× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

زوجات المقاتلين الأجانب في إدلب: المآسي مستمرّة

حكاياتنا - خبز 14-03-2022

أُجبرت فاطمة قبل أربع سنوات على الزواج بشخص يحمل الجنسية الأوزبكية كان «يرابط» إخوتها معه على أحد خطوط التماس في إدلب. بعد زواج استمر سنتين رزقت خلالهما بطفل، قرر الزوج العودة إلى بلاده، وترك الطفل مع والدته لتتكفل بتربيته. هذه مجرد حكاية واحدة من آلاف الحكايات لزوجات «المهاجرين» اللواتي لم يوجد حتى اليوم حلّ جذري وواضح لمشكلاتهن، ومشكلات أبنائهن

الصورة: (عاصم زيدان - فايسبوك)

طُلّقت مريم قبل نحو شهرين من زوجها المعروف باسم «أبو البراء الكويتي» بعد زواج لم يدم أكثر من سنتين، نتيجة «خلافات عائلية بسيطة» كما يقول والدها. 

حرمت السيدة من طفلها الرضيع وعمره لم يتجاوز خمسة أشهر لأن والده أبقاه معه، وهي لا تعرف أي شيء عنه اليوم. 

يقول والد مريم إنه وافق على تزويج ابنته من ذلك الشخص برغم نصائح كثير من الأهل والأصدقاء بعدم الإقدام على تلك الخطوة، مدفوعاً بما رآه فيه من «التزام ديني وحسن أخلاق، قبل أن ينقلب الحال إلى سوء معاملة العروس، وإهانات لها، وقطع لعلاقتها بأهلها طوال فترة زواجهما».

لم تتمكن مريم وعائلتها من الحصول على حقها في احتضان طفلها ولا حتى في رؤيته، كما أنها لم تحصل على شيء من مهرها، بسبب «الحصانة» التي يحظى بها طليقها، فهو «قاضٍ شرعي» في «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على معظم محافظة إدلب.

أما هدى التي زوّجت من مهاجر تونسي فلا تزال معلقة بمصير مجهول، إذ اختفى زوجها وتركها هي وطفلته الوحيدة في بيت أهلها. 

مضى على زواج هدى عامان، وتقول إن آخر تواصل بينها وبين زوجها كان قبل خمسة أشهر حين أوصلها وطفلتهما إلى منزل أهلها، وأخبرها بأنه «ذاهبٌ إلى خطوط الرباط»، اختفى، ولم يصلها أي خبر منه أو عنه، كما توقف عن استخدام تطبيق «واتساب» منذ ذلك الحين. تواصلت عائلة هدى مع «نقطة الرباط» التي ينتمي إليها الزوج، ليتضح أنه لم يلتحق بالنقطة، ولم يتواصل مع أيّ من أفرادها منذ ذلك الوقت أيضاً. 

تؤكد هدى أن معاملة زوجها لها كانت سيئة طوال فترة زواجهما، وأنه دائماً ما كان يعنفها بالضرب، والألفاظ النابية، فضلاً عن تهديدها باستمرار بتركها والعودة إلى مسقط رأسه في تونس. 

في العام 2018 أطلق ناشطون في إدلب حملة للتوعية من مخاطر الزواج من مجهول / مين زوجك - فايسبوك

ولا تختلف حكاية فاطمة إلا من حيث التفاصيل: أجبرها والدها وإخوتها قبل أربع سنوات على الزواج بشخص يحمل الجنسية الأوزبكية كان «يرابط» إخوتها معه على أحد خطوط التماس. وبعد زواج استمر سنتين رزقت خلالهما بطفل قرر الزوج العودة إلى بلاده، وترك الطفل مع والدته لتتكفل بتربيته.

تقول فاطمة إنها كانت تتوقع تلك النتيجة، خاصة مع عدم وجود روابط قوية تضمن استمرارهما معاً، وتشرح أنها علاوة على اختلاف العادات والتقاليد، كانت تواجه صعوبة في التفاهم مع لأنه لا يتقن إلا بعض الكلمات العربية، لذلك لم تتجاوب مع محاولاته لإقناعها بترك سوريا والسفر معه.

أزمة مُستعصية؟

حكايات مريم، وهدى، وفاطمة، تكررت مع كثير من السوريات اللواتي وقعن ضحايا لزواج مؤقت من أشخاص مجهولين، قد تختلف التفاصيل بين ضحية وأخرى، لكن النتيجة واحدة: الطلاق، أو سفر الزوج، أو اختفاؤه وانقطاع أخباره. 

يروي الحاج عبد الكريم لـ«صوت سوري» قصة موافقته على تزويج ابنته من شخص يُعرف باسم كريم أبو إسلام، وهو مغربي الجنسية. يقول عبد الكريم إنه وافق على مصاهرة ذلك الشاب مدفوعاً بإعجابه بـ«التزامه الديني، ومواظبته على الصلاة في المسجد»، خاصة أنّ المغربي وعدَ حماه بأنه سيقيم في سوريا بشكل دائم.

ويضيف: «بعد فترة من الزواج بدأت مشكلاته مع ابنتي تتزايد، وانتهت القصة بغيابه عن الأنظار مدة ثلاثة أشهر، لنُفاجأ بعدها باتصال هاتفي منه أبلغ ابنتي خلاله بطلاقه لها، وبأنه ترك سوريا وعاد إلى المغرب». تلك الحادثة جعلت الحاج عبد الكريم عرضة لانتقاد بعض أقاربه ومعارفه، من خلال عبارات مثل: «خلي مصاري المهاجرين تنفع حج عبد الكريم»، «خرب بيت بنتو بإيدو»، «داير على السلطة وما قدر يترك بنتو عندو».

تؤكد هدى أن معاملة زوجها لها كانت سيئة طوال فترة زواجهما، وأنه دائماً ما كان يعنفها بالضرب، والألفاظ النابية، فضلاً عن تهديدها باستمرار بتركها والعودة إلى مسقط رأسه في تونس

ومنذ العام 2013 نشطت ظاهرة تزويج فتيات سوريات من «جهاديين» غير سوريين مع تزايد وصول «المهاجرين» من دول عديدة إلى الشمال السوري، وانضمامهم إلى تشكيلات «جهادية» مختلفة تحت عنوان «نصرة السوريين».

وعادةً ما تشرف على تنسيق أمور هذا النوع من الزواج نسوة ينتمين إلى «مؤسسات شرعية» كـ «هيئة الحسبة» وغيرها، أو أمهات لمقاتلين سوريين مقربين من أولئك «المهاجرين»، وغالباً ما يجدن ضالتهن في العائلات الفقيرة، أو عند الشابات اللواتي تجاوزن السن المتعارف عليه للزواج في المجتمع المحلي.

وقُتل كثير من الأزواج في المعارك، واختفى آخرون، كما قرر كثرٌ خلال العامين الماضيين الرجوع إلى بلدانهم، أو الانتقال إلى بلدان أخرى مخلفين وراءهم أطفالاً وزوجات، خاصة مع تلاشي سطوة تنظيم «داعش» الذي احتضن كثيراً منهم، ومع الجمود الميداني الذي أصاب كثيراً من محاور النار التي كانت نشطة في السنوات السابقة. ولا تزال مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة «هيئة تحرير الشام» تشهد زيجات من هذا النوع، بفعل مكوث أعداد مجهولة من «الجهاديين» الأجانب فيها، متوزعين على تنظيمات عديدة من «الجبهة» إلى «الحزب الإسلامي التركستاني»، وتنظيم «حراس الدين»، وغيرها.

زوجات بلا حقوق.. وأطفال بلا نسب

ثمة مشكلات كثيرة تخلفها هذه الزيجات، خاصة مع وقوعها خارج الأطر القانونية السورية، ومن دون توثيق رسمي، وعدم معرفة الأسماء الحقيقية للأزواج، ليزداد الأمر تعقيداً في حال وجود أطفال سيتحولون تلقائيّاً إلى «مجهولي نسب». 

وتتباين الآراء حول الصحة الشرعية لعقود القران التي لا يُصرح فيها بالاسم الحقيقي والكامل للزوج. 

يرى القضاء الشرعي التابع لـ«هيئة تحرير الشام» التي تهيمن على معظم محافظة إدلب، وتحدث تحت سلطتها عشرات الزيجات من هذا النوع أنها «عقود زواج صحيحة، بالاستناد إلى توافر الشروط الأساسية لعقد الزواج وهي وجود ولي الأمر، وحضور الزوج والزوجة، والشهود».

يقول أبو عبد الرحمن، وهو «قاضٍ شرعي» لدى «الهيئة» إنّ «إجازة هذه العقود جاءت نتيجة حضور شخصي من قبل الزوج، وولي الزوجة، وخطاب مباشر بينهما بحضور مجموعة من الشهود جرى خلاله الطلب والقبول بغض النظر عن معرفة اسم الزوج».

ويضيف: «تلك العقود تُوثّق في المحاكم الشرعية بشكل رسمي».

يشير أبو عبد الرحمن إلى وجود «مسؤول المهاجرين» (في نطاق سلطة «تحرير الشام»)، ويشرح أنه «شخص يمتلك معلومات كاملة عن أسماء المهاجرين الثلاثية، ومعلومات عن بلدانهم الأصلية».

وفي العام 2017 كان المجلس الإسلامي السوري (في تركيا) قد أصدر فتوى بـ«جواز هذا النوع من العقود مع الإثم، لما فيه من مفاسد وأضرار بحق الزوجة، سواء على الصعيد الاجتماعي، أو المدني»، وأكدت الفتوى على أن «الطفل الناتج عن ذلك الزواج هو طفل شرعي».

ويتعارض رأي القانون السوري مع ما سبق، إذ يُعد الزواج بشخص من دون الإفصاح عن اسمه الحقيقي زواجاً غير صحيح، نتيجة إخلاله بشرط أساسي من شروط العقد.

وبحسب قاضٍ مدني تحدث إلى «صوت سوري» مشترطاً عدم الكشف عن اسمه «يتوجب أن يُرفق مع أي عقد زواج قيدٌ مدني للزوجة، وآخر للزوج، يصدران عن أمين السجل المدني»، ويضمن ذلك «تنظيم سجلات مدنية للأطفال بعد إثبات واقعة الزواج بشكل قانوني لأبوين معلومين، خلافاً لمجهولي النسب الذين يُسجلون بناء على شهادة تُنظمها مؤسسة معتمدة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ويودعون في تلك المؤسسة بعد أن يختار أمين السجل المدني اسماً وكنية للطفل، وتسجل هذه الشهادة في السجل المدني في المنطقة التي وجد فيها».

في العام 2018 أقرت دمشق بعض التعديلات التشريعية الخاصة بأوضاع مجهولي النسب، بعد أن طُرحت مسودة قانون كامل في العام 2018 لكنها لم تتجاوز مجلس الشعب. ومن بين التعديلات المقرّة اعتبار مجهول النسب سوريّاً، ومُسلماً، ما لم يثبت خلاف ذلك.

ويُعدّ مجهولاً للنسب أي طفلٍ لا يُعرف والده على نحو صريح ووفق وثائق رسمية، حتى ولو كانت والدته حاضرة ومعروفة، وتختلف بعض التفاصيل الإجرائية في مثل هذه الحالة، إذ يُدوّن اسم الأم، ويُسجل المولود لأب مجهول، ويُمنح كنية يختارها أمين السجل المدني، وعادة ما تكون هذه الكنية عبارة عن اسم علم يُفترض أنه اسم الجد.

ولا يقتصر العمل بهذه الآلية على مناطق سيطرة دمشق، بل تُتبع أيضاً في مناطق سيطرة المعارضة التي تُديرها الحكومة المؤقتة. أما في المناطق التي تسيطر عليها «تحرير الشام» وتديرها حكومة الإنقاذ، فهنالك حرص على إحاطة هذا الملف بالغموض. 

يقول أبو عبد الرحمن (القاضي الشرعي لدى تحرير الشام) لـ «صوت سوري» حول تثبيت هذا النوع من عقود الزواج، وتسجيل الولادات في دوائر النفوس (في نطاق سلطة «تحرير الشام» وتحت إدارة حكومة الإنقاذ) إنه «اتُّفق على فتح خانة جديدة في السجل المدني خاصة بالمهاجرين (الجهاديين غير السوريين) يحصل عبرها تثبيت العقود، أو الولادات وفق نظام خاص وأمني، وتتاح من خلاله تسمية الزوج / الأب باسمه الصريح، من خلال التواصل مع مسؤول المهاجرين، أو قد يُكتفى باسمه المستعار إلى حين الحصول على اسمه الحقيقي». ولا يقدم هذا الكلام إجابات وافية، خاصة مع انعدام توافر إحصاءات وأرقام حول أعداد الأطفال المسجلين وفق هذه الآلية التي تركت بدورها الباب مفتوحاً أمام تجهيل اسم الأب الحقيقي لـ«دواعٍ أمنيّة». 

ما ينطبق على الأطفال، ينطبق قبلهم على أمهاتهم، إذ لا وثائق رسمية تعتبرهن متزوجات، ولا مطلّقات. 

ووفقاً للقانون يكون في وسع أي واحدة منهنّ الزواج متى أرادت طالما أن في وسعها الحصول على قيد نفوس مدني يفيد بأنها غير متزوجة، لكنّ «الضوابط الشرعية تستوجب عليها الحصول على الطلاق، إما بسماع اللفظ من زوجها، أو بموجب فتوى خاصة، أو حكمٍ قضائي، لتقضي بعدها عدّة الطلاق، ثم يمكنها الزواج، وإلا وقعت في الإثم وارتكاب الكبائر»، وفقاً لمصدر في دار الإفتاء في مدينة سورية تحت سيطرة دمشق، تحدثت إليه مراسلة «صوت سوري» زاعمة أنها كانت تسأل عن مسألة تخصّها شخصيّاً.

ويقضي القانون السوري في مثل هذه الحالة بتطليق الزوجة استناداً إلى مدة غيابه، لكنّ عدم وجود الزواج على السجلات يعقّد الحالة، ويصبح البديل «فتوى شرعية» وفقاً للمصدر السابق نفسه.

ولا تتوافر إحصاءات وبيانات دقيقة عن عدد حالات الزواج من مجهولين، لا في سوريا بشكل عام، ولا في الشمال. ومن بين التقديرات القليلة المتوافرة، تشير بيانات تعود إلى العام 2018 لحملة «مين زوجك» إلى «1735 حالة زواج لسوريات من مهاجرين، 1124 منهن أنجبن أطفالاً، وبلغ عدد الأطفال المولودين لآباء مهاجرين 1826 طفلًا، في إدلب وريفها، وريفي حماة الشمالي والغربي».

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0