× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

المهجّرون الجدد: ضحايا مخططات دمشق التنظيمية

حكاياتنا - خبز 28-04-2020

تفاصيل فارهة كثيرة أخذت أماكنها في مجسمات لـ«مدن حديثة» تضاف الى أحياء دمشق، بعد أن نُسفت البيوت والبساتين القديمة لتكون الأحياء المستحدثة وجه العاصمة المستقبلي الموعود. أسئلة كثيرة تدور في أذهان السوريين: من سيسكن هذه الأحياء؟ ولمن تبنى؟ وما مصير سكان الأحياء السابقة؟

الصورة: (الصفحة الرسميّة لـماروتا سيتي على فايسبوك)

على امتداد عقود، وضعت مخططات تنظيمية عدة للمدن السورية، ولم ينفذ منها إلا القليل، ونمت «مدن» من العشوائيات على أطراف كثير من المدن السورية، وعلى رأسها دمشق، تحت أعين مجالس المحافظات، والبلديات. اليوم تصل إلى العديد من سكانها إشعارات بوجوب الإخلاء، ويُطلب منهم توقيع تعهدات تعفي المحافظة من أي مطالبات.

تُقدر مساحة العشوائيّات من إجمالي المساحات السكنية المشغولة في سوريا، بما نسبته 35 – 40 بالمئة. انطلقت في السنوات الأخيرة خطط لتحويل عدد من تلك العشوائيات إلى «مدن حديثة»، خاصة في دمشق، وحمص، وحلب. من بين تلك العشوائيات ما أتت عليه العمليات الحربية، ومن بينها ما لم يتأثر بنيران الحرب المباشرة.

المفارقة، أن إخلاء المناطق غير المتأثرة من سكانها، والبدء في تنفيذ «المخططات» كان على رأس أولويات الحكومة السورية، مع إدراج العملية في إطار «إعادة الإعمار»!

«ماروتا سيتي» تشرد الآلاف!

في العام 2012 صدر المرسوم 66 الشهير، الذي نص على إحداث منطقتين تنظيميتين جديدتين في دمشق: تنظيم منطقة جنوب شرق المزة، من المنطقتين العقاريتين المزة، وكفرسوسة. وتنظيم جنوبي المتحلق الجنوبي من المناطق العقارية: المزة، وكفرسوسة، وقنوات بساتين، وداريا، والقدم.

أطلق عل المشروع الأول اسم «ماروتا سيتي»، وموقعه في المنطقتين المعروفتين بـ «خلف الرازي، وبساتين المزة». 

تسبب البدء في تنفيذ المرسوم بضم آلاف الأسر إلى قائمة المهجّرين، بعد إخلاء البيوت من ساكنيها. وحتى اليوم لم يقدّم السكن البديل للشرائح المستحقة له من بين من تمّ إخلاؤهم، علاوة على مماطلة محافظة دمشق في دفع التعويضات المنصوص عليها، وعدم مطابقة المبالغ لواقع السوق أصلاً.

بدأ العمل بشكل فعلي على المخطط في منتصف العام 2017، من قبل محافظة دمشق و«شركة دمشق الشام القابضة» المدارة من قبل المحافظة، على أن يستمر العمل مدة خمس سنوات تقريبا لإتمام المشروع. 

وفق المخطط، ستكون النتيجة واحدة من «المدن الذكية»، تحوي عدداً من الأبراج السكنية والمراكز التجارية الضخمة، ومساحات واسعة من الحدائق والجامعات والمدارس والمرافق المتنوعة. إضافة إلى مول تجاري مساحته 120000متراً مربعاً، وثلاثة من أكبر الابراج في الشرق الأوسط، أحدها بارتفاع 70 طابقاً.

يعرّف الموقع الرسمي لمشروع «ماروتا سيتي» عنها، بأنها «المدينة الجديدة التي سوف تسهم في بزوغ فجر جديد لدمشق العراقة والتاريخ، وتضعها على خارطة الحداثة والعالمية». ألم تكن العاصمة السورية موجودة على «خريطة العالمية» قبل ماروتا؟ يبدو أنّها لم تكن!

صدر وصُدّق 

أعاد أصحاب المحال الصناعية في القدم – عسالي، الروح إلى منطقتهم برغم الخراب المحيط بهم. 

الحياة لا تزال عرجاء هنا، ولا يمكن الحديث عن عودة حقيقية للسكان، بسبب وضع مخطط تنظيمي جديد للمنطقة. 

يقول مازن، العامل في مجال تصليح السيارات «كنا محظوظين لأن المخطط التنظيمي الجديد لم يأت على منطقتنا الصناعية، كما حصل في القابون». ويضيف «لم أقم بإصلاحات كبيرة في محلي، ولا تزال أثار المعارك واضحة على الجدران. لا أعرف ماذا يحمل الغد لي، وهل سنبقى هنا؟ أم تصدر قوانين جديدة تقصينا خارج أملاكنا؟».

أعلن مجلس محافظة دمشق، في نهاية شهر تموز من العام 2017، عن المخطط التنظيمي لمدينة «باسيليا» جنوبي المتحلق الجنوبي، والممتدة إلى القدم والعسالي وشارع الثلاثين، جنوبي دمشق، مع توقعات بتوسعه مستقبلاً وصولاً إلى داريّا. 

«باسيليا» كلمة سريانية، ومعناها - بحسب مجلس المحافظة – هو «الجنة». ما لم يقله المجلس، إنها الجنة التي لن يدخلها إلا من رحم ربي من أبناء المنطقة الأصليين. 

تحويل السوريين إلى مشردين ليس مهمة  تنفذها  الحرب فقط، بل يساهم فيها بقوّة «بناء دمشق المستقبل»!

يسكن خالد (58 عاماً) في إحدى بلدات ريف دمشق الغربي منذ العام 2018. يقول: « تلقينا الإنذارات لنخلي منازلنا خلف الرازي، برغم كل الاعتراضات التي تقدمنا بها. يومها أحاط بنا عدد من رجال الشرطة والأمن ولم يعد أمامنا سوى الخروج من منازلنا، مرغمين على ترك أرضنا وأرض أجدادنا». 

يتابع «بعتُ أبواب المنزل، والحديد الذي بقي لي من الخراب، واشتريت منزلاً في الريف لأنني لا أملك ثمن منزل في المدينة، ولا أستطيع السكن في شقة مستأجرة، فالإيجارات مرتفعة، وقد اضطررت قبل الشراء إلى التنقل خلال سنة واحدة بين ثلاثة منازل». يقول خالد «وعدنا بالسكن البديل، على أن يتم بناؤه مباشرة. وحتى اليوم لم يتم وضع حجر على حجر. المحافظة تصرف لنا بدلات إجار لا تكفي لدفع إيجار غرفة في أسوأ المناطق». 

قبل فترة، قال عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، فيصل سرور، إن  محافظة دمشق «لم تحسم قرارها بعد، بخصوص الشركة التي ستقوم ببناء السكن البديل»!  سرور، أوضح عبر برنامج إذاعي بثته إحدى الإذاعات السورية الخاصة، أن «شركات عديدة من جنسيات مختلفة تقدمت لبناء المساكن». وأن «الكلفة المرتفعة للتراخيص، تحول دون قيام المواطنين باستخراج الرخص والبدء بعملية البناء في المناطق المنظمة». وأضاف «قد تُصدر محافظة دمشق قراراً بتقسيط قيم رسوم الترخيص، تشجيعا للمواطنين الراغبين بالبناء».  

الصناعة من ضحايا المخططات

مع نهاية العام 2019 أعلنت محافظة دمشق عن المخطط التنظيمي رقم 104 (منطقة القابون، وجزء من الأراضي الزراعية لحرستا)، وأتاحت للأهالي وأصحاب الحقوق تقديم اعتراضاتهم عليه ضمن مهلة شهر، مع وعد بأن يتم تعديل الدراسة وفق الاعتراضات المحقة.

يصرخ فراس عبر أثير محطة إذاعية محلية، مذكراً بحقه في الاعتراض على المخطط التنظيمي، وخاصة أن المخطط الذي وُضع لمنطقة القابون، أتى على المنطقة الصناعية فيها. رسم الرجل حديثه بعناية، وحرص على الزج ما بين كل جملة وثانيتها، بكلام للرئيس بشار الأسد، حول أهمية الصناعة وضرورة دعم الصناعيين. لكن اعتراضات فراس وغيره العشرات من الصناعيين لم تنفع، وتم إقرار المخطط التنظيمي للقابون، ليضع على المحك مصير حوالى 750 منشأة صناعية تضمها المنطقة الصناعية. تعمل المنشآت المذكورة في مجالات مختلفة، من كيميائية وهندسية وغذائية ونسيجية، وتشير كل المعطيات إلى أنها ستصبح جزءاً من الماضي.

ويضمن مخطط القابون الصناعية، تحويل المنطقة إلى سكنية تجارية خدمية، حيث ستضم إضافة إلى الأبراج السكنية، منشآت استثمارية، ومستشفيات، ومدارس، ومراكز تجارية، ومراكز خدمية.

مخطط ورا مخطط

تعد منطقة القابون، المنطقة التنظيمية الثالثة الموافق عليها في دمشق، بعد ماروتا وباسيليا، بالاستناد إلى المرسوم 66/2012 والقانون 10/2018.

كما تتضمن الخطة مصوراً لبرزة والقابون وجوبر. فيما ينتهي وضع مصور لمنطقة التضامن والزاهرة ونهر عيشة في العام 2020، ثم سفح قاسيون وركن الدين والمهاجرين ومعربا في العام 2021، والدويلعة والطبالة في العام 2022، والمزة 86 ومخالفات دمّر في العام 2023، وأخيراً المعضمية بين العامين 2023 و2024.

على امتداد عقود، وضعت مخططات تنظيمية عدة للمدن السورية، ولم ينفذ منها إلا القليل. ونمت «مدن» من العشوائيات على أطراف دمشق، تحت أعين المحافظة، والبلديات. اليوم تصل إلى العديد من سكانها إشعارات بوجوب الإخلاء، ويُطلب منهم توقيع تعهدات تعفي المحافظة من أي مطالبات، في حال السماح لهم بتركيب عدادات مياه وكهرباء.

ويتعهد السكان، لدى الكاتب بالعدل، بعدم مطالبة المحافظة بأي حقوق تترتب على عملية التركيب الجديدة، بعد أن كانت المحافظة قد أصدرت سابقاً قرارا بعدم منح أي موافقة جديدة لتركيب العدادات.

المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، صرح قبل فترة على لسان العضو شادي سكرية، لجريدة الثورة، قائلا: «تم إلزام أصحاب المنازل الجديدة في المناطق المخالفة في مزة 86 ودمر، بكتابة (تعهد خطي) عند الكاتب بالعدل بهدف ضبط حركة البناء فيها». وأكد أن هذا التعهد «سيتم تعميمه على جميع مناطق المخالفات في دمشق». ويصعب على السكان تصديق هذه التصريحات، بعد التجارب السابقة التي أثبتت أنّ تحويل السوريين إلى «مشرّدين»، ليس مهمة يقتصر تنفيذها على الحرب فقط، بل يساهم فيها بقوّة «بناء دمشق المستقبل»!

ما هو شكل دمشق القادم؟ ومن سيسكن مدنها الذكية تلك؟ سؤال لن يطول الزمان قبل معرفة إجاباته الموجعة.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها