

وعلى الطريق الواصل بين أطمة، ودير بلوط تُمكن مشاهدة عشرات النساء والأطفال، يحملون على الرؤوس والأكتاف أوعية بلاستيكية يتسع كل منها 15 أو 20 ليتراً من المازوت «المفلتر» لتهريبها إلى أطمة الخاضعة لسيطرة «هيئة تحرير الشام»، وبيعها هناك.

وتمنع «تحرير الشام» التي تسيطر على محافظة إدلب دخول المحروقات من ريف حلب الشمالي إلى مناطق سيطرتها تطبيقاً لسياسة الاحتكار والتضييق على السكان في المنطقة، إذ تهيمن «الهيئة» على قطاع المحروقات بشكل كامل من خلال شركة «وتد للبترول» المخولة وحدها باستيراد المشتقات النفطية، وتوزيعها بالسعر الذي تحدده نظراً لغياب المنافس.

ويحرص عناصر «الهيئة» في معبر «أطمة - دير بلوط» الذي يربط مناطق شمال حلب بمناطق إدلب على حجز أي سيارة تحمل المحروقات في عبوات، أو يكون خزانها مملوءاً بالكامل، ويمتد الحجز أسبوعاً على الأقل، فضلاً عن فرض غرامة مالية على صاحبها. كما نشرت «تحرير الشام» العشرات من عناصرها بين أشجار الزيتون في المنطقة الفاصلة لمنع أي عملية تهريب.

لا تخفي روان ما تتعرض له أحياناً من عمليات تحرش جنسي أثناء عملها في تهريب المازوت. تروي أنها كانت قبل فترة مع سيدتين تعملان معها، وتحرش بهنّ شبان يستقلون سيارة. «تحرشوا بنا، وعرضوا علينا المال مقابل أن نذهب معهم إلى حيث يريدون لساعات فقط»

تقول الطفلة سناء وهي نازحة من ريف حماة الشمالي لـ «صوت سوري» إن الظروف المتمثلة بوفاة والدها قبل ثلاث سنوات، ومرض والدتها، جعلتها تتحمل المسؤولية باكراً، خاصةً أنها أكبر إخوتها، فتركت دراستها وحولت حقيبتها المدرسية إلى حقيبة تضع في داخلها «البيدون»، لتحملها على كتفها ويكون الضغط أخفّ على جسدها الذي لا يزال غضاً. 

تشرح الطفلة أنها تقطع الطريق ذهاباً وإياباً مرتين يومياً، صباحاً وعصراً، وتتسلل بين أشجار الزيتون إلى دير بلوط، فتملأ «البيدون» الذي يسع 15 ليتراً بسعر ست ليرات تركية لكل ليتر، ومن ثم تعود لتبيع الليتر بسبع ليرات تركية لبعض التجار، لتكون قد حصلت بذلك مبلغ 30 ليرة تشتري بها طعام إخوتها، ودواء والدتها.

تشير سناء إلى المخاطر الكبيرة التي قد تتعرض لها، خاصةً أنها تسير بين أشجار الزيتون في منطقة خالية تماماً، فضلاً عن تعرضها برفقة من معها أحياناً للملاحقة من قبل عناصر «هيئة تحرير الشام» الذين يقفون وكأنهم حرس حدود بين دولتين. وفي حال تمكن العناصر من الإمساك بأحد الأطفال، أو إحدى النسوة يصادرون المازوت، وأحياناً يدلقونه أرضاً ويمزقون «البيدون».

سيدات وتحرش

لا تختلف قصة روان، السيدة الثلاثينية كثيراً عن قصة الطفلة سناء، فالمعاناة ذاتها، والمخاطر نفسها، وكذلك الأسباب التي دفعتها إلى هذا العمل لا تختلف كثيراً، فهي أم لأربعة أطفال جميعهم تحت سن العاشرة، وزوجة لشاب فقد أطرافه إثر غارة جوية مطلع العام 2017 في ريف حلب الجنوبي، جعلته طريح الفراش.

تروي السيدة ما حصل معها مرة في المنطقة الفاصلة بين دير بلوط وأطمة، إذ فوجئت هي ومن معها بأكثر من خمس عناصر كانوا مختبئين بين الأشجار. تقول: «هجموا علينا كالوحوش، للوهلة الأولى ظننا أنهم قطاع طرق، وراحوا يطلقون النار في الهواء بعد أن حاول بعض الأطفال الهرب. جمعونا في بقعة واحدة، وصوبوا الأسلحة إلى رؤوسنا وكأننا مجرمون، وصادروا بعدها جميع بيدونات المازوت، ووجهوا إلينا شتائم وكلمات سيئة أخجل أن ألفظها».

تشرح روان أن العناصر هددوا النساء والأطفال بالسجن والغرامة المالية في حال تكرار التهريب، وتؤكد أن تلك التهديدات لم تمنعها من مواصلة العمل ذاته، فهي مضطرة حتى وإن تعرضت لمثل هذه المخاطر والمضايقات، خاصةً في ظل عدم توافر فرص عمل أخرى تعينها على تأمين نفقات أطفالها وزوجها. 

لا تخفي السيدة ما تتعرض له أحياناً من عمليات تحرش جنسي في الطريق. تروي أنها كانت قبل فترة مع سيدتين تعملان معها، وتحرش بهنّ شبان كانوا يستقلون سيارة. تقول: «تحرشوا بنا، وعرضوا علينا المال مقابل أن نذهب معهم إلى حيث يريدون لساعات فقط، إلا أننا هددناهم بفضحهم على الحاجز».

«التهريب خيرٌ من السرقة»

محمد شاب عشريني لم يجد عملاً سوى التهريب. يقول: «كل الأبواب أوصدت في وجهي. حاولت الاستدانة من بعض أقاربي لأبدأ مشروعاً ما، لكن جميع محاولاتي باءت بالفشل بسبب سوء أوضاع الجميع، كيف سأتدبر المال لأعيش؟ لا أريد أن أسرق، ولا أريد مغادرة بلدي، لذلك وجدت في التهريب فرصة جيدة».

«هجم عناصر تحرير الشام علينا كالوحوش. للوهلة الأولى ظننا أنهم قطاع طرق، راحوا يطلقون النار في الهواء بعد أن حاول بعض الأطفال الهرب. جمعونا في بقعة واحدة، وصوبوا الأسلحة إلى رؤوسنا وكأننا مجرمون»

تبدأ رحلة محمد كل يوم منذ الساعات الأولى من الصباح إلى دير بلوط، حيث يشتري ما بين 75 و100 ليتر من المازوت، وينقلها بواسطة سيارة إلى أطمة. 

يشرح أن عناصر حاجز «تحرير الشام» يوقفونه كل مرة ويفتشون عن المحروقات، لكنه وجد طريقة ليخبئ المازوت من دون اكتشافه. 

يعرف الشاب أن هذا العمل محفوف بالمخاطر طوال الوقت، خاصة مع التشديد المستمر لعناصر «تحرير الشام»، وتكثيف الدوريات بين الأراضي الزراعية. 

يروي محمد أنه اضطرّ قبل فترة إلى دفع مبلغ 100 دولار أميركي على الحاجز غرامةً لأنه ملأ صهريج السيارة الأساسي، وحُجزت السيارة أكثر من أسبوعين.

يؤكد الشاب أن «مهنة تهريب المحروقات من عفرين إلى إدلب باتت مهنة مئات السكان، وربما الآلاف، بسبب فارق السعر بين المنطقتين، ففي عفرين لا يوجد احتكار كما في إدلب، والأسعار هناك أرخص بكثير».

يقول «أُهرب يومياً حوالى 100 ليتر من المازوت، وربحي منها يتجاوز 150 ليرة تركية، وأستطيع تأمين مصاريف عائلتي من دون الاحتياج إلى أحد».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها